موائد الإفطار أو موائد الرحمان بين الإخلاص لله عز وجل وبين التوظيف لتحقيق مصالح
من المعلوم أن الإنفاق عبادة من عبادات رمضان يتقرب بها إلى الله عز وجل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حتى كأنه الريح المرسلة . ومعلوم أن من يفطر صائما تظل الملائكة تصلي عليه ما دام الصائم في ضيافته ، وهو ما يحفز الناس على إفطار الصائم رغبة في الأجر والثواب وفي صلاة الملائكة . ويتراوح إفطار الصائم بين إطعام فرد أو أفراد أو جماعات. وإفطار الجماعات صار يعرف بموائد الرحمان . وينسبها بعضهم لشخصيات تاريخية مثل ابن طولون في مصر ، والحقيقة أنها سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، وقد أمر بها وحث عليها. وهذه الموائد سنة حسنة يعود أجر من عمل بها على من سنها أول مرة كما جاء في الأثر. وإذا كان ما يسمى موائد الرحمان في ظاهرها موائد إطعام الصائمين خصوصا الفقراء والمحتاجين، فإن نوايا الجهات التي تنظمها ـ وعلمها عند الله عز وجل ـ تختلف باختلاف القصد . ومعلوم أن المعتبر في دين الإسلام أن الأعمال إنما تكون بالنيات التي تسبقها ، وأنه لا يصح منها إلا ما صحت نياته . وتكثر في رمضان الجهات المنظمة لموائد الإفطار، وهي عبارة إما عن أفراد أو هيئات أو جمعيات أو جماعات . وليس من السهل البث في نوايا هؤلاء الأفراد أو تلك الهيئات والجمعيات والجماعات خصوصا التي لها توجهات إيديولوجية معينة . ولا يمكن لهيئة او جمعية أو جماعة لها توجه إيديولوجي ما أن تتحرك أو تعمل خارج إطار ذلك التوجه ودون تأثر به ، وليس من السهل تصديق أنها تقوم بعمل إحسان ما من قبيل إفطار الصائمين لوجه الله تعالى دون أن تخالط ذلك مصلحة أو منفعة صريحة أو ضمنية. ولا يعلم نوايا الجهات التي تتبنى الأعمال الخيرية إلا الله عز وجل الذي يكشف عنها يوم العرض عليه حين يسأل أصحابها فيم أنفقتم ؟ فيقال من أجلك ، فيقول سبحانه كذبتم بل أنفقتم ليقال عنكم أنكم كرماء فقد قيل فادخلوا النار . وما أكثر الأعمال الخيرية في الظاهرة ومنها ما يسمى موائد الرحمان التي تفضي بأصحابها إلى نار جهنم باعتبار نواياهم التي تحيد عن نية إخلاص العمل لله عز وجل . فكل جهة تتخذ من الأعمال الخيرية مطية لتحقيق مصالحها مهما كان نوعها مادية أو معنوية إنما تغامر بمصيرها يوم الوقوف بين يدي الله عز وجل يوم ينفع الصادقين صدقهم ، وتقايض آخرتها بدنياها وبئس المقايضة . وعلى المقبلين على الاستفادة من الأعمال الخيرية بما فيها ما يسمى موائد الرحمان أن يتحروا ما يقبلون عليه ، وذلك بالحرص على خلوها مما ينقض إخلاص أصحابها لله عز وجل فيما يقدمون ، وأن يصونوا كرامتهم من الابتذال، فلا يقايضوها بلقيمات فيجعلوا أنفسهم عبيد من أطعمهم ، ومطايا يركبها لتحقيق مصالحه مادية كانت أم معنوية . وغالبا ما تسقط أقنعة المتاجرين بالأعمال الخيرية بما فيها موائد رمضان أو موائد الرحمان فيعرف الناس عنهم ذلك ،وقد فضحهم الله عز وجل، وقال لهم كذبتم قد قيل في العاجل قبل الآجل. فكم من محسوب على الإحسان ينفق ، ويتصدق ، ويشيد المرافق العامة من مساجد ومدارس ومستوصفات... وغيرها مدعيا أنها في سبيل الله ، والحقيقة أنها مجرد تمويه على مصالحه الشخصية ، ويكون شأنه شأن المقامر يدفع ليربح . وغالبا ما يفتضح أمر الأعمال التي لا تكون خالصة لوجه الله تعالى ويشيع أمرها بين الناس . وهنيئا لمن لا تعلم يمينه ما قدمت شماله حين ينفق .وويل لمن أتبع ما ينفق منا أو أذى . وشر المن والأذى أن يكون الانفاق غير خالص لوجه الله عز وجل وأن تكون وراءه مصالح فاضحة .