أكثر من خمسين مرة ورد في القرآن الكريم التأكيد على، (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) فاحذروا التضليل

كلما كتبت مقالا أو منشورا أو كليمة أدعو فيها إلى الإحكام والإتقان وجميل التوكل، وحسن التدبير… ثار في وجهي أفراد يدّعون، أننا لسنا بحاجة إلى جد وتعب وإحكام وإتقان، وإنما يكفينا أن نكون مؤمنين!! فيكفينا الله كل أمرنا!!

وأعلم أن ليس أحد من أهل العلم والفقه والدين، يقول بقول هؤلاء من أهل المخرقة، والجهل بالدين، والدعوى على الله وشريعته؛ وأعلم أيضا أن البلوى إذا عمت وجب التصدي لها، وإطفاء شعلتها، وحماية الناس من دخانها ودخنها…

لا ليس من فقه مدرسة أهل الإسلام أن الإيمان يغني عن العمل..!!

وسواء اعتبرنا العمل جزء بنيويا مكملا للإيمان، وأن الإيمان يزيد بزيادته، وينقص بنقصه، أو اعتبرنا العمل قرين الإيمان، ولازمه على قول من قال ذلك، واستدل بالعطف الذي من دلالته المغايرة في قول الله سبحانه وتعالى في أكثر من خمسين موضعا من كتابه العزيز على سبيل الثناء على المؤمنين، والتأكيد على كمال حالهم ومنهجهم بوصفهم (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)

ليكون "عملُ الصالحات" الركيزة العملية المكملة لمقتضى أركان الاعتقاد الواردة في حديث جبريل عليه السلام..

لا… أيها الأعزاء

الإيمان بدلالته المنعزلة في عالم العقل أو القلب أو الخلفية الذهنية وحده لا يكفي لإدراك الفلاح لا في عالم الدنيا ولا في عالم الآخرة، وكل ذلك يوعظ به كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد…

يقول قوم من أهل العقل عن الله إن العمل من صميم الإيمان

ويقول آخرون إن العمل قرين الإيمان بالله..

وبقولهما الواحد الموحد تستقر منهجية الرؤية والرسالة والجهد في عالم الإسلام والمسلمين.

وتستقر حقيقة أن الإيمان بلا عمل قد يكون مجرد دعوى أو ادعاء. وقالوا: "الإيمان تصديق بالجنان وعمل بالأركان" ولكل من عمل الآخرة والدنيا أركان.

ومفهوم "عمل الصالحات" قد تعرض عند قوم آخرين للاختزال والانتقاص والتشويه.. فحين يُقصر عمل الصالحات على أداء العبادات والشعائر والمناسك، وينسى المسلمون أن عمل الصالحات يشمل ما يصلح عليه أمر دنياهم وأخراهم، يكون الناسـ قد حجروا على عقولهم وعلى دنياهم وأخراهم، وتناسوا أن من مقتضيات الاستخلاف في الأرض القيام بحسن عمارتها (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)

إن هذه النابتة العقيمة التي نبتت بين ظهراني المسلمين في هذا العصر، فأردتهم أو كادت، قد سقيت بماء عديم منذ قرون..

في ثقافة التقاعد عن أمر العمران، والتواكل بمعنى التوكل، والتخاذل بالاستنصار بالأوراد والأذكار، والاكتفاء بسهام الليل عن سهام النهار… ونسيان قوله تعالى (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ) فأوكل أجيال من المسلمين أمر الدفاع عن أنفسهم إلى الله!!

نعود إلى قرآننا فننظر كم أكد علينا ربنا ضرورة أن يقترن إيماننا بالله، بالعمل له، وضرورة أن يكون عملنا له صالحا منسجما مع تشريعاته ونواميسه الكلية في كتابيه المسطور والمخلوق!!

وعملوا الصالحات… الرديف المكمل لوصف الذين آمنوا في أكثر من خمسين موضعا من القرآن الكريم.. أكررها لتعيها أذن واعية.

وإلا فاعلموا أن الله لا يصلح عمل المفسدين

ومن الفساد محاولة الإخلاد إلى الأرض، وأن ندعي أننا مؤمنون..

(وَٱلۡعَصۡرِ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ)

يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "لو تأمل الناس سورة العصر لوسعتهم"

فتأملوها يا رعانا الله

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1092