العقيدة الصحيحة وأثرها في التربية

د. بدر عبد الحميد هميسه

[email protected]

البناء التربوي السليم لا بد أن يقوم على عقيدة صحيحة تجافي الشرك والجهل والخرافات , لذا فقد كان أول شيء دعا إليه الرسل الكرام هو تصحيح العقيدة التي هي أساس كل شيء، فكان التوحيد الخالص المنزه عن الشركيات والبدعيات هو شعارهم جميعا , قال تعالى : " لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) سورة الأعراف , وقال : " وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) سورة الأعراف ,وقال : " وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) سورة الأعراف.

لذا فقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة بعد بعثـته ثلاث عشرة سنة يدعو الناس لتصحيح العقيدة وإلى التوحيد، ولم تـنزل عليه الفرائض ولا التشريعات إلا في المدينة.

فالعقيدة ينبني عليها العبادات والمعاملات وجميع التصرفات , وبدون صحة العقيدة وسلامتها تسقط الأعمال وتصبح هباءً لا وزن لها , قال تعالى مخاطباً صفيه محمداً صلى الله عليه وسلم : " وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) سورة الزمر .

وحينما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه أوصاه فقال : " إِنَّكَ سَتَأْتِى قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ.

أخرجه أحمد 1/233(2071و"البُخَارِي" 2/130(1395) و"مسلم" 1/38(30) .

فالعقيدة الصحيحة هي التي ترتقي بالإنسان إلى المكان اللائق به، وهي التي تنقذه من رق العبودية لغير الله، وتحرره من استعباد الإنسان، ومن استعباد الخرافة والأهواء، وهي التي تنقذه من المحتالين والمضلين .

ومن هنا فقد اهتم الإسلام بتربية الأطفال على عقيدة التوحيد الخالص منذ الصغر، فندب الوالدين إلى التأذين في أذن الطفل حين ولادته حتى يكون أول ما يقرع أذنه كلمات التوحيد عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ:"رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ ، بِالصَّلاَةِ.أخرجه أحمد 6/9 (24371) و"أبو داود" 5105 ( حسن ) إرواء الغليل 1/229.

فالطفل يولد على فطرة العقيدة الصحيحة , ويجب أن يربى عليها , ولا يحيد عنها , قال سبحانه :" ) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) سورة الروم , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ.ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ".أخرجه أحمد 2/393(9091)و((البُخاري)) 2/118 (1359) و((مسلم)) 8/53(6851) .

 ولقد تعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه حتى الأطفال منهم فغرس في نفوسهم أسس العقيدة الصحيحة , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ:"كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ الله ، صلى الله عليه وسلم ، يَوْمًا فَقَالَ : يَا غُلأَمُ ، اِنِّي اُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إذا سَأَلْتَ ، فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وإذا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بشيء ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إلا بشيء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بشيء ، لَمْ يَضُرُّوكَ الا بشيء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الاقْلأَمُ ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ. أخرجه أحمد 1/293(2669 والتِّرْمِذِيّ" 2516 صحيح ، المشكاة ( 5302 ).

ووظيفة العقيدة الصحيحة ليست هي إنشاء هذا الشعور بالحاجة إلى إله والتوجه إليه ، فهذا مركوز في الفطرة . ولكن وظيفتها هي تصحيح تصور الإنسان للإله الذي يعبده ، وتعريفه بالإله الحق الذي لا إله غيره ، وأنه هو الذي يصرف الأمور , وكيف ندعو الآخرين إليه ونثبت لهم صحة ما نعتقده في هذا الإله.

           إيماننا قول وقصد وعمل * * *  إن وافق الشرع به نيل الأمل

فالانحراف عن العقيدة الصحيحة مهلكة وضياع؛ لأن العقيدة الصحيحة هي الدافع القوي إلى العمل النافع، والفرد بلا عقيدة صحيحة، يكون فريسة للأوهام والشكوك ,كما أن المجتمع الذي لا تسوده عقيدة صحيحة هو مجتمع بهيمي يفقد كل مقومات الحياة السعيدة " وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) سورة محمد.

والعقيدة الصحيحة تتضمن الإيمان الصحيح بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر , والبعد عن كل ما ينافي هذه العقيدة ويضادها من الشركيات والبدع والخرافات .

وهذه العقيدة الصحيحة تستمد صحتها وسلامتها من أصلين واضحين هما : كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , وهما أساسان مهمان للبناء التربوي الدعوي السليم .