الهجرة .. الفضل للجميع
لم يهاجر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من قصور كان يملكها هو وأفراد عائلته، بل هاجر من بيت تمر عليه الليالي الثلاث ولا توقد فيه النار، ويكتفون بالتمر والحليب ومساحته لاتكفي لاثنين، لكنه بيت سعيد وسعيد جدا.
إختار غار الثور يختبئ فيه، فخرجت من هذا الغار حضارة تخرج العباد من عبادة الناس إلى عبادة رب الناس.
واختار المدينة ولم يختر الروم أو الفرس ليحتمي بهما، وهما الدولتين العظميين في ذلك الحين، فانطلقت الرمال لتشيّد للعالم العلوم بأصنافها، والأخلاق الفاضلة بأشكالها.
حين دخل المدينة مهاجرا، لم يتميّز عن أحد، ولم يستطع غيره أن يميّزوه، لتواضعه ومشاركة الرجال أعمالهم، ومقاسمتهم أشغالهم الشاقة.
كلّف سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيّدنا علي بن أبي طالب أن ينام في مكانه، أي ليخاطر بحياته وهو في زهرة شبابه، ما يعني أن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان دوما يقدّم أهله في الصفوف الأولى كما فعل في غزوة بدر حين يتعلّق الأمر بالمخاطرة، ليبيّن للناس أجمعين..
أن المسؤولية وتولي شؤون العباد ليست مكاسب لأهل المسؤول، بقدر ما هي مخاطرة بحياته وحياتهم، حتى إذا أعطى أوامره نفّذها الجميع بسرعة فائقة، لأنهم يرون بأم العين، كيف قدّم أهله في المخاطر وأخّرهم في الغنائم.
نوم سيّدنا علي بن أبي طالب في مكان سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعتبر تكليف بمهمة خطرة وتضحية بحياة أهل المسؤول، بل الموت إن إقتضى الأمر. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعلّم كل من تولى المسؤولية، ويقول له..
إن كنت تحب شعبك حقا وتدافع عن مصالحه، فقدّم أهلك للمخاطرة وابعدهم عن الغنائم، فسيحترمهم الناس لقبولهم المخاطرة، بدليل أن الأمة الإسلامية ما زالت وستظل تحترم سيّدنا علي بن أبي طالب وتروي بطولاته النادرة، حين قدّم نفسه الزكية فداء للمسؤول الأعلى، الذي إختار أحد أفراد عائلته ليموت دونه، وترك أبناء المجتمع ينامون ويتمتعون بأحلام لذيذة.
فإحياء مناسبة الهجرة تمسّ الجميع الذين الجميع شاركوا فيها، بما فيهم الدليل المشرك. وليس من العدل أبدا أن تحصر البطولة وتختصر التضحية في شخص دون غيره. فكل الذين شاركوا في الهجرة وخاطروا بحياتهم ورقابهم، حتّى لا يمسّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدنى شوكة. ويكفي لقارئ السيرة النبوية الطرة، أن يتخيّل ..
مشهد إلقاء القبض على سيّدنا أبي بكر الصديق وهو يخرج من بيته. وإلقاء القبض على سيّدتنا أسماء بنت أبي بكر وهي تحمل الطعام للصاحبين الكريمين. وإلقاء القبض على سيّدنا عبد الله وهو يمحو آثار الأقدام. و يمكنك أن تتخيل بعدها قريش وهي تلقي القبض على دليل الصحراء المشرك. بالطبع كانت ستقتلهم شر قتلة، وتمثّل بجثثهم وتتركهم لغربان الصحراء، وحينها لا تفرّق بين أهل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلبم، وأهل سيّدنا أبي بكر الصديق، ولا الدليل المشرك.
بقيت الإشارة أن سيّدنا أبي بكر الصديق، غامر أيضا بابنته أسماء وهي في شهرها التاسع، وابنه عبد الله وهو في زهرة شبابه، وواجه كلاهما الموت والإعدام، وهم يدركون جيدا عواقب إلقاء القبض عليهما في تلك اللحظات العصيبة والخطرة جدا. والدليل المشرك كذلك غامر بحياته ورقبته، وكاد يقتل ويعدم لو ألقي عليه القبض.
مادام الجميع قدّم حياته فداء لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يعلم مسبقا أيّ مصير ينتظره لو ألقي عليه القبض، فالفضل للجميع ويشكرون جميعا على رقابهم التي قدّموها في سبيل إنجاح الدعوة الاسلامية وهي في مهدها.
وسوم: 638