واو الثمانية في القرآن الكريم واستنباط خبر بها

عبد الرحيم بن أسعد

الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبعد:- فعقود الأعداد متعددة منها العقد واحد لأن كل إنسان له قلب واحد، ومنها العقد سبعة لأن عدد أيام الإسبوع سبعة، ومنها العقد عشرة لأن عدد أصابع اليدين عشر، ومنها العقد ثلاثون لأن عدد أنامل اليدين هو ثلاثون، وهكذا، وكلما انتهى عقد أعداد قد يبدأ العقد الذي بعده بحرف العطف واو ليعطف أول عدد فيه على أول عدد في العقد الذي قبله، أو يبدأ بصفة مغايرة تميز العقد الجديد عن الذي قبله، فواو الثمانية هي الواو التي تأتي بعد عقد الأعداد سبعة فتعطف أول عدد في العقد الجديد على أول عدد في العقد الذي قبله، وأمثلتها في القرآن الكريم كثيرة فهي أو منها التالي:- أولا: تكون الواو في "وَعَشْرًا" في قول الله تعالى "وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ"-البقرة234- هي واو الثمانية، لأن العدة تكون 127 يوما أي 18 ضرب 7 زائد 1 إذا كان ثلاثة شهور كل شهر منها 29 يوما ويكون الشهر الرابع 30 يوما، ثانيا: الواو في "وَهَارُونَ" هي واو الثمانية فهي حرف عاطف على إبراهيم عليه السلام في قول الله تعالى "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا"-النساء163-، ثالثا: الواو في "وَيَحْيَى" في قول الله تعالى "وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ"-الأنعام84، 84- هي واو الثمانية فهي عاطفة لـ "يَحْيَى" على "داوود" وفي هذا دليل على أن يحيى عليه السلام ومريم بنت عمران رضي الله عنهما هما من ذرية داوود عليه السلام، فسليمان عليه السلام هو ابن داوود عليه السلام، فبذلك يكون كل من في العقد السابق من ذرية داوود عليه السلام إلا يوسف وموسى وهارون عليهم السلام فهم من ذرية يعقوب عليه السلام الذي ذكر في العقد الذي قبله، وليس في عقد الأعداد الأخير إلا ذكر يحيى وعيسى وإلياس عليهم السلام، وإلياس هو جد نوح عليه السلام أو جد أبي نوح، فتكون العقود الثلاث متماثلة بأن فيها ذكر نبيين من ذرية نبيين اثنين أو من في حكمهم، ففي تفسير ابن كثير رحمه الله التالي (فَقَالَ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} وَهِيَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، مِنْ سُلَالَةِ دَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ)، والله أعلم، رابعا: الواو في "وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ" هي واو الثمانية لأن الناهين عن المنكر هي الصفة الثامنة في قول الله تعالى "التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ"-التوبة112-، خامسا: الواو في "وَازْدَادُوا" في قول الله تعالى "وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا"-الكهف25- هي واو الثمانية لأن مضروب العدد 44 بالعدد 7 يكون 308 وبعد ذلك يبدأ عقد أوله العدد 309، سادسا: الواو في "وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا" في قول الله تعالى "وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ"-الزمر73- هي واو الثمانية بمعنى (فتح الباب الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع، والثامن)، فأضيفت الواو إلى ’’فُتِحَتْ‘‘ لإكتمال عقد عدد الأبواب وهو سبعة، وبداية عقد أعداد جديد بالباب الثامن، فيعطف الباب الثامن على عقد الأبواب السابق الذي اكتمل، للحديث: عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الْإِبِلِ فَجَاءَتْ نَوْبَتِي فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» قَالَ فَقُلْتُ: مَا أَجْوَدَ هَذِهِ فَإِذَا قَائِلٌ بَيْنَ يَدَيَّ يَقُولُ: الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ قَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ جِئْتَ آنِفًا، قَالَ: " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أَوْ فَيُسْبِغُ - الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ " صحيح مسلم، سابعا: الواو في "وَهُوَ الْعَزِيزُ" في قول الله تعالى "هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"-الحشر 23، 24- هي واو الثمانية وهي عاطفة على اسم الله المهيمن الذي في الآية التي قبلها، ثامنا: الواو في "وَأَبْكَارًا" في قول الله تعالى "عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا"-التحريم5- هي واو الثمانية لأن عقد الأعداد السبعة قد اكتمل في تعداد الصفات بذكر الصفة "ثَيِّبَاتٍ"، ثم بدأ بعدها عقد جديد للصفات فعطفت الصفة "أَبْكَارًا" على صفات العقد السابق بواو الثمانية، تاسعا: الواو في "وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ" في قول الله تعالى "سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ"-الحاقة7- هي هي واو الثمانية، لإكتمال عقد الأعداد السبعة وبدء عقد جديد باليوم الثامن، فهي عاطفة لليوم الثامن على عقد الأيام السبعة، والله أعلم، فاللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم أن تغفر لنا وترحمنا في الدنيا والآخرة وأن تجمعنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وأن تدخلنا الجنة مع عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وذي قرني الجنة علي والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان والمهديين من بعدهم رضي الله عنهم جميعا، اللهم انصرنا والمجاهدين في سبيلك على الروم ومواليهم وجميع أعدائك في جميع الملاحم، فسبحان الله رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وسوم: العدد 1096