لا ينبغي لذي الحاجة المضطر أن يستعجل استجابة دعائه لأن الله عز وجل مجيبه وكاشف سوئه
لا ينبغي لذي الحاجة المضطر أن يستعجل استجابة دعائه لأن الله عز وجل مجيبه وكاشف سوئه و قاض حاجته لا محالة في وقت معلوم من تقديره جل شأنه
من المعلوم أن طبيعة الضعف المتأصلة في الإنسان تجعله مضطرا للاستعانة بخالقه عند الشدة والحاجة ، ووسيلته إلى ذلك هي الدعاء والضراعة إلا أن طبيعة الاستعجال المتأصلة فيه هي الأخرى، تجعله يستعجل استجابة دعائه، وقضاء حاجته أو خلاصه من شدة حلت به مع أن الخالق سبحانه وتعالى لا يهمله وإن أمهله .
وكثيرا ما يشكو الناس من عدم استجابة دعائهم، وهم لا يعرفون أولا هل ما سألوا خالقهم سبحانه وتعالى هو مما ينفعهم أم هو مما يضرهم . وغالبا ما يسألون الله عز وجل حاجتهم دون أن يقيدوا سؤالهم بطلب الخير والنفع فيها، وهو ما يستأثر سبحانه وتعالى بعلمه وحده ، وقد نبهنا رسوله الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك عندما نصلي صلاة الحاجة، ولكن كثيرا من الناس لا يفعلون ذلك بل يصرون ويلحون على استجابة دعائهم ، ولا يبالون بما استأثر الله تعالى بعلمه.
ومع أن الله عز وجل أخبرنا في محكم التنزيل أنه مجيب المضطر إذا دعاه ، وكاشف السوء إذا مسه إلا أننا نتصرف في التوجه إليه بالدعاء دون استحضار هذا الأمر بل قد يدب اليأس في نفوسنا ،فيسلمنا إلى القنوط من رحمته سبحانه وتعالى، وهو ما لا ينبغي بل هو سوء أدب معه جل جلاله .
ومعلوم أن الذي ينطلق من قناعة مفادها أن الله تعالى يجيب المضطر إذا دعاه لا محالة ، ويكشف ما به من سوء أو يعطيه ما يتمناه ويرجوه ، لا يمكن أن ينقطع رجاؤه فيه ، ولا يمكن أن ينال منه اليأس، لأن استجابة الله عز وجل حاصلة لا محالة ، وتكون بما فيه نفعه وصلاحه بالضرورة حتى وإن كان تقديره وحسابه خاطئين وهو يظن الخير في شر لا علم له به ، فيستجيب له خالقه سبحانه بصرف الشر عنه والذي كان يظنه هو خيرا بجهله .
والمتأمل في قصص أنبياء الله صلواته وسلامه عليهم أجمعين ، وتحديدا فيما يتعلق بدعائهم عند اضطرارهم يلاحظ أن الاستجابة بالنسبة لبعضهم لم تكن فورية وعاجلة بل جعل لها الله عز وجل موعدا لعلمه بأوانها بدقة إذ لو جاءت في غير موعدها لما تحقق الغرض منها ، لهذا الله عز وجل وحده يعلم كم انتظروا عليهم السلام لاستجابة دعائهم ، ولكشف ضر المضرور منهم ، ونصر المغلوب منهم ، وإعطاء المحروم منهم ، وإغناء المفتقر منهم ... ويجدر بالإنسان المؤمن أن يعتبر بأحوالهم، لأن الله تعالى لم يذكر أخبارهم للتسلية والمتعة بل ذكرها للعبرة .
ولما كان كل مؤمن مفتقرا إلى رحمة ،وفضل، ونعم ربه سبحانه وتعالى ، فإنه لا مندوحة له عن اللجوء إليه بالدعاء مضطرا بسبب سراء أو ضراء، لكنه لا ينبغي له أن يستعجل الاستجابة وهي حاصلة لا محالة ،وبشكل له فيه خير ونفع حتى وإن أخطأ التقدير والحساب في طلبه ،وهو يطلب ما يضره ولا ينفعه .
وكثيرا ما يستعجل الإنسان طلب حاجة في جلب منفعة أو رد ضرر ، فتتأخر عنه استجابة ربه ، فينسى ما كان يطلبه حتى إذا حصلت الاستجابة بعد حين ، تذكر ما كان يطلبه ، وتعجب لأمر الاستجابة المتأخرة ، و حينئذ بحصل له اليقين بأن استجابة الله عز وجل حاصلة لا محالة .
ومما لا يتنبه إليه كثير من الناس أن الاستجابة قد لا تحصل ، وفي هذه الحالة يكون عدم حصولها ،وهي لا خير فيها بالنسبة إليهم عبارة عن استجابة في حد ذاتها خفيت عنهم إذ لو استجيب لما كانوا يطلبونه ،وهو شر لهم لتضرعوا إلى خالقهم لكشفه ، لهذا ليس العبث من فعل الله سبحانه وتعالى حتى يستجيب لمن يسأله شرا وهو يجهله ، ثم يستجيب له بعد ذلك لكشفه بل هو جل في علاه يصرفه عنه ابتداء حين يطلبه .
وعود على بدء نكرر بأن طبيعة الضعف المتأصلة في الانسان هو ما يجعله يستعجل استجابة دعائه مضطرا، لأنه لا يطيق تحمل الضر إذا أصابه ، ولا الحرمان إذا حل به ، ولكن الله عز وجل لا يحرمه الخير ، ويكشف عنه السوء ، وله في ذلك سبحانه تقدير وحكمة لا يعلمهما إلا هو ، وأنى للإنسان الضعيف، الجهول، اليئوس، القنوط ، الجزوع، الهلوع ... أن يدرك ما استأثر الله تعالى بعلمه ؟
وسوم: العدد 964