(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ..)

ومع ذلك سأجيب.. وسأعلق، وسأقول...

والمسلم سيسأل عن أمر المسلمين كله.. وعن شعب الإيمان كلها، كما سيسأل عن التنزه من البول…

وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لشعب الإيمان ترتيب أولويات، وفيها أعلاها، وفيها أدناها، وفيها رأس، وله عمود وله سنام..

ويبقى ترتيب أي أولوية بين الأولويات، فقه آخر، وهو ترتيب محكوم بظرفه ودواعيه. يعلمه من أراد الله به خيرا ففقهه في الدين… قال رسول الله صلى عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"

وأنا استمعت إلى من أسأل الله أن يهديني ويهديه، وأن يفقهني ويفقهه؛ حتى نهايته.. ولحظت أمرا مما لا يجوز السكوت عليه ليس فقط في ترتيب الأولويات، وقصر السؤال في القبر، ويوم الدين، على شعيرة دون شعيرة.. وشعبة دون شعبة..

بل أنني انتبهت إلى ما قاله الشيخ عن التنزه من البول؛  فوجدت، فيه خلطا لا ينبغي أن يمر دون تنبيه..

فالرجل قد خلط فيما قال بين التطهر من النجاسة إذا أصابت الثوب أو البدن، والتطهر منها واجب؛ وبين التنزه من البول، بما يقتضيه..

فقال حسب شرحه التنزه من البول: أمران، إذا أصاب ثوبك أو جسمك أن تطهره.

وفقه التنزه من البول أيها الأعزاء فقه آخر غير فقه التطهر من النجاسة مرئية أو غير مرئية!!

وفي فقه التنزه من البول..

أولا أن يحتاط الإنسان من بوله، أن لا يصيب ثوبه ولا جسده. وكانوا يكتبون في كتب الفقه يوم كان الناس يضطرون للبول في الفلاة: أن يرتاد لبوله، بمعنى أن لا يبول على حجر صلب فيرتد بوله عليه. وأن لا يبول حيث تضرب الريح، أيضا فترد بوله عليه. وأن يتجنب البول في موارد المياه. وفيما يمكن أن يكون غذاء لبقية الأحياء. وأن لا يبول أو يتغوط في طريق الناس وفي ظلهم، حيث يمرون وحيث يفيئون.. وسمى الرسول الكريم ذلك "اللعانين" كلما مر المار حيث فعل الجاني، فرأى أثرا، أو شم ريحا؛ لعن صاحبه.

ثم من التنزه من البول ثانيا، أن يصبر على نفسه حتى يستفرغ بوله، وأن لا يعجله عنه شيء، وأن يتمهل بعد فراغه من البول، حتى يخرج بعض ما علق في الإحليل، من قطرات، ولا مانع أن يعين نفسه بأن يمسح على قناة الإحليل ثلاث مسحات خفيفات، أو حتى يطمئن، وقد أدركنا بعض الناس، يتنحنحون، ويتحركون حتى يستعجلوا خروج ما علق بالإحليل "والإحليل هو القناة التي يمر عبرها البول داخل القضيب"، ولكل إنسان عادة يعرفها من نفسه، فعليه أن يتنبه لذلك ويراعيه. وأحيانا يهجم الإنسان على الوضوء بعد انقطاع بوله مباشرة، وبدون تأن، فيحدث أن يخرج منه قطرة أو أكثر بعد وضوئه فيخرج منه ما ينقض وضوءه، وإن كان لا يبلغ أنه ينجس ثوبه..

عملية التنزه من البول هذه تسمى"الاستبراء" طلب البراءة، أن يحرص الإنسان أن يتأكد من انقطاع بوله، وتأكد استعداده لطلب الطهارة. وكانوا حيث نشأنا يضربون المثل بدونية الرجل "يبول ويمشي" والعياذ بالله..

ثم المرحلة الثالثة من عملية التنزه من البول: أن يميط الإنسان أثر البول عن عضوه. في أيام العيش في البرية كان الناس يعتمدون على صغار الحجارة. وليس في كل مكان يتوفر الماء للغسل، فكانوا يتحدثون عن ثلاث جمار، أو جمرة كبيرة بثلاثة أوجه، وربما زاد، والمستحب فيه الوتر، وفي هذه الأيام، فقد يسر الله المناديل المعدة لذلك، ويتسامح في الحكم الذي قيدوه: بأنه لا يستنجى ولا يستبرأ بما له قيمة؛ فهو من تغير الأحكام بتغير الأزمان. واستعمال الجمار في ذاته ليس سنة لذاته، بل لأنه كان المتوفر. ثم يستكمل الاستبراء، عندما يتمكن، بغسل مكان خروج البول، ويتوسع بالغسل ما شاء، فالغسل طهارة. وشدد بعضهم على الرجل المتزوج لا يأتي أهله قبل الغسل..

أما بعد أيها المسلم فهذا حكم التنزه من البول أو الاستبراء من البول، أردت أن أستدرك به على من عظّم أمره ثم لم يحكمه..

وأقول للمسلمين الذين يعيشون في غير بلاد المسلمين علموا صبيانكم سنن دينكم. علموا صبيانكم، أن لا يبولوا في المكان الجماعي، حيث يصطف الناس فيبولون ويتحدثون، وأنهم إذا اضطروا لذلك في الأماكن العامة فليطلبوا الخلوة.. وليحسنوا التنزه والاستبراء، وليحرصوا على الطهارة والنظافة وقبل ذلك على الحياء..

والحياء شعبة من الإيمان

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1102