إشراقات باهرة من سورة الأنعام 22
إشراقات باهرة من سورة الأنعام
( دكاكين الدين )
د. فوّاز القاسم / سوريا
(( قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ (50))). .
لقد كان المعاندون من قريش يطلبون أن يأتيهم رسول الله [ ص ] بآية من الخوارق يصدقونه بها – بالرغم من أنهم كانوا يعلمون صدقه ولا يشكون فيه - وتارة كانوا يطلبون أن تكون هذه الآية تحويل الصفا والمروة ذهبا ! وتارة تكون إبعادهما عن مكة ليصبح مكانهما خصبا مخضرا بالزروع والثمار ! وتارة تكون إنباءهم بما سيقع لهم من أحداث مغيبة ! وتارة تكون طلب إنزال ملك عليه ! وتارة تكون طلب كتاب مكتوب في قرطاس يرونه يتنزل عليه من السماء . . إلى آخر هذه المطالب التي يوارون وراءها تعنتهم وعنادهم !
وهذه المطالب كلها إنما كانوا يصوغون فكرتها من تلك الأوهام والأساطير التي أحاطت بصورة النبوة وصورة النبي في الجاهليات من حولهم , وأقربها إليهم أوهام أهل الكتاب وأساطيرهم حول النبوة , بعدما انحرفوا عما جاءتهم به رسلهم من الحق الواضح في هذه الأمور . .
ولقد شاعت في الجاهليات المتنوعة صور من "النبوءات" الزائفة , يدعيها "متنبئون" ويصدقها مخدوعون . . ومن بينها نبوءات السحر والكهانة والتنجيم والجنون ! حيث يدعي المتنبئون قدرتهم على العلم بالغيب , والاتصال بالجن والأرواح , وتسخير نواميس الطبيعة بالرقى والتعاويذ , أو بالدعوات والصلوات , أو بغيرها من الوسائل والأساليب . وتتفق كلها في الوهم والضلالة , وتختلف بعد ذلك في النوع والشكل والمراسم والأساليب .
ولذلك فقد أمر الله نبيّه الكريم صلى الله عليه وسلّم أن يقدم نفسه للبشرية بشرا مجردا من كل الأوهام التي سادت الجاهليات عن طبيعة النبي والنبوة .
وأن يقدم لهم كذلك هذه العقيدة بذاتها مجردة من كل إغراء . . لا ثراء . ولا ادعاء . إنها عقيدة يحملها رسول , لا يملك إلا هداية الله , تنير له الطريق !
ولا يتبع إلا وحي الله يعلمه ما لم يكن يعلم . . إنه لا يقعد على خزائن الله , ليغدق منها على من يتبعه , ولا يملك مفاتح الغيب ليدل أتباعه على ما هو كائن ; ولا هو ملك كما يطلبون أن ينزل الله ملكا . . إنما هو بشر رسول ; وإنما هي هذه العقيدة وحدها , في صورتها الناصعة الواضحة البسيطة . .
إنّ هذه العقيدة هي هتاف هذه الفطرة , وقوام هذه الحياة ، ودليل الطريق إلى الآخرة , وإلى الله . فهي مستغنية بذاتها عن كل زخرف . .
من أرادها لذاتها فهو حقيق بها , وهي عنده قيمة أكبر من كل قيمة .
ومن أرادها سلعة في سوق المنافع , فهو لا يدرك طبيعتها , ولا يعرف قيمتها , وهي لا تمنحه زاداً , ولا غناءً . .
لذلك كله يؤمر رسول الله [ ص ] أن يقدمها للناس هكذا , عاطلة من كل زخرف , لأنها غنية عن كل زخرف ; وليعرف من يفيئون إلى ظلها أنهم لا يفيئون إلى خزائن مال , ولا إلى وجاهة دنيا , ولا إلى تميز على الناس بغير التقوى .
إنما يفيئون إلى هداية الله وهي أكرم وأغنى .
ثم ليعلموا أنهم حينئذ إنما يفيئون إلى النور والبصيرة , ويخرجون من الظلام والعماء: ( قل:هل يستوي الأعمى والبصير ? أفلا تتفكرون ?). .
وأيما دعوة أو حركة إسلامية اليوم تنحرف عن هذا المسار ، وتحيد عن هذه الطريق ، وتتحول إلى حزب سياسي لا يدخله إلا طلاّب الجاه والسلطان ، أو إلى دكان تجاري لا يقصده إلا طلاب الغنى والمال ، أو إلى نادي اجتماعي لا يهتم إلا بمصالح أعضائه والمسجّلين فيه ... فهذه ليست على منهج الرسول صلى الله عليه وسلّم ، وليست على منهج العقيدة الإسلامية التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلّم ، وإن حملت أسماء إسلاميّة ، أو تزيّت بزيّ الإسلام ...!!!