قراءة في تاريخ البناء الدعوي لجماعة الإخوان المسلمين

الإمام الشهيد حسن البنا

          نعرض في هذا البحث لتاريخ ومراحل المسيرة الفكرية التي بناها الإمام المؤسس الشهيد حسن البنا رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وجزاه الله عنا وعن أجيال الأمة خير الجزاء.

          يمكن للمراقب تمييز الأطوار والمراحل التالية التي مر بها البناء الفكري للجماعة منذ تاسيسها على يد الإمام الشهيد ومؤسسيها العمال الستة رحمهم الله جميعا:

          المرحلة الأولى : من النشأة حتى قبيل الحرب العالمية الثانية،

          المرحلة الثانية : من تاريخ المؤتمر الدوري الخامس حتى تاريخ الحل.

المرحلة الأولى           وتبدأ من تاريخ تاسيس الجماعة في 28 مارس 1928 وحتى مشارف وقوع الحرب العالمية الثانية 19389.

ميلاد الجماعة

          كانت الإسماعيلية بداية الانطلاقة الحقيقية والميلاد الفعلي لجماعة الإخوان المسلمين، ففي الإسماعيلية بدأ الامام حسن البنا يساهم بدور فعَّال في حياة ذلك المجتمع، من خلال جميع الوسائل المتاحة بدءاً من المسجد، وانتهاء بالمقهى، ومرورًا بالمدرسة التي كان يمارس فيها أيضًا الدعوة.

          واستطاع الامام أن يجتذب إليه الناس بعاطفته الدينية القوية، وإخلاصه في دعوته، وبساطته وتبسُّطه، فكان مصدر إعجاب وإجماع الجميع على اختلاف مستوياتهم الفكرية والعلمية والاجتماعية، وكان له تأثير عجيب على سامعيه بما أوتي من مقدرة بيانية فائقة متحدثًا وكاتبًا وخطيبًا، وبما حباه الله من حافظة قوية.

          فبعد مضي نصف العام الدراسي الأول للإمام الشهيد بالإسماعيلية كان رحمه الله قد فرغ من دراسة المجتمع وتحديد الأسلوب الأمثل في التعامل معه، وكان ذلك إيذانًا ببدء المرحلة الأولى في العمل لتأسيس جماعة "الإخوان المسلمون".

          فعندما عاد الإمام الشهيد من إجازة نصف العام في مساء أول فبراير عام 1928م وبينما هو يرتقي سلم المحطة ليعبر إلى الجهة الأخرى حيث توجد المدينة، حان وقت العشاء، فرفع صوته – رحمه الله - بالأذان وكانت هذه مفاجأة لم يألفها أحد، وتناقل الناس هذا الأمر، وتحدثوا عن هذا الشاب الجريء الذي لا يبالي بالأجانب المقيمين في الإسماعيلية ولا يحسب لهم حسابًا وكان ذلك أول نفير لبدء الدعوة في الإسماعيلية.

          وكان تأسيس الجماعة قد  أعقب نشأة جمعية الشبان المسلمين في يناير 1923 والتي ركزت جل أهدافها كما نصت عليه المادة الرابعة من قانونها الاساسي "تعمل الجمعية على توثيق الصلات والروابط بين الشعوب الإسلامية، وعلى الدفاع عن حقوقها مصالحها كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا، ولا تتعرض الجمعية للمنازعات السياسية بأي حال".

          في المرحلة الأولى من عمر الجماعة، تركز نشاطها في العمل على نشر الفكرة الإسلامية العامة بين الناس، وكان نظام الدعوة في هذا الطور نظام الجمعيات التي مهمتها الخير العام ووسيلتها الإرشاد والوعظ تارة، وإقامة المنشآت تارة أخرى.

          وقد مثلت هذه المرحلة كذلك دور التعريف بالفكرة الإسلامية عامة والفكرة الإخوانية خاصة،

          وكانت وسائلها النشر في الصحف والمطبوعات والمحاضرات وإصدار الرسائل والنشرات لشرح أهداف الدعوة وفكرتها،

          وكان بعضها يتحدث كذلك عن اعمال الجماعة الاجتماعية .

          وفي نهاية هذه المرحلة ركزت رسائل الدعوة على توجيه الحكومات المصرية المتعاقبة للأخذ بتعاليم الإسلام والعمل على تطبيقها.

          كما اهتمت إصدارات الجماعة في هذه الفترة بتناول القضايا الوطنية والقومية، علاوة على التنبيه لأخطار بعض الحركات الهدامة والجهود التبشيرية التي كانت تقوم بها الإرساليات المسيحية في أوائل العقد الثالث من هذا القرن خاصة في مدينة الإسماعيلية التي انتشرت بها محاولات هذه الإرساليات لتنصير الفتيات في تلك الفترة، بل وقامت الجماعة بتشكيل جمعيات لمقاومة هذه الجهود ودعت إلى تشكيل لجنة وطنية لمقاومة التبشير .

وسوم: العدد 656