دلالة ذكر الله تعالى
من المعلوم أن الأصل في الإنسان ألا تنقطع صلته طرفة عين بخالقه سبحانه وتعالى ، وهذا يعني أنه يجب عليه أن يذكره في كل الأحوال التي يمر بها ، وذكره هو استحضاره ، وذلك بربط ما تكون عليه تلك الأحوال بصفاته جل جلاله المثلى، وأسمائه الحسنى .
ويختزل كثير من الناس ذكر الله تعالى في مجرد التلفظ بذكر اسم الجلالة منفردا أو مقترنا بتكبير أو تسبيح أو تبريك أو حمد أو تهليل أو تنزيه أو تعظيم ... إلى غير ذلك من العبارات المقدسة لذاته جل في علاه ، وهذا ذكر اللسان الذي هو مؤشر على استحضار الله عز وجل من خلال صفاته وأفعاله مادامت ذاته منزهة عن الإدراك كما تدرك المتحيزات في الأحياز ، والمتشكلات في الأشكال مصداقا لقوله تعالى (( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير )) ، وقوله أيضا : (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) ، وهما قولان يدلان على استحالة إدراك الله تعالى ذاتا إلا أنه يدرك بصفاته الدالة على أفعاله .
وليس بالضرورة أن يكون ذكر الله تعالى الذي هو استحضار صفاته الدالة على أفعاله مقتصرا على ذكر اسمه وصفاته باللسان فقط بل لا بد من أن يكون الاستحضار مرتبطا بالتعامل والتفاعل مع جاء في سفر مسطور وهي رسالته الخاتمة الموجهة إلى البشرية جمعاء حتى تقوم الساعة . وما جاء في هذه الرسالة يدل على أسمائه وصفاته التي تستوجبها أفعاله .
وشتان بين من يذكر الله تعالى نطقا وترديدا باللسان فقط ، و بين من يستحضره بتدبر ما يمر به من أحوال ، وذلك هو الذكر بالجنان ، وقد يقترن ذكر اللسان بذكر الجنان ، وهو كمال ذكر الله تعالى .
وكمثال على ذكر الجنان، وهو ذكر تدبر ، والتدبر تفكر، وتأمل ، ونظر في العاقبة والمآل ، نذكر ما يحصل للمتدبر حينما يمر بورقة شجر ساقطة على الأرض، فيحيله منظرها المشهود على ما جاء عنها في السفر المسطور ،وهو قول الله تعالى : (( وما تسقط من ورقة إلا يعلمها )) ،وهو أمر مذهل حين يستحضر المتأمل عظمة علم الله تعالى الذي لا تغيب أو لا تعزب عنه تلك الورقة الساقطة في حيز صغير من الأرض ، وأقدام البشر تدوسها ، والريح تعبث بها وتنقلها من حيز إلى آخر ، وقد تأكلها الأنعام ، وقد تلتهمها النار، وقد تجرفها الأنهار ، وقد تطمر في التراب .... إلى غير ذلك من الأحوال التي تمر بها ، ولكن علم الله تعالى بها كائن في كل تلك الأحوال، وهو علم عجيب يعجز عن استيعابه الجنان ، كما يعجز عن وصفه اللسان ، فلا يسع الإنسان إلا قوله منبهرا وذاهلا " سبحان الله العظيم " عظمة تجلت في علمه بورقة ساقطة وعنايته بها وهي التي لا يوليها الإنسان مجرد التفاتة ،وهي دليل على سعة علم الله تعالى الذي يسع علمه كل شيء ، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وهي في علمه . وعلينا أن نفكر بعد ذلك في أعداد الأوراق الساقطة في هذه الأرض والتي لا تغيب عن علم الله تعالى ، أو يغيب عنه عدّها وإحصاؤها حيث هي ساقطة أو ما صارت إليه بعد سقوطها ، وتحللها ؟ ولا يقف التدبر عند هذا الحد مع الورقة الساقطة بل تتسع آفاقه اتساعا لا يخطر على بال ، ومن ألهمه الله تعالى حسن التدبر أدرك منها ما شاء الله تعالى .
وقد يبدو للناس أن من يحرك حبات مسبحة بين أصابعه ، وشفتاه تتحركان أنه وحده الذاكر لله تعالى دون أن يسترعي انتباههم من ينظر إلى الورقة الساقطة حيث هي ساقطة أو يحملها بين أصابعه وهو يستحضر عظمة علم الله تعالى ، فهل يدرك الأول شأو الثاني في الذكر ؟ فلئن قال الأول : " سبحان الله العظيم " بلسانه دون تدبر ، فإن الثاني يستوعبها متدبرا بجنانه .
وقياسا على مثال الورقة الساقطة، يمكن للإنسان استحضار الله تعالى في كل الأحوال التي تمر به حيثما كان، ويكون هذا الاستحضار عن طريق اقتران المشهود فيما حوله بالمسطور في الرسالة الخاتمة ،ذلك أن المشهود هو تلك الورقة الساقطة ، والمسطورهو الآية الكريمة التي ذكرتها .
وعلينا أن نفكر في إنسان يكون حاله على الدوام هو استحضاره لله تعالى في كل وقت و حين هو يعرض كل مشهود على المسطور .
وسوم: العدد 1010