ذو القرنين رضي الله عنه ملك صالح من ملوك اليمن
الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، قال الله تعالى "حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ، قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا ، وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ، ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا"-الكهف86: 90-، (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، «أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ حَجَّ مَاشِيًا، فَسَمِعَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَتَلَقَّاهُ»، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ ذَو الْقَرْنَيْنِ لِأَنَّهُ قَرَنَ بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَمَغْرِبِهَا»، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: «كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مَلِكًا») العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني، وعَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: "لَمْ يَمْلِكِ الْأَرْضَ كُلَّهَا إِلَّا أَرْبَعَةٌ: مُسْلِمَانِ وَكَافِرَانِ، فَأَمَّا الْمُسْلِمَانِ فَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَذُو الْقَرْنَيْنِ، وَأَمَّا الْكَافِرَانِ فَبُخْتُنَصَّرَ وَالَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ" مصنف ابن أبي شيبة، وبعد:- فائدة (1): عين الإنسان مغطاة بالماء ومحاطة بشعر الرمشين وهي في تجويف يطل عليها من الأسفل أدنى الخد المتصل بالجبين الخالي من الشعر، ومن الأعلى الحاجب الكثيف الشعر، فائدة (2): لما وجد ذو القرنين رضي الله عنه أن الشمس تغيب في عين حمئة، فهو كأنه قد وجد من قبل أن يصل إلى الماء هضبة صحراوية، ثم نزل منها فوجد شجر كمثل شعر الرمش السفلي، ثم كان بعد الشجر الماء، فالشمس عندها تغيب وتكون في ستر على القوم الذين هم من دون الماء، فائدة (3): لما عبر ذو القرنين رضي الله عنه عن غروب الشمس بـ "تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ" كأنه كان يعلم أن الشمس تطلع على أرض ما على الجهة الأخرى للماء أي جهة شاطئ البحر البعيد عن المقابل لجهته وبينها وبين تلك الأرض ستر من نبات وشجر متناثر عند الشط المقابل كمثل شعر الرمش العلوي، ومن بعدها تكون في ستر من جبل نابت بالأشجار الكثيفة كشعر الحاجب، وعلمه هذا كان والله أعلم بعد أن أرسل سفنه ليغزون الشاطئ المقابل فما وجدوا حضارة فيه لينشروا دين الله الإسلام فيها، فأبقى فيها من قومه ليؤسسوا حضارة إسلامية فيها، والله أعلم، فائدة (4): لما كان مطلع الشمس الذي بلغه ذو القرنين رضي الله عنه لم يكن بينه وبين القوم ستراً لقول الله تعالى "لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا"، فإن مطلع الشمس الذي بلغه ليس الجهة اليابسة المقابلة لطرف العين الحمئة التى رآها عند مغرب الشمس، فائدة (5): هذا يدل على أن ذا القرنين رضي الله عنه عاد أدراجه من جهة مغرب الشمس إلى ناحية المشرق حتى وصل أخر اليابسة التى من خلفها الماء والتي ليس بينها وبين الماء أي ستر سواء كان من جبل أو شجر أو ماشابه ذلك، فبذلك تشرق أي تطلع الشمس على أهل ذلك المكان وليس بينها وبينهم أي ستر، فائدة (6): هذا يدل على أن هناك بحران بين مغرب الشمس الذي بلغه ذو القرنين رضي الله عنه ومطلع الشمس الذي وصل إليه وأن بينهما يابسة وأن الشمس تطلع على تلك اليابسة في ستر وتغرب عنها في غير ستر، فهذان البحران يعرفان بالبحر الأطلسي والبحر الهادي، والله أعلم، فائدة (7): يدل كون الشمس كأنها "تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ" على أن مغرب الشمس الذي بلغه ذو القرنين رضي الله عنه إنما هو في وسط الأرض عند ساحل إفريقية الغربي حيث أنه دوماً حار ويكون شعاع الشمس متعامدا عليه باستمرار وهو غني بالأشجار الإستوائية لكثرة الأمطار ويكون من دونه الجبال أو الهضاب الصحراوية، فائدة (8): يدل كون الشمس تطلع من غير ستر من ناحية المشرق على أن مطلع الشمس الذي بلغه ذو القرنين رضي الله عنه إنما هو في وسط الأرض عند ساحل الصين الشرقي لكثرة الصحاري هناك، فائدة (9): إن ذا القرنين رضي الله عنه رجل صالح عاش في زمن نبي الله يونس عليه السلام أو بعده وقبل انقضاء زمن رسول الله إبراهيم عليه السلام، وعاش يونس عليه السلام في اليمن بعد قوم تبع الذين عاشوا في اليمن من بعد نبي الله صالح عليه السلام لقول الله تعالى "أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ"-الدخان37-، وذو القرنين رضي الله عنه من اليمن فقد كثر فيها رسل الله من قبل إبراهيم عليه السلام، وآمن ذو القرنين برسول الله الذي أرسل إلى قومه وهو يونس عليه السلام فعلمه الله تعالى به دينه لقول الله تعالى "قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا"، وكان من جنوده قوم يونس عليه السلام لقول الله تعالى "وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ"-الصافات147-، فائدة (10): نشر ذو القرنين رضي الله عنه الإسلام عند مطلع الشمس وعند مغربها بإذن الله تعالى، فمن آمن بالله من البلدان التي مر بها قال لهم يسرا لقول الله تعالى "وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا"، ومن أبى خيره بين القتل أو الاسترقاق أو دفع الجزية لقول الله تعالى "أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ"، فائدة (11): لم يكن ذو القرنين رضي الله عنه من بني إسرائيل لأن أعظم ملك آتاه الله تعالى لملك منهم هو لسليمان عليه السلام، وكانت حدود مملكته دون مطلع الشمس ودون مغربها لقول الله تعالى "وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ"(سبأ:12)، هذا والله أعلم، معجزة عددية - استحسان استنباط أن نبي الله يونس عليه السلام عاش قبل رسول الله إبراهيم عليه السلام وبعد رسول الله صالح عليه السلام:- سور القرآن المجيد التي سميت بأسماء أنبياء عليهم الصلاة والسلام هي بالترتيب الزمني لبعثة الأنبياء مع أرقامها كالتالي: سورة نوح ورقمها (71)، سورة هود ورقمها (11)، سورة يونس ورقمها (10)، سورة إبراهيم ورقمها (14)، سورة يوسف ورقمها (12)، سورة محمد ورقمها (47)، وإن أبسط العمليات الحسابية التي يمكن تطبيقها على أرقام تلك السور والتي تعتمد على الترتيب هي (71) ناقص (11) زائد (10) ناقص (14) زائد (12) ناقص (47)، وإن ناتج تلك العملية الحسابية يكون (21)، وإن السورة التي ترتيبها في القرآن المجيد هو (21) هي سورة الأنبياء، لذا فإن نبي الله يونس عليه السلام عاش قبل رسول الله إبراهيم عليه السلام وبعد رسول الله صالح عليه السلام وهذا الاستنباط استئناسا، والله أعلم، وفي تفسير ابن كثير التالي (وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: فَنَبَذْناهُ أَيْ أَلْقَيْنَاهُ بِالْعَراءِ قَالَ ابن عباس رضي الله عنهما وَغَيْرُهُ وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَيْسَ بِهَا نَبْتٌ وَلَا بِنَاءٌ قِيلَ عَلَى جَانِبِ دِجْلَةَ وَقِيلَ بأرض اليمن فالله أعلم.)، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِوَادِي الْأَزْرَقِ، فَقَالَ: «أَيُّ وَادٍ هَذَا؟» فَقَالُوا: هَذَا وَادِي الْأَزْرَقِ، قَالَ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ، وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ»، ثُمَّ أَتَى عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى، فَقَالَ: «أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟» قَالُوا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى، قَالَ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، خِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ وَهُوَ يُلَبِّي» صحيح مسلم، (وادي الأزرق) واد في الحجاز قريب من مكة، (وهَرْشي) ثنية بين مكة والمدينة، وقيل: قريبة من الجحفة، يُرى منها البحر، ملاحظة: أقرب ميقات حج إلى البحر هو ميقات الجحفة، والتلبية قد تكون في العمرة والحج أو في الصلاة وذكر الله تعالى للحديث: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي، وَنُسُكِي، وَمَحْيَايَ، وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ»، وَإِذَا رَكَعَ، قَالَ: «اللهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي»، وَإِذَا رَفَعَ، قَالَ: «اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ»، وَإِذَا سَجَدَ، قَالَ: «اللهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» صحيح مسلم، فاللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم أن تغفر لنا وترحمنا وتجمعنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وأن تدخلنا الجنة مع عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أبي الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وذي قرني الجنة علي والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان والمهديين من بعدهم رضي الله عنهم جميعا، وأسألك أن تنصرنا والمجاهدين في سبيلك على الروم وعلى جميع أعدائك في جميع الملاحم، فسبحان الله رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وسوم: العدد 1084