قصة أصحاب الجنة
في قرية صغيرة في بلاد اليمن، تسمى ضروان ، كانت تعيش في رغد ، فأهلها طيبون متكافلون ، يقتسمون الرغيف الواحد .
ظلت القرية في تضامنها وتكافلها ، تجني خيرها عند كل موسم فلاحي ، يقبل المحتاجون إلى المزارع والبساتين ؛ ليأخذوا نصيبهم من غلات الفواكه والثمار الناضجة .
كان في القرية الصغيرة رجل من أهل الصلاح والخير ، له يد بيضاء سخية ، تعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، فكان يشارك أهل قريته من كل ما تجود به بساتينه من الخير الوفير ، فكانت البركة تنزل على رزق الرجل المحسن ، فكل ما ينفقه يعوض له أضعافا مضاعفة . كما جاء في حديث رسول الله الذي يبين فيه أثر الصدقة في حياة المتصدق
(( مَا مِنْ يوم يُصبِحُ فيه العبادُ؛ إلا مَلَكانِ يَنْزِلان، يقول أحدُهما: اللهم أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، ويقول الآخر: اللهم أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً))
[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]
فكان خير البساتين من الوفرة و الجودة لا نظير له ، ظل الفلاح على عهده ، يشكر نعم ربه عليه حتى جاء الأجل وانتقل الرجل المحسن إلى جوار ربه .
و انتقل المال و التركة و البساتين للأبناء الخمسة ، والبساتين على حالها ، تحمل الخير الوفير ، لكن غر الأبناء الخمسة وفرة إنتاج البساتين ، فزين الشيطان لهم متاع الدنيا و زخرفها ، فأعمى بصيرتهم ، فقرروا حبس الصدقة على الفقراء و المحتاجين ، و لكن وخز الضمير من أثر التربية الصالحة حمل أوسط الأبناء نصح إخوته ، يذكرهم بسيرة والدهم أن يبقوا على أثر الوالد الصالح ، لكن الصدود و الرفض أعمى الجميع .
و في غفلة الأبناء ، تنام أعين الأبناء ؛ لكن عين الله لا تنام ، يخطط الأبناء حرمان الفقراء ؛ لكن الله وكيل الفقراء و المحتاجين ،فالله يرعى حقهم ، يدبر أمرهم ؛ لكن سهو و غفلتهم الأبناء أوردتهم المهالك؛ بحرمان الأجر و زوال النعم .
تنقل سياق في أدق تفاصيلها يعرضها القرآن الكريم ، يصور أحداثها في وصف بليغ مؤثر ، يصف حال الأبناء وحسرتهم وندهم الشديد .
قال الله تعالى: {إِنّا بلوْناهُمْ كما بلوْنا أصْحاب الْجنّةِ إِذْ أقْسمُوا ليصْرِمُنّها مُصْبِحِين (17) ولا يسْتثْنُون (18) فطاف عليْها طائِفٌ مِنْ ربِّك وهُمْ نائِمُون (19) فأصْبحتْ كالصّرِيمِ (20) فتنادوْا مُصْبِحِين (21) أنِ اغْدُوا على حرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِين (22) فانْطلقُوا وهُمْ يتخافتُون (23) أنْ لا يدْخُلنّها الْيوْم عليْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وغدوْا على حرْدٍ قادِرِين (25) فلمّا رأوْها قالوا إِنّا لضالُّون (26) بلْ نحْنُ محْرُومُون (27) قال أوْسطُهُمْ ألمْ أقُلْ لكُمْ لوْ لا تُسبِّحُون (28) قالوا سُبْحان ربِّنا إِنّا كُنّا ظالِمِين (29) فأقْبل بعْضُهُمْ على بعْضٍ يتلاومُون (30) قالوا يا ويْلنا إِنّا كُنّا طاغِين (31) عسى ربُّنا أنْ يُبْدِلنا خيْرا مِنْها إِنّا إِلى ربِّنا راغِبُون (32) كذلِك الْعذابُ ولعذابُ الْآخِرةِ أكْبرُ لوْ كانُوا يعْلمُون (33)}. [القلم: 17 – 33].
وخلاصة القول: لقصة أصحاب الجنة دروس و حكم بليغة للمعتبرين نوردها بإيجاز واختصار :
- وجوب اقتداء الأبناء بالإباء الصالحين ،والسير على أثر الخير الذي ساروا عليه.
- إن حرمان حق الضعفاء والمساكين له عواقب سيئة على الأغنياء الذين يحبسون الحقوق التي شرعها الله للفقراء والمحتاجين.
- وجوب النصيحة في الدين ، فالمؤمن لا يكتم الحق ، بل وجوب حمل المخطئ بالحسنى لترك أخطائه و هو فعل الأخ الأوسط .
- وجوب التوبة و الندم وتصحيح الأخطاء صفة المؤمن، فالعودة إلى الله هي الطريق الصحيح لتصحيح المسار، فمهما كانت الذنوب فإن طريق التوبة مفتوح.
وسوم: العدد 998