من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت ( حديث الجمعة )

من نعم الله عز وجل على خلقه نعمة النطق والكلام ، فبهذه النعمة حاز الإنسان مرتبة التكريم والاستخلاف في الأرض ، وهي وسيلة تواصله مع خالقه جل في علاه . والخالق سبحانه وتعالى هو من علم أول إنسان الكلام ليتواصل معه ، وظل سبحانه يكلم رسله  وأنبياءه صلواته وسلامه عليهم  وحيا مباشرة أو من وراء حجاب لهداية البشرية  . ونظرا لأهمية الكلام وخطورته في نفس الوقت تعبد الله عز وجل عباده المؤمنين بسداد القول، فقال جل من قائل : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ))، ففي هذه الآية جعل الله تعالى القول السديد من التقوى ، وجعل التقوى طاعته سبحانه وطاعة رسوله  عليه الصلاة والسلام . والقول السديد  هو ما وافق السداد أي الحق والصواب بل ما أصابهما  كما يسدد السهم نحو الرمية .  وأول قول سديد هو كلام الله عز وحل الذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه ،فهو الحق والصواب المطلق . ويأتي بعد كلام الله عز وجل كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه لا ينطق عن الهوى بشهادة رب العزة. وكل كلام لا يخرج عن مقاصد كلام الله وكلام رسوله يوصف بالسداد، ومن ذلك أقوال  الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، وكلام أئمة العلم والفقه ، وكل كلام وافق الحق والصواب . وتتسع دائرة القول السديد لتشمل كل قول  فيه خير للعالمين . والمشتغلون بالعلم النافع قولهم سديد لأن العلم على إطلاقه نعمة من الله عز وجل وهوالذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم . والإنسان المؤمن لا يصدر إلا عن سداد القول في كل أحواله من عبادات ومعاملات ، فقوله في عباداته  عبارة  تلاوة لكلام الله  وترديد لكلام رسوله، وهما قولان سددهما الله ، وهو في هذه الحال مسدد القول ، كما أنه في معاملاته لا يجانب سداد القول ، فلا يفتري كذبا ، ولا يغتاب، ولا يبهت ،ولا يشهد الزور...

ومعلوم أن سداد القول يترتب عته سداد الفعل ، والقول والفعل  بمثابة وجهان لورقة نقدية لا يمكن الفصل بينهما ، ويترتب عن التناقض بينهما النفاق ،وهو أعظم ذنب يهوي بصاحبه  الى الدرك الأسفل من النار والعياذ بالله . وبالقول السديد تشيع الفضائل بين الناس فيرغبون في التخلق بها ، كما أنه بالقول المنحرف عن السداد يتطبع الناس بالرذائل . وصالح الأعمال يكون بسداد الأقوال، كما يكون فاسد الأعمال بانحراف الأقوال عن السداد.

ونظرا لخطورة القول الصار عن الإنسان، فقد حذر الله عز وجل من انحرافه عن السداد بل جعل من طاعته ومن تقواه نشدان السداد في القول . وانتدب الله عز وجل رقيبا عتيدا من ملائكته الكرام صلواته وسلامه عليهم ، فوكله بكل إنسان لمراقبة سداد قوله أو انحرافه فقال جل شأنه : (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )). ولقد سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يحاسب الناس بما يقولون ؟فقال له  عليه الصلاة والسلام: " وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم " . وقد يحتقر الإنسان القول الصادر عنه، ولا يبالي به وهو عليه شر ووبال  لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "  إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها في الجنة ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة منها سخط الله لا يلقي لها بالا  يهوي بها في جهنم " . وقد يستغرب الإنسان من جناية كلمة  واحدة تسخط الله عز وجل تدخل صاحبها النار ، والحقيقة أن الكلمة المسخطة لله تعالى يترتب عنها العمل المسخط له . ومما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صدرت عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها كلمة  في حق  ضرتها صفية أم المؤمنين  رضي الله عنها حيث قالت تصفها  : " هي قصيرة " فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "  يا عائشة لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته " . لأن هذه الكلمة حادت عن السداد المطلوب في القول  ، وفيها تجاسر على الخالق سبحانه بسبب نسبة العيب لما خلق ، ولا عيب في خلق الله عز وجل  الذي أتقن كل شيء . وإذا ما تعذر القول السديد على الإنسان كان السكوت خيرا له لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت " فالإيمان بالله عز وجل يقتضي استحضار معيته في كل الأحوال، وهو ما يجعل العبد يلزم القول السديد، كما أن الإيمان باليوم الآخر يقتضي استحضار المساءلة والمحاسبة يومئذ ، وهو ما يجعل الإنسان يلزم القول السديد أيضا . وإن السكوت في حال الانحراف عن السداد يسد مسد القول السديد . ومما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم   الجماعة المؤمنة تداول القول السديد فيما بينها  من أجل إشاعة الحق والخير بدءا بأصدق الحديث وهو كلام الله عز وجل وخير الهدي وهو كلام رسوله عليه الصلاة والسلام، وانتهاء بكل قول سديد  حيث قال : "  رحم الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها ، فرب حامل فقه لا فقه له ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن : إخلاص الفعل ، ومناصحة ذوي الأمر ، ولزوم الجماعة ، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم" ومعلوم أن إخلاص العمل يسبقه سداد القول أو تناغم القول مع الفعل ، كما أن مناصحة ذوي الأمر تكون عن طريق القول السديد الذي يعينهم على الفعل السديد مع الإخلاص ، والذي يحصل عنه النفع العام ، ، ولزوم الجماعة سلوك المؤمنين الذين يجمعهم القول السديد والفعل الموفق الخالص لوجه الله تعالى ، وحينئذ  يكون لزوم الجماعة بمثابة حصن يحميها  .

وأخيرا نذكر بأن  الله عز وجل وعد أهل التقوى والقول السديد  بإصلاح أعمالهم آجلها وعاجلها، وبمغفرة منه وذلك الفوز العظيم .