أبونا آدم عليه السلام
قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم
القصة الأربعون
أبونا آدم عليه السلام
د.عثمان قدري مكانسي
[email protected]
هذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله أصحابه يسألونه عن الأنبياء الكرام وصفاتهم
الخُلُقية والخَلْقية ، وعن أقوامهم ، ومن صدّقهم ، ومن كذ ّبهم ... ورسول الله صلى
الله عليه وسلم يجيبهم ، ويزيدهم ما ينفعهم ، ويشحذ قرائحهم ، ويقوّي الإيمان في
نفوسهم ، ويُطَيـّبها .
قال
عليه الصلاة والسلام :
خُلِق آدم وطوله ستون ذراعاً .. إنها قامة فارعة ، تسامق الأشجار العالية طولاً ،
وتسمو على الحصون والقلاع ارتفاعاً .
قالوا : يا رسول الله ؛ فما بالنا أقصر منه بكثير ؟.
قال
عليه الصلاة والسلام : لم يزل الخلق ينقصون جيلاً بعد جيل حتى وصلنا إلى ما نحن
عليه .
قالوا : فكيف يكون المؤمنون في الجنة إزاءه عليه السلام والأجيال السابقة ؟.
قال
عليه الصلاة والسلام : كل من يدخل الجنة يدخلها على صورة أبيه آدم .
ثم أردف قائلاً :
لما
خلق الله تعالى آدم نفخ فيه الروح فعطس ، فألهمه الله تعالى حمده ، فقال : الحمد
لله .
فقال له ربه : يرحمك الله .
فذهب الحمد والرحمة أدباً عالياً يعيشه المسلمون في مجتمعاتهم ، فيكون حمد الله
ورحمته شعارهم ومآلهم ، فإذا عطس أحدكم ، فحمد الله فشمّتوه ، واطلبوا له الرحمة
والهداية ، فهذا من سنّتي .
قال
عليه الصلاة والسلام : ثم قال الله تعالى لآدم :
اذهب فسلم على أولئك الجلوس من الملائكة ، وقل لهم : السلام عليكم .
فذهب فسلم عليهم ( السلام عليكم ) ، فقالوا له : وعليك السلام ورحمة الله .
قال
تعالى : يا آدم ؛ أوَعَيْت ردّهم ؟
قال
آدم : نعم ؛ يا رب .
قال
تعالى : فإنها تحيتك وتحية ذرّيتك .... إنك سلمتَ عليهم ، فردّوا عليك السلام ،
وزادوك إكراماً ، فسألوني أن أرحمك ، فلك ذلك .
وقرأ الرسول صلى الله عليه وسلم : " وإذا حُيّيتُم بتحية
فحيوا بأحسن منها أو رُدّوها "
قال
عليه الصلاة والسلام بعد أن رأى أصحابه منتبهين ، يتلقَّون كل كلمة بأُذُن واعية
وقلب محبّ : ثم إن الله تعالى مسح على ظهر آدم ، فسقط من ظهره كلُّ نَسَمة هو
خالقها من ذريّة آدم إلى يوم القيامة ، وجعل بين عينَيْ كل إنسان منهم بصيصاً من
نور ، ثم قبضها بيده سبحانه .
قالوا : وكيف يقبض سبحانه الأمورَ بيده ؟.
قال
عليه الصلاة والسلام : إن الله تعالى يقبض الأشياء كيف شاء ، متى شاء ، من غير
تكييف ولا تمثيل – سبحانه – ليس كمثله شيئ ، وهو السميع البصير .
قالوا : آمنّا بالله سبحانه ، وتعالى ربنا عن الشبيه والمثيل، ليس كمثله شيء وهو
السميع البصير .
قال
عليه الصلاة والسلام : فقال الله ويداه مبسوطتان : اختر أيهما شئت .
قال
آدم بأدب جم علمه إياه ربه : اخترتُ يمين ربي ، وكلتا يدي ربي
يمين مباركة .
فيبسط الله تعالى يده ، فإذا فيها آدم وذريته ....
قال
آدم : أيْ ربّ ؛ ما هؤلاء ؟
قال
تعالى : هؤلاء ذريتك .
وينظر آدم عليه السلام إلى ذريته ، فإذا كل إنسان مكتوب عمُره بين عينيه .
ويلوح له فيهم رجل من أضوئهم ، فيخفق له قلب آدم حباً ،
فيقول : يا ربّ ؛ من هذا ؟
فيقول الله عز وجلّ : هذا ابنك داود ، قد كتبت له عمُر ستين سنة .
فيقول آدم : ربّ ؛ زد في عمُره ؟.
فيقول الله تعالى : هذا ما كتبت له ، وقدّرت.
فيقول آدم : كم كتبت لي من العمر ؛ يا رب ؟
فيقول الله تعالى : ألف سنة .
فيقول آدم : أيْ ربِّ ، فإني قد جعلت له من عمري أربعين سنة .
فيقول الله تعالى : قد أجزت لك ذلك .
فيًقدّر لداود مئة عام .
كل
شيء مقدّر ومكتوب ... صُنع الله الذي خلق كل شيء ، فأحسن خلْقه ، وأبدعه وقدّره ،
وهو يفعل ما يشاء ... يمحو الله ما يشاء ويُثبت ، وعنده أمّ الكتاب .
قال
عليه الصلاة والسلام : ويسكن آدم وزوجه الجنة ماشاء الله ....
ويشاء الله أن يبتليه بعد ذلك ، فيأكل وحواء من الشجرة المحرّمة ، ثم يهبطان منها
.
فكان آدم عليه السلام يَعُدّ لنفسه عمرها ......
فلما أتاه ملك الموت يريد استيفاء روحه قال له آدم :
قد
عجلتَ ؛ قد كُتب لي ألف سنة ، فها انت تأتي قبل أربعين سنة .
يقول له ملك الموت : بلى ، ولكنك جعلت لابنك داود أربعين سنة ، فصارتْ إليه .
فجحد آدم ما جعله لداود ، وكان جحوده نسياناً ، وورث أبناؤه صفات أبيهم ، فجحدوا
كما جحد ، ونسوا كما نسي ، فأمر الله تعالى بالكتابة والشهود ليواجه بها جحود
الجاحدين ونسيان الناسين .
1-
البخاري المجلد الثاني الجزء /4/
كتاب : بدء الخلق
باب
قوله تعالى
"
وإذ قال ربك للملائكة ....."
2-
سنن الترمذي ج3ص 52