دروس في فقه الجهاد والقيادة الراشدة 22
دروس في فقه الجهاد والقيادة الراشدة
موجبات فتح الشام (22 )
د. فوّاز القاسم / سوريا
لقد جاء الإسلام العظيم كما ذكرنا من قبل لتحرير البشرية من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد. ولقد كانت رسالته الخالدة بمثابة إعلان عام لتحرير الإنسان من تسلّط الطغاة ، وكان العرب هم رأس الحربة في هذه الثورة الكونية الهائلة ، ولقد فهم العرب دورهم القيادي في هذه الرسالة منذ اللحظة الأولى ، وأدركوا أهمية الدور المنوط بهم فيها ، ولذلك فقد منحوها ومنحوا رسولها كل ما يملكون من وقت وجهد ، واسترخصوا دونها الأنفس والأموال والأولاد والأوطان ، كما فهموا أيضاً من الصفة العالمية لهذه الرسالة الخالدة ، أن من حق البشرية أن تصلها هذه الدعوة الكريمة ، ومن حق الإنسانية أن تسعد بالعيش تحت ظلالها الوارفة ، وأن لا تقف عقبة أو سلطة أو طاغوت في وجه هذه الدعوة الشاملة.
ومن حقها كذلك أن تُترَك حرّةً لتختار هذه العقيدة دون أي عائق ...
فإذا أبى فريق من الناس أن يعتنق رسالة الإسلام بعد التوضيح والبيان فهذا شأنه ،ولكن لا يجوز له أن يصد الدعوة عن طريقها ، وعليه أن يعطي من العهود والمواثيق ما يكفل لها الحريّة والاطمئنان ، ويضمن لها المضي في طريقها بلا عوائق ولاعدوان .
في حدود هذه المعاني والمباديء السامية كان الجهاد في سبيل الله، لا لإكراه الآخرين على الدخول في الدين، فلقد حسم القرآن هذه المسألة منذ البداية فقال : بسم الله الرحمن الرحيم (( لا إكراه في الدين ، قد تبيّن الرشد من الغيّ )) البقرة (256). ولكن للتخلية بينهم وبين هذه العقيدة الخالدة ، بعد تحطيم كل الحواجز ، وإزالة كل العقبات ، وتذليل كل الصعوبات ، التي تحول بينهم وبينها ، ثم ترك الحريّة لهم بعد ذلك (( فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر )) الكهف (29 ).
وسوف نرى في هذه الدراسة إن شاء الله ، كيف أدار الصحابة الكرام رضوان الله عليهم عملية الجهاد المباركة ، بعد انتقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم إلى جوار ربه ، بأعلى درجات الكفاية والدراية والعبقرية ، فحطّموا طواغيت العرب والفرس والروم في وقت واحد ، واقتلعوا الشرك من جزيرتهم العربية ، ثم أرسوا دعائم أعظم دولة ، وأرقى نظام في تاريخ البشرية ، ولقد صنعوا في ربع قرن ، ما يعجز عنه غيرهم في دهور وقرون.
ثم خرجت جحافلهم المظفّرة ، فانساحت شرقاً حتى وطئت بحوافر خيلها تربة الصين ، وغرباً حتى خاضت في مياه الأطلسي .!!!