مع العلم في العيد

‏‫د. عبد الحكيم الأنيس

إذا تغلغلَ حبُّ العلم في القلب كان هو الراحة والسعادة والأُنس، ولم يَملك المرءُ عنه انفكاكاً لا في جمعةٍ ولا في عيد، وقد وجدنا مِنْ تعلُّقِ العلماءِ بالعلم وصرْفِ أوقاتِهم فيه، واغتنامِ العمر في خدمتهِ وبثِّهِ عجائبَ، ومِنْ ذلك اشتغالُهم بالتأليف في الأعياد، وهي عادة ما تكون أوقاتاً مصروفة في الراحة والعطلة، وأضربُ على ذلك هذه الأمثلة:

• من كتب الحنفية: "خزانة الأكمل في الفروع" - في ست مجلدات- لأبي يعقوب يوسف بن علي بن محمد الجرجاني الحنفي، ذَكَرَ فيه أنَّ هذا الكتاب محيطٌ بجُلِّ مصنَّفات الأصحاب بدءاً بالكافي للحاكم، ثم بالجامعين، ثم بالزيادات، ثم بالمجرد لابن زياد، والمنتقى، والكرخي، وشرح الطحاوي، وعيون المسائل، وغير ذلك، واتفقتْ بدايتُه يوم عيد الأضحى سنة 522هـ[1].

• ولأبي المحامد محمود بن محمد بن داود اللؤلؤي البخاري الأفشنجي (ت:617هـ) كتاب بعنوان: "حقائق المنظومة" شرَحَ فيه منظومةَ النسفي في الخلاف، مكث في جمعه أكثرَ من سبع سنين، وأتمَّه يوم عيد الأضحى سنة 666 ببخارى[2].

• ومن الكتب المشهورة كتاب "تهذيب التهذيب" لشيخ الإسلام الحافظ أحمد ابن حجر العسقلاني (ت:852هـ)، وقد جاء في آخره: "فرغنا منه يوم عيد النحر سنة اثنتي عشرة وثماني مئة".

وأقام في عمله ثماني سنين إلا شهراً واحداً[3].

• وللشيخ عبد الرحمن بن محمد البسطامي (ت:858هـ): "الأدعية المنتجة والأدوية المجربة" وهو مختصر في وصف الدواء، ألّفه ليلة عيد الفطر سنة 838، ورتّبه على خمسة أبواب، كلها في الطاعون، أوله الحمد لله اللطيف بعباده[4].

• وللإمام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت:911هـ) "الدر المنثور في التفسير المأثور"، وقد جاء في آخره (15/852): "قال مؤلِّفه (رحمه الله) وتقبّل الله منه صنيعَه: فرغتُ من تبييضه يومَ عيد الفطر سنة ثمان وتسعين وثماني مئة، والحمد لله وحده, وصلى اللهُ على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين...".

• ومن الكتب المالكية: "الدر النثير على أجوبة أبي الحسن الصغير" (هو علي بن محمد بن عبد الحق الزرويلي)، جمعها أبو سالم إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي بكر التسولي التازي، المعروف بابن أبي يحيى، ورتّبَ الكتابَ ونسَّق أبوابَه أبو سالم إبراهيم بن هلال بن علي السجلماسي قاضي سجلماسة، ووضَع عليه تقييدات، وفرغ من تأليفه يوم عيد الأضحى سنة 900هـ[5].

• وللشيخ شمس الدين محمد القوهستاني (ت في حدود سنة 950هـ): "شرح مقدمة الصلاة" فرغ منه يوم العيد سنة 949هـ[6].

• وللقاضي أحمد بن ناصر المخلافي (ت:1116هـ): "أرجوزة العيد"[7].

• ومن أخبار العلم في العيد: قراءةُ (المُسلسلات) الخاصة بالعيد، فيه، وسماعُها.

وقد ذكر ابنُ خير الإشبيلي (ت: 575هـ) كتاب "الأحاديث المُسلسلات" لابن العربي وقال: "حدّثني بها -رضي الله عنه- قراءةً مني عليه في المسجد الجامع بإشبيلية، عمره اللهُ بالإسلام، بين المغرب والعشاء، والعيديات منها في يوم عيد الأضحى"[8].

ثم ذكر كتاباً آخر فقال:

"الأحاديث المُسلسلات، تخريج الشيخ أبي القاسم عبد العزيز بن بندار بن علي الشيرازي، عن شيوخه رحمهم الله، حدّثني بها شيخُنا أبو الحسين عبد الملك بن محمد بن هشام بن سعد القيسي رحمه الله، قراءةً مني عليه بجامع مدينة شلب، عمره اللهُ بالإسلام، عشي يوم عيد الأضحى من سنة 549، وسلسلتُها معه على شروطها المذكوره فيها..."[9].

• وفي يوم العيد سنة 1329 كتب الأستاذُ الشيخُ محمد المكي ابن عزوز التونسي المسلسلَ به إلى الشيخ عبد الحي الكتاني قصداً -كما قال المجاز-[10].

ومن المؤلّفات الحديثية التي حملتْ اسم العيد:

• تحفة عيد الفطر لزاهر بن طاهر الشحامي (ت: 533هـ)، مخطوط في مكتبة مكة المكرمة برقم (15/190)، وهو مذكورٌ في "كشف الظنون" (1/370).

• وذكر له "تحفة عيد الأضحى" في "برنامج الوادي آشي" ص 263.

• ولعبد الصمد بن عبد الوهاب ابن عساكر الدمشقي (ت:686هـ): "أحاديث عيد الفطر"[11].

• وللحافظ محمد مرتضى الزَّبيدي (ت: 1205هـ): "التغريد في الحديث المُسلسل يوم العيد"[12].

• وللحافظ محمد عبدالحي الكتاني (ت:1382هـ): "الطالع السعيد إلى المهم من الأحاديث المُسلسلة بيوم العيد"[13].

وللحديث المُسلسل بالتحديث في يوم العيدين ذكرٌ في كتب المُسلسلات الجامعة، ومن ذلك: "جياد المُسلسلات" للحافظ السيوطي ص187-192، و"الجواهر المكللة في الأحاديث المُسلسلة" للحافظ السخاوي ص 76-83.

وغنيٌّ عن البيان أنَّ خطبة العيدين تدخلُ أيضاً في الاشتغال بباب من أبواب العلم، وإشاعته بين المسلمين، وتوعية الناس بمالهم وعليهم.

ورأينا العلماءَ يحرصون على ذكر مسائل علمية وإرشادية في مجالس استقبالهم المهنئين مِنْ طلابهم، ومُحبيهم، ومجاوريهم، وعامة زائريهم، فلا يَمرُّ الوقت إلا في خيرٍ يُزاد، أو شرٍّ يُذاد. الخاص بي

وسوم: العدد 624