دعـوة الإخاء في المجتمع الإسلامي

توطئة :

يقول الله تعالى:  ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ 14 /الحجرات. المنافق يسمى مسلمًا ظاهرًا، ولكنه كافر باطنًا. ويفسر الإيمان بالاستسلام الباطن الذي هو إقرار القلب وعمله، ولا يصدر إلا من المؤمن حقا كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾  /2الأنفال . قال علماؤُنا : ( مسمى الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو: تصديق بالجنان وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ) ، وقال الإمام الشافعي في كتاب الأم: كان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركنا: أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر . وقالوا ــ جزاهم الله خيرا ــ الفرق بين الإسلام والإيمان من الألفاظ التي إذا اجتمعت ألفاظها افترقت معانيها، وإذا افترقت يكون لها معنى واحدًا. فعند التفصيل بينهما يراد بالإيمان الأعمال الباطنة، وهي أعمال القلوب كالإيمان بالله تعالى، وحبه وخوفه ورجائه وتقواه وخشيته والإخلاص له . أما الإسلام فيراد به الأعمال الظاهرة التي قد يصحبها الإيمان القلبي . وقد لا يصحبها فيكون صاحبُها منافقًا أو مسلمًا ضعيف الإيمان) .

        المجتمعات في البلاد الإسلامية مجتمعات مسلمة ، وأهلهـا مسلمون ، ولكن لم أصابها الضعف والتخاذل رغم كثرتهم ، ورغم مايملكون من مقومات الحضارة والتقدم . ورغم أنهم مسلمون ؟ . وليصير المرء مؤمنًا فيتطلب الأمر تصديق القلب لأركان الإيمان، فيعتقد بها. ويكشف الإيمان بالجوارح، فإما تصدقه أو تكذبه. والإيمان درجات، يترقى المؤمن فيها بحسب ما وقر في قلبه، وما اكتسب من شعب الإيمان. ومما لاشك فيه أن كون المجتمع مسلما ، بدون تفعيل قيم الإيمان ، تلك القيم العالية التي لها أثرها العظيم في سلوك المسلم ، حيث تجعله ــ كما يقال ــ قرآنا يمشي على وجه الأرض ، وسُنَّة نبوية يتحلى بسجاياها الإنسان المسلم الذي ارتدى ثوب الإيمان ، فكان إنسانا آخر ، ولقد عُرف هذا الإنسان المؤمن بحبه لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وبالطاعة المطلقة لأوامر هذا الدين القويم ، وقد غمرت نفسَه أنوارُ الطاعات الصالحات الباقيات ، وعاش قريبا من الله سبحانه ، الذي يؤيده وينصره ولا يخذله ، فقد دخل في دائرة رضوان الله تبارك وتعالى .

دعوة الإخاء :

         وبتحقيق ما في هذا الإسلام وهذا الإيمان من خير وسمو و ولاء يعيش المجتمع الإسلامي مكانته العالية ، ويجد آثار القيم الأخلاقية في المعاملات ، وفي التواصل بين أبنائه وفي مكانة دولته بين دول الأرض ، حيث له القوة والمنعة ، ويجد أبناءَه في عيش رغيد وأمن فريد . وفي تكافل وتضامن وإخاء ... إخاء بكل مايحمل هذا الإخاء من رحمة ومودة وإيثار وإنما المؤمنون إخوة . وكل أخ مدعو في هذا المجتمع الفاضل دعوة شرعية ليكون عضدا لأخيه المؤمن في كل مايحتاج إليه . وهنا تتجلَّى معاني الإسلام المتماهية مع معاني الإيمان الحقيقي في القول والعمل ، وفي النيَّة الصادقة التي لايشوبها الخلل أبدا .قـال تـعالـى: ﴿إِنَّمَاالْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ 10/ الحجرات وقـال عـزَّ وجلَّ:  ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ ٧١التوبة . يقول الإمام الآلوسي في هذا الباب : وإطلاق (الإخـوَة) على المؤمنين من باب التشبيه البليغ، وَشُبِّهوا بالإخوة من حـيث انتسابهم إلـى أصلٍ واحدٍ، وهـو الإيـمان المـوجب لـلحـياة الأبدية .

ومن هذه الأبواب الوارفة بظلال الإخاء والمودة والإيثار ندخل إلى سير الأجداد الكرام الذي عاش الإسلام في حياتهم الاجتماعية ، واخضوضرت مغانيها لتغدق على الجميع ثمرات الإيمان اليانعات ، لتكون إرشادات الإسلام دعوة قائمة لدى كل مسلم مؤمن من أخيه المسلم المؤمن ، دعوة إلى طعامه إذا جاع ، ودعوة إلى ماله إذا احتاج ، ودعوة إلى نصرته في الملمات ، وقد يعجب بعض الناس من وجود هذا المنهج الرباني الرصين ، وهذه الصفحات الموحية بالحس الأخوي النبيل الصَّادق ، ولكنها المشاعر الملحة في كرامة الإنسان لدى أهل الإسلام والإيمان . ورقي القيم الغالية في المجتمع الفاضل الذي صاغته العقيدة الإسلامية الخالدة . وحقَّ لبعضهم أن يعجب ، فطول أمد الفصام النكد عن روح الإسلام ، وقساوة القلوب التي فقدت حيويتها الروحانية ، والتفاعل الرخيص مع باطل القوانين الأرضية التي باتت مهترئة لاتصلح للصيف ولا للشتاء ، وانهيار الوعي لدى هؤلاء التائهين البعيدين عن فطرة الله ... تلكم الأرزاء أنست غالبية المسلمين ماكان عليه جيل النبوة والتابعون ومن تبعهم من أجيال هذه الأمة .

وهذه الدعوة مفتوحة لاتغلق أبدا ، وعلى مزاياها عاش الآباء والأجداد ، وتعاقب على تأكيدها الصالحون الأبرار في كل زمان ومكان ، فحفظوا حقوق إخوانهم عليهم في كل مجالات الحياة ، ولعل سيرهم تشهد على حرصهم في أداء الواجب الأخوي بكل الحب والتقدير ، ففي صحيح الإمام مسلم: عـن أبـي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه ﷺ قَــال:  ( حـق المسلم على المسلم ستٌّ. قيل: ما هُـنَّ يـا رسول اللَّه: إِذَا لَقِيته فَسَلِّم عليْهِ، وإذا دَعـَاكَ فَأجِبه، وإذا استَنْصَحك فانْصَحُ لَــه ، وإذا عَطَسَ فَـشَمِّتْه ، وإذا مَـرِضَ فَـعُدْه ، وإذا مـَات فَاتَّبِعْهُ. (

في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم رجلٌ إلى المدينة المنورة ، وتوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن حق هذا الضيف أن يرحب يرحب به مَن شهدَ حضورَه ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نسائه طالبا منهن الطعام لهذا الضيف ، فقُلْن : يارسول الله والذي بعثك بالحق ما معنا إلا الماء . ويسمع هذا الرَّدَ رجلٌ من الأنصار ، فهبَّ يستأذن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم   في استضافة هذا الرجل ، وانطلق به إلى بيته فأجلسه وقال لامرأته هاتي ماعندكم من الطعام لضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت امرأته ماعندنا إلا قـوت الأطفال . فقال لها زوجُها : هيئي ماعندك ، وأنيمي الصبيان ، وحين أصبح الطعام جاهزا اصطنع الرجل اصلاح السراج ، بل أطفأه على علم وقصد ، وقدَّم الطعام للضيف ، وجلس معه يريه كأنه يأكل معه . ونام الأنصاري مع أسرته على جـوع ، وفي الصباح غــدا الأنصاري إلى حيث يوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاستقبله مرحبا به قائلا له : ( لقد عجب اللهُ ــ أو ضحك ــ من فلان وزوجته فلانة من صنيعهما ، فأنزل الله تبارك وتعالى : ( ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ 9 / الحشر . هذه صفحة مشرقة من منهج الدعوة المفتوحة لعمل الخيرفي ميدان الإخاء لدى المسلم . وللأمة المسلمة ــ بفضل الله ــ الكثير من صحف الإيثار والمودة والبذل في المعروف مــا تُعدُّ ولا تُحصَى . وهي دلائل على صدق الإخاء في مجتمعنا الإسلامي الكريم . وتشهد على رسوخ عقيدة الإيمان ... الإيمان الذي يجعل المسلم وكأنه إنسان آخر في سمو روحه ، وصدق محبته لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم . تلك المحبة والطاعة حيثُ بلورتـا هذا السلوك الرفيع ، والأداء المميز لقيم وجدانية عالية ، والمؤمن لأخيه المؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضُه بعضا ، وهذا الترابط العجيب يُعدُّ من أكرم خصائص الأخوَّةِ الإسلامية الإنسانية التي أكرم الله بها الناس في ظلال الشريعة الإسلامية الخالدة ، شريعة الخير والإخاء والتكافل التي أحرز بها الملمون مكانتهم العالية بين شعوب الأرض وأممها .

إنَّ الزكاة المفروضة ، وصدقات التطوع ، وتبرعات أهل الفضل من المحسنين ماهي إلا عناوين في سِفر الإخاء في الإسلام الذي يؤكد على مكانة التكافل والتكامل بين أبناء المجتمع الإسلامي . حيثُ طابت أفئدة أهل الفضل والإحسان بما وعد الله سبحانه وتعالى هؤلاء الأبرار من مكانة في الدنيا والآخرة ، وبشَّرت بهذا الوعدَ الرباني الأحاديثُ النبويةُ الشريفةُ التي وردت عن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم . فمقسِّم الأرزاق هو الله ، والمثيب على الأعمال الصالحات هو الله ، والذي قدَّر حالَتَيْ الفقرِ والغِنى عند الناس هو الله سبحانه وتعالى ، والصَّدقات التي تُعطَى في السر أو العلن لها مكانة خاصة لصاحبها ، ولعلها باب من أبواب الجنة . وجميع العبادات الباقيات الصَّالحات لها جزاؤُها الكريم عند الله سبحانه وتعالى ، وفي مقدمتها تلك الأعمال التي وردت في قوله سبحانه وتعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * ) 11/18/ سورة البلد . والعقبة أمام دخول الجنة تُـزال بإذن الله بهذه الأعمال التي وردت في هذه السورة المباركة . ومنها تحرير إنسان من الرق ، وإطعام الطعام للفقراء المحتاجين وعلى رأسهم اليتيم ، وخصوصا أيام المجاعات ، والأيام التي تعصف بالأهوال والشدائد ــ كما في أيامنا هذه ــ وإطعام المساكين ، ولقد جاء في تفسير هذه الآيات : ( فلا اقتحم العقبة* وما أدراك ما العقبة* فكّ رقبة... بعد أن بين الله جليل نعمه على الإنسان، وبخاصة الأغنياء، أخذ يحث أغنياء مكة على صلة الرحم، والعطف على المساكين، والمشاركة في عتق الرقاب، والتخفيف عن العبيد والإماء. وقد بدأت الآيات بالحث والتحريض على اقتحام العقبة، ثم استفهم عنها في أسلوب يراد به التفخيم والتهويل، ثم أجاب بأنها فك رقبة، وهي عتق العبد أو الإعانة على عتقه، والمشاركة في نقله من عالم الأرقاء إلى عالم الأحرار ، أو إطعام في يوم ذي مسبغة. أو إطعام جائع في أيام عوز ومجاعة. أو يتيما ذا مقربة. إطعام يتيم في يوم المجاعة وبخاصة إذا كان قريبا. أو مسكينا ذا متربة. أو إطعام مسكين عاجز عن الكسب، لصقت بطنه بالتراب من شدة فقره. ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة. أي : جمع إلى الصفات المتقدمة الإيمان الصادق والصبر الجميل، وحث الناس عليه والوصية به، والتواصي بالرحمة والعطف ) .

تلك من صحف عقيدة الإنسان المسلم حيث الإيمان بالله ورمزية الإيثار المتألقة وجمال بشريات الإخاء ، وكل ما يُنْمَى إلى الأعمال الخيرية الإنسانية ، والمؤمن لأخيه المؤمن كالبنيان المرصوص ، وهذا الترابط العجيب يُعدُّ من أغنى القيم الوجدانية العالية ، وخصائص الأخوَّة الإسلامية الرائدة ، ولقد نالت بها أجيال الأمة المكانة المرموقة بين البشر الذين اشرأبت أعناقهم ليقفوا على أسرار هذا الدِّين الحنيف . والمؤمن مطمئن على ماكتبه الله عليه من فقرٍ أو غنى ، وهو صابر وشاكر في كلا الحالين ، ويؤدي مايجب عليه في كلٍّ من الحالين في ظلال الأخوَّة في الله ، فمقسم الأرزاق هو الله ، فصبر الفقير فيه ثواب ، وأداء حق الفقير من قِبَلِ الغني فيه ثواب ، وفيه تفعيل لدور الإخاء الحقيقي في الإسلام . ولو تأملنا ماترمي إليه كَلِمَتَيْ الأخذ والرد الواردتين في الحديث الشريف ، لانتفى البخل والمَــنُّ والأذى من لقاء اليدين، اليد التي تعطي والأخرى التي تأخذ ، لأنه عملية تبادل ترمز لمظهر الإخاء ، وهنا يُبعدُ كلُّ أثر سيِّئٍ عن نفس المعطي والآخذ . فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن وقال لــه : ( إنَّك تقدمُ على قوم ... ) إلى آخر الحديث ... وفيه: ( إنَّ الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فتــرد على فقرائهم ) متفق عليه . فأخذ المال المفروض من الغني وردُّه إلى الفقير حقٌّ فرضه الله ، فمن أعطى فله المثوبة عند الله ، ومَن أخذ لـم يُحرَمْ ثواب الصبر ، ومَن أعطى لم يحرم ثواب الانقياد لأوامـر الله سبحانه وتعالى . وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم . وتلكم هي روح الإسلام تبعث الحيوية الأخوية في المجتمع الإسلامي ، فليس بمؤمن حقا مَن بات شبعان وجاره يتضوَّرُ جوعا مع أفراد أسرته . وذاك الغني الجار يعلم به . إنها دعوة مفتوحة لأسمى مزايا الإخاء في الإسلام . وكيف لاتُنال هذه المكانة والمؤمن الحريص على أداء واجبات الإيمان على يقين من أنَّـه في ظل صدقته يوم القيامة ، والناس في شدة يشيب لهولها الولدان ! وأنَّــه يُسقى ويُطعم عند ربِّه ، فعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّـه قال : ( أيُّمــا مسلمٍ كســـا مسلمًـا ثـوبا على عُري كساه الله من خضر الجنَّة ، وأيُّمـا مسلم أطعم مسلما على جـوع أطعمه الله من ثمار الجنَّة ، وأيُّمـا مسلم سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم ) رواه أبو داود . فبورك هذا المجتمع الذي تشرئبُ ذاتُه الطاهرةُ إلى يوم الخلود وهو مازال على سطح هذه الغبراء . فأيادي أبنائه كريمة ، وقلوبهم طيبة سليمة ، ونفوسهم المطمئنة راضية ، إنه المجتمع الذي كلأته عناية العناية الربانية ، فتدفقتْ مآثرُه جيَّاشة فيَّاضة بالوفاء والولاء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ،ثم إن أبناءَه البررة ينالهم من نبيِّهم دعاءَه الكريم لهم ، فعن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال : قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قـوم بصدقتهم قال : ( اللهــمَّ صــلِّ عليهم ) متفق عليه .

ولعلنا اليوم جميعا بحاجة ماسة إلى تفعيل هذه القيم الإسلامية ، فلا تخفى على أحد الظروف القاسية ، والشَّدائد الثقيلة ، والأحوال المؤلمة التي يعيشها مجتمعنا الإسلامي في غزة وفي فلسطين وفي بلاد أخرى من بلاد المسلمين ، يعاني مشردوها من حالات الجوع والعطش والفاقة ، ناهيك عن القتل والتدمير ، وعن المؤامرات التي تحاك ضد هذه الشعوب التي فُجِعت في هذا العصر بأبشع أنواع البطش والأهوال ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . ولعل من أقل الواجبات علينا أن نبتهل إلى بارئنا عـزَّ وجــلَّ بالدعاء ليغيث هذه الأمة ، وينصرها على جميع أعدائها . ونجدِّد الدعاء في أن يبارك الله في مـال كل مَن يؤدِّي حقه ... حق المحتاجين وما أكثرهم اليوم ،وأن يقـوِّي شوكة الإيمان واليقين في قلوبنا جميعا حتى تنبلج أنوار الصبح القريب ، صبح الفرج والعزة والتَّحرر من قيود الفصام النكد بين مجتمعاتنا الإسلامية وبين ديننا القويم . وليس ذلك ببعيد على مَن يرى أحوالنا وما نحن فيه ، والحمد لله ربِّ العالمين .

الإضاءة :

قال الله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ 214 / البقرة

                           جـامعة المعالي ـــ إيمــان قاســـم

وسوم: العدد 1088