الجواب الكافي لمن سأل عن أسماء المعاصي
ربيع شكير
الحمد لله الذي يَهدِي مَن استَهداه، ويُجِيب مَن دَعاه، ويُجِير من استَجارَه ولاذَ بحماه، ويُضِلُّ مَن أعرَضَ عن ذكره واتَّبَع هواه، أحمَدُه - سبحانه - لا معبود بحق سواه، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، الملكُ الكريم، العليمُ الحكيم، الرَّؤوفُ الحليم، البرُّ الرحيم، وأشهَدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، العبد الشَّكور والرَّسول المنصور، المُثنَى عليه من ربِّه الغفور بقوله ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾[1]، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أئمَّة الهدى ﴿ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾[2].
أما بعد:
المعاصي لغة: من العصيان وهو خلاف الطاعة، يقال: عصى العبد ربه: إذا خالف أمره، وعصى فلانٌ أميره يعصيه عَصْياً وعِصْياناً، ومعصيةً إذا لم يطعه، فهو عاص[3].
والمعاصي في الاصطلاح الشرعي: هي ترك المأمورات، وفعل المحظورات، فتبين بذلك أن المعاصي هي ترك ما أمر الله به أو أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، وفعل ما نهى الله عنه، أو نهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم: من الأقوال، والأعمال، والمقاصد الظاهرة والباطنة[4]، قال الله تعالى:﴿وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ "1:4=]وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ [=14=" ([5])، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِـمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَـهُمُ الْـخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا ﴾ "1:33=]وَمَا كَانَ لِـمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَـهُمُ الْـخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا [=36=" ([6])، وقال تعالى: ﴿وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ "1:72=]وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [=23=" ([7]).
وقد جاء معنى المعصية بألفاظ كثيرة، من ذلك ما يأتي:
1 -الفسوق والعصيان، قال الله تعالى: وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَـئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴿٧﴾ "1:49=]وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ [=7=(8)؛ ويكره إليكم الكفر والفسوق، أي: الذنوب الكبار، والعصيان: هي ما دون ذلك من الذنوب بما أودع في قلوبكم من كراهة الشر، وعدم إرادة فعله، وبما نصبه من الأدلة والشواهد على فساده، وعدم قبول الفطر له، وبما يجعله الله من الكراهة في القلوب له (9).
2 -الحُوب،قال الله تعالى: وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ﴿٢﴾ "1:4=]وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَـهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْـخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَـهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا[=2=" (10)؛ أي: إثمًا عظيمًا، ووزرًا جسيمًا.
3 -الذنب، قال الله تعالى بعد أن ذكر قوم لوط، ومدين، وعاد، وثمود، وقارون، وفرعون، وهامان: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴿٤٠﴾ "1:29=]فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [=40=" ([11])؛ فأخذنا كلا من هؤلاء المذكورين بعذابنا بسبب ذنبه: فمنهم الذين أرسلنا عليهم حجارة من طين منضود, وهم قوم لوط, ومنهم مَن أخذته الصيحة, وهم قوم صالح وقوم شعيب, ومنهم مَن خسفنا به الأرض كقارون, ومنهم مَن أغرقنا, وهم قومُ نوح وفرعونُ وقومُه, ولم يكن الله ليهلك هؤلاء بذنوب غيرهم, فيظلمهم بإهلاكه إياهم بغير استحقاق, ولكنهم كانوا أنفسهم يظلمون بتنعمهم في نِعَم ربهم وعبادتهم غيره[12].
4 -الخطيئة، قال الله تعالى في ذكره لقول إخــوة يوسف عليه السلام: قالوا يا أَبانَا استَغفِر لَنا ذُنوبَنا إِنّا كُنّا خاطِئينَ ﴿٩٧﴾ "1:12=]قَالُــواْ يَــــا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ [=97=" ([13])؛ قال بنوه: يا أبانا سل لنا ربك أن يعفو عنا ويستر علينا ذنوبنا, إنا كنا خاطئين فيما فعلناه بيوسف وشقيقه[14].
5 -السيئة، قال الله تعالى: إِنَّ الحَسَناتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَاتِ "1:11=]إِنَّ الْـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ [=114=" ([15])؛ أي إنَّ فِعْلَ الخيرات يكفِّر الذنوب السالفة ويمحو آثارها.
6 -الإثم، قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْـحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ "1:7=]قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْـحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ [=33=" ([16]).
7 -الفساد، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَـهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَـهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ "1:5=]إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَـهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَـهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [=33=" ([17]).
8-العتوّ، قال الله تعالى:﴿فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَـهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ "1:7=]فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَـهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ [=166=" ([18]).
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه: نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
[1] -سورة القلم، الآية : 4.
[2] -سورة آل عمران، الآية: 17.
[3]- لسان العرب، لابن منظور، باب الياء، فصل العين، مادة ((عصا))، 15/67 .
([4]) انظر: الجواب الكافي، لابن القيم، ص221، والمعاصي وأثرها على الفرد والمجتمع، لحامد بن محمد المصلح، ص30 .
([5]) سورة النساء، الآية: 14 .
([6]) سورة الأحزاب، الآية: 36 .
([7]) سورة الجن، الآية: 23 .
([8]) سورة الحجرات، الآية: 7 .
[9] انظر تفسير السعدي.
([10]) سورة النساء، الآية: 2 .
([11]) سورة العنكبوت، الآية: 40 .
[12]-التفسير الميسر.
([13]) سورة يوسف، الآية: 97 .
[14] -التفسير الميسر.
([15]) سورة هود، الآية: 114 .
([16]) سورة الأعراف، الآية: 33 .
([17]) سورة المائدة، الآية: 33 .
([18]) سورة الأعراف، الآية: 166 .