الصلاة و حياة المسلم
لبنى شرف / الأردن
قال عليه الصلاة و السلام :" أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة ، فإن صلحت صلح له سائر عمله ، و إن فسدت فسد سائر عمله " .
إن للصلاة منزلة عظيمة و أهمية بالغة في الإسلام و في حياة المسلم ، فهي عمود الدين ، و هي العبادة الوحيدة التي لا تسقط بحال من الأحوال ، إلا في حالة فقدان و غياب العقل ، فالعقل مناط التكليف .
و لأن للصلاة هذه الأهمية فلابد أن يكون لها تأثير كبير في حياة المسلم ، و لو كان حالنا في تعاملاتنا وحياتنا كمسلمين كحالنا في الصلاة، لأصبح حال أمتنا أفضل مما هو عليه الآن .
فبداية ، إن للصلاة مواقيت محددة ، و أوقات مخصوصة ، أي أن هناك نظام و دقة ، فلا عشوائية في الأمر و لا فوضى، فلو أن المسلمين عاشوا حياتهم بهذا النظام ، و كانت مواعيدهم بهذه الدقة ، و لو أنهم كانوا حريصين على استغلال أوقاتهم أفضل استغلال ، لارتقت أمتنا أيما ارتقاء !! . و لكننا نجد أن هذا النظام و هذه الدقة في المواقيت قد نقلت إلى اللعب ، فمباريات كرة القدم مثلا مقننة بقوانين صارمة ، و أنظمة مدروسة ، و أما الجد فترك بلا قوانين !! .. شيئ عجيب !! .
ثم إن من صحة الصلاة الوضوء ، و طهارة الجسم و الثياب و المكان ، و هذا يدل على أن ديننا يحث على الطهارة و النظافة ، و لكن كثيرا من المسلمين لا يدركون هذا ، و لذلك فإننا نرى هذه السلوكيات المستقذرة المنتشرة في بلاد المسلمين، و للأسف . قال عليه الصلاة و السلام :" أرأيت لو أن بفناء أحدكم نهر يجري ، يغتسل منه كل يوم خمس مرات ، ما كان يبقى من درنه ؟ قالوا : لا شيئ ، قال : إن الصلوات تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن " .
و أيضا ، قال تعالى في سورة الأعراف (31) "يبني ءادم خذوا زينتكم عند كل مسجد ..." ، و قال عليه الصلاة و السلام :" إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه ، فإن الله أحق من تزين له " . هذه النصوص تدعو إلى أن يكون المسلم في أحسن هيئة عند الصلاة ، و لا ينبغي أن يقتصر هذا في حالة الصلاة ، بل ينبغي أيضا أن يكون حسن المظهر في كل أحواله ، فالهيئة الحسنة صورة محببة إلى كل النفوس ، و كل بحسب استطاعته ، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها .
و الصلاة أيها الإخوة ، تعلمنا الإتقان ، قال عليه الصلاة و السلام :" إن الرجل ليصلي ستين سنة ، و ما تقبل له صلاة ، و لعله يتم الركوع و لا يتم السجود ، و يتم السجود و لا يتم الركوع " . فلو أننا حرصنا على إتقان كل عمل نقوم به ، لأصبح لنا شأن آخر غير الذي نحن عليه الآن .
و الصلاة تعلمنا العزة و القوة ، فالسجود لله رفعة و سمو ، فلا ينبغي للمسلم أن يذل نفسه إلا لله ، و لا يجوز له أن يخضع إلا لله . عن أبي أمامة ، قال : أتيت رسول الله –صلى الله عليه و سلم – فقلت : مرني بأمر أنقطع به ، قال :" اعلم أنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة ، و حط عنك بها خطيئة " .
سـجـدة تـخـفض الجباه و ظـنـها الجاهلون غلا على العبد تـثبت الوجه و الجوارح في الآر تهدم الشرك و الوساوس في النف فـي سـكـون ، و للقلوب مسير هـي لـلـه ، وحـدتـه ، فقرت مـن وعـاهـا : وعى السيادة في | لكنعـز فـيـهـا مـسـبح و و لــكـن تـحـطـم الأغـلالا ض ، و لـكـن تـقـلقل الأجبالا س، و لـكـن تـشـيـد الأجيالا سـخـر الأرض رهـبة و جلالا و مـحـت كـل غـاشـم يتعالى الأرض جلالا ، و رحمة ، و جمالا | تعالى
(2)
إن الصلاة أيها الإخوة ، تعلمنا الحب و التعاون و التآلف ، تعلمنا وحدة الصف و التراص و جمع الكلمة ، تعلمنا ألا نجعل مجالا للشيطان أن يدخل بيننا . قال عليه الصلاة و السلام :" أتموا الصفوف ، فإنما تصفون كصفوف الملائكة ، حاذوا بين المناكب ، و سدوا الخلل ، و لا تذروا فرجات للشيطان ، و من وصل صفا وصله الله " . و قال :" خياركم ألينكم مناكب في الصلاة ، و ما من خطوة أعظم أجرا من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها " ، وقال :" أقيموا صفوفكم ( ثلاثا) ، والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم " .
أيها الإخوة ، لو أن المسلمين حرصوا على هذا التراص و سد الفرج في الصفوف ، ليس داخل الصلاة فقط ، و لكن خارجها أيضا ، لحكموا العالم ، و لكن ... !!! .
أيها المسلمون ، نحن الآن بحاجة إلى نشر الحب فيما بيننا ، و نبذ الفرقة و الخصام ، فما قويت شوكة عدونا إلا بعدما أصبح بأسنا بيننا شديد ، فإن لم تنتج صلاتنا في المسجد جماعة هذا الحب و هذه الوحدة ، فما الفرق بينها و بين صلاة الفرد وحده ؟ .
لقد أشارت بعض أحاديث الرسول الكريم –عليه الصلاة و السلام – إلى أهمية الوحدة و التعاون و المحبة و المودة بين المسلمين ، فإنما هم إخوة . قال عليه الصلاة و السلام عندما سئل : أي الإسلام خير ؟ قال :" تطعم الطعام ، و تقرأ السلام على من عرفت و من لم تعرف " ، و قال :" تبسمك في وجه أخيك هو لك صدقة " ، و الابتسامة كما يقول الداعية الأستاذ عباس السيسي ، هي انفراج الأسارير عن انفعالات صادقة داخل النفس ، تحرك الوجدان ، و تشرق على الوجه كوهج البرق ، حتى ليكاد الوجه يتحدث بنداء و هواتف تلتقطها القلوب فتنجذب ، و الأرواح فتأتلف .
و قال عليه الصلاة و السلام :" ليس المؤمن الذي يشبع و جاره جائع إلى جنبه " ، و قال :" من كان معه فضل ظهر فليعد على من لا ظهر له ، و من كان له فضل زاد فليعد على من لا زاد له " ، و قال :" لا تباغضوا ، و لا تقاطعوا ، و لا تحاسدوا ، و لا تدابروا ، و كونوا عباد الله إخوانا " .
إن هذه النصوص و غيرها تشير إلى أن المجتمع المسلم لابد أن يكون مجتمعا تسوده الألفة و المحبة و الأخوة ، و لابد أن يكون مجتمعا متعاونا ، و حتى مع وجود المذاهب الفقهية المختلفة ، فلا ينبغي أن يصل الاختلاف فيما بينها إلى حد العداوة . يقول الشيخ أحمد حسن الباقوري : الواقع أن الإسلام لا يطلب التوحيد بين المذاهب ، و لكنه يمقت أن يكون بين المذاهب خلاف يصل إلى حد العداوة ، و مادامت المذاهب قد وجدت نتيجة أمرين : نصوص محتملة و عقول مختلفة ، إذن فالتوحيد غير محتمل الوقوع بالمرة . ثم قال مقترحا الحل لكيفية حدوث التقارب الواجب ، هو أن يتفهم كل فريق مذهب الآخر .
اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا ، و تجمع بها شملنا ، و تلم بها شعثنا ، و تلهمنا بها رشدنا ، و ترد بها ألفتنا ... اللهم آمين.