( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله )
( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين )
اقتضت إرادة الله عز وجل بعد خلق الإنسان أن يرسل إلى الناس من يدلهم عليه ،وعلى الغاية التي من أجلها خلقهم، وعلى الوسيلة التي تبلّغهم تلك الغاية . أما من أرسلوا إليهم ،فهم رسله الكرام صلواته وسلامه عليهم أجمعين ، وأما الوسيلة، فهي رسالاته التي ضمّنها هديه إلى الغاية المنشودة التي هي سعادة الدارين الأولى والآخرة .
ولقد أمر سبحانه وتعالى المرسلين بتبليغ دعوته إلى الناس، وهي اعتناق دينه الذي هو الإسلام ، وأمر الناس بالاستجابة لما يدعو إليه المرسلون . وعبر التاريخ البشري الطويل، كان الناس فئتين من حيث تعاملهم مع دعوة المرسلين ، فئة تستجيب لهم ، وأخرى تعرض عنهم، وتمتنع عن الاستجابة لهم .
ولم تكن دعوة المرسلين دون حجة أو برهان، بل كان الله تعالى يمدهم بالآيات البيّنات الدالة على صدق ما يدعون إليه، وكانت عبارة عن معجزات وخوارق مقنعة، ودافعة لكل شك أو ريب فيها . وكان الناس بعضهم يقتنع بدعوة المرسلين فطريا قبل سوقهم البراهين إليهم ، وهؤلاء ممن فطروا على التصديق ،وكان منهم من يقتنع بعد سوق البراهين لما أودع فيه الخالق من عقل رزين ، وكان آخرون لا يقتنعون حتى مع وجود تلك البراهين والحجج الدامغة لأن قلوبهم قد ختم عليها وعطلت عقولهم بسبب اتباع أهواءهم ، فتنكبوا بذلك سبيل هدى الله عز وجل .
والقرآن الكريم وهو الرسالة الخاتمة للناس أجمعين إلى قيام الساعة زاخر بالشواهد على من كانوا يقتنعون بدعوات المرسلين فيستجيبون لهم ، ومن كانوا يعرضون عنهم ولا يستجيبون .
ومما سجلته هذه الرسالة الخاتمة أن بعض من أرسل إليهم مرسلون ، وجاءوهم بكتب أحدثوا فيها التحريف بدافع اتباع أهوائهم، وكان هذا هو سبب تكذيبهم بالرسالة الخاتمة المصدقة لما بين يديها من رسائل سابقة ، وفاضحة لما طالها من تحريف . وكان هؤلاء المحرفون هم أكثر الناس جدالا مع صاحب الرسالة الخاتمة عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم خصوصا وأنهم قد استيقنوا أنه قد جاءهم بالحق المبين كما أخبرت بذلك الكتب المنزلة من قبل . ومن ضمن ما أخبرت به الرسالة الخاتمة عن هؤلاء قوله تعالى في سورة القصص : (( فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا ساحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين )) ، ففي هذه الآيات الكريمة خبر ما كان بين أهل الكتاب وبين كفار قريش من اجتماع على التكذيب بالرسالة الخاتمة حيث أوعز أولئك لهؤلاء أن يطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بما أتى به موسى عليه السلام مع أنهم قد كفروا بما جاء به موسى ، واتهموه بالسحر كما اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أيضا ، وكفروا بهما معا . ولقد تحداهم الله عز وجل بالإتيان بكتاب من عنده يكون أهدى مما أنزل سبحانه وتعالى توراة وإنجيلا وقرآنا ، وأخبر بأنهم بتكذيبهم بما أنزل جل شأنه إنما هم يتبعون أهواءهم ولا حجة لهم ولا دليل ، ولا يوجد أضل منهم وقد صرفهم سبحانه وتعالى عن هداه لأنهم قوم ظالمون لأنفسهم ولغيرهم بتكذيبهم بما أنزل اتباعا لأهوائهم .
وإذا كان سبب نزول هذه الآيات الكريمة هو ما كان بين أهل الكتاب وكفار فريش من اجتماع على التكذيب بالرسالة الخاتمة المصدقة لما بين يديها مع التكذيب بهذه الأخيرة أيضا اتباعا لأهوائهم ، فإن ما وصفهم به الله تعالى من ضلال ومن ظلم ينسحب على كل من يكذب بما أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبما أنزل على الرسل من قبله إلى قيام الساعة . ومعلوم أنه لم يخل زمن بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن كانوا يكذبون برسالته سواء من أهل الكتاب أو من الكافرين، وأن التكذيب بها كان يجمع بينهم دائما ، ولن يخلو ما بقي من زمن قبل قيام الساعة من هؤلاء وأولئك .
مناسبة حديث هذه الجمعة هو تذكير المؤمنين بأن إيمانهم وتصديقهم بالرسالة الخاتمة المنزلة على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم إنما هو نعمة من الله تعالى أنعم بها عليهم ، وهي تستوجب الشكر، والحمد، والثناء عليه جل وعلا لأنه هداهم إلى ذلك ، ولولا هديه لكان حالهم كحال من وصفهم بقوله تعالى : ((ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين )) .
ولقد حدث في هذه الأيام ما دعا إلى هذا الحديث ، ذلك أن بعض العلماء والدعاة اغتنموا فرصة تنظيم التظاهرة الرياضية العالمية في دولة قطر لدعوة من حضرها إلى ما في الرسالة العالمية الخاتمة من خير لهم في عاجلهم وآجلهم ، فانبرى لهم قوم ينتقدونهم ، ويسخرون منهم ، ويعيبون عليهم ذلك، علما بأن أمة الإسلام مأمورة شرعا بتبليغ الرسالة الخاتمة للعالمين تبليغا بالقول والفعل ، ورب تبليغ بالفعل يكون أبلغ من تبليغ بالقول . ومن حق البشرية جمعاء على أمة الإسلام أن تمكّنها من حقها في معرفة مضمون هذه الرسالة الخاتمة . وعلى أمة الإسلام ألا تترك تبليغ هذه الرسالة مهما كانت الظروف والأحوال ، وأن تغتنم كل فرصة يجتمع فيها الناس للقيام بهذا الواجب اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يعرض رسالة الله عز وجل الخاتمة على الناس حيثما وجدهم ، ولا تفوته فرصة دون أن يبلغها لمن لم يكن على علم بها . وأولى بأمة الإسلام اليوم أن تجتهد في تبليغ رسالة الله عز وجل خصوصا وقد صار العالم عبارة عن قرية صغيرة لمّا طوى تطور وسائل التواصل المسافات بين ساكنة المعمور . وأما الذين عابوا على الدعاة في دولة قطر بمناسبة هذه التظاهرة الرياضية من المحسوبين على الإسلام على وجه الخصوص ، فنقول لهم اتقوا الله عز وجل في هؤلاء الدعاة ، واستغفروا ربكم ، وعيبوا على أنفسكم تقاعسكم عن القيام بواجب مفروض عليكم قبل أن تعيبوا على من اضطلع به ، وقد بارك الله في سعيهم إذ أقبل الناس عليهم ، وعلموا منهم ما لم يعلموا من قبل عن الرسالة الخاتمة التي تعنيهم ، والتي أنتم منصرفون عن تبليغها لمن لم تبلغه ، ومنشغلون بانتقاد من يبلغونها ساخرين منهم . أما من انتقدوا هؤلاء الدعاة ممن لا يحسبون على الإسلام، فنقول لهم ما الذي قدمتموه أنتم لمن حضروا تلك التظاهرة الرياضية سوى الدعوة إلى الفجور والفواحش، والمطالبة برفع شعارها بينهم لإشاعتها تدميرا للبشرية ولكرامتها ؟
اللهم إنا نسألك هداك ، ونعوذ بك من الضلال، ومن اتباع أهوائنا ، اللهم اهدنا واهدنا بنا، واجعل سببا لمن اهتدى . اللهم جازي كل من بلغ رسالتك لخلقك خيرا.
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وسوم: العدد 1010