الخاطرة ٢٠٠ : ابن رشد الفيلسوف المظلوم الجزء ٣
خواطر من الكون المجاور
في المقالة الماضية ذكرنا أن علوم الحكمة التي أسسها يوسف عليه الصلاة والسلام في مصر القديمة إنتقلت مع قوم موسى عليه الصلاة والسلام مع خروجه من مصر ووصلت بعد ثلاثة قرون من الزمن إلى سليمان عليه الصلاة والسلام الذي أعاد لها شكلها الصحيح ، والمعروفة اليوم بإسم (الكابلا اليهودية). وكما ذكرنا في المقالة الماضية أنه بسبب تشويه هويتها الحقيقية عبر الزمن تفرعت (الكابلا اليهودية) إلى عدة فروع وأصبح الكثير من فروعها أقرب إلى السحر والشعوذة منها إلى علوم الحكمة ، فدفع بعض الشيوخ المسلمين إلى مهاجمة الكابالا اليهودية بشكل عام واتهموها بأنها عقيدة ماسونية مصدرها الديانات الوثنية لذلك كفروها وحذروا المسلمين بالإبتعاد عنها نهائيا.
ولكن الحقيقة أن (الكابلا اليهودية) هي جزء من علوم الحكمة التي أنعم الله بها على النبي يوسف ، فكانت علومه بمثابة تلك البذرة التي تحوي في داخلها على جميع أنواع العلوم التي ستحقق جميع الحاجات الإنسانية الروحية والجسدية ، فمن هذه البذرة ستعطي شجرة المعرفة ، ولكون هذه المعارف أكبر بكثير من المقدرات الإنسانية الفردية لذلك أخذت كل أمة في العالم تقوم بوظيفة من وظائف أجزاء هذه الشجرة ، مثلا أمة أخذت وظيفة الجذور ، أمة أخرى أخذت وظيفة الساق والأغصان ، و أمة أخرى وظيفة الأوراق ، و غيرها أخذت وظيفة الأزهار . وعلى هذا الأساس تماما توزعت المعارف على جميع الأمم منذ وفاة النبي يوسف وحتى الآن .
لذلك دور عالم الحكمة مهما كانت الأمة التي ينتمي إليها أن يؤمن بمبدأ أن الله عز وجل قد وزع حكمته على جميع الأمم ، وبدون إيمانه بهذا المبدأ يتحول إلى عالم حكمة (فيلسوف) مزيف ، ولهذا لكي يستطيع الفيلسوف البحث عن حقيقة الشيء ليصل إلى الحكمة الإلهية في خلق هذا الشيء يجب عليه أن يستخدم في ابحاثه زاوية رؤية كل أمة لنفس الشيء المدروس ليرى منها ذلك الجزء من الحكمة التي أعطاها الله لهذه الأمة ومن ثم يقوم بتوحيد جميع هذه الأجزاء ليصل إلى حقيقة الشيء والحكمة الإلهية في سبب وجود هذا الشيء وعندها فقط يعلم علاقة هذا الشيء بالتكوين الروحي والمادي للإنسان .
مما ذكرناه أعلاه ، نفهم أن علوم الحكمة لم تنتقل بأكملها مع قوم موسى إلى النبي سليمان ، ولكنها قبل خروجها من مصر إنقسمت إلى قسمين : القسم الذي يمثل المعارف الروحية والتي ذهبت مع قوم موسى إلى آسيا . والقسم الثاني الذي يمثل المعارف المادية ذهبت إلى أوربا وبالتحديد إلى اليونان .
عالم الإجتماع البريطاني أنطوني سميث بعد بحثه الطويل في أصل اليونانيين خرج بنتيجة تقول (أن الشعب اليوناني ليس إلا فرع من فروع الشعب المصري القديم الذي خرج من مصر) ، كيف حصل عالم الإجتماع هذا على هذه النتيجة لا أعرف ولم أقرأ أبحاثه ، ولكني حصلت على نفس هذه النتيجة من خلال أبحاثي في الكتب المقدسة وعلاقتها بالعقائد اليونانية .
في هذه المقالة سنتكلم عن القسم المادي من علوم الحكمة والذي إنتقل إلى اليونان وكانت نتيحته ظهور الحضارة اليونانية القديمة والمعروفة بالحضارة الإغريقية ،وسنتكلم عن علاقتها بالكتب المقدسة باستخدام مبادئ علوم الحكمة لنعلم دور الحضارة اليونانية القديمة في تنمية علوم الحكمة ولماذا إختار الله لهذه العلوم مصطلح يوناني (الفلسفة) ليكون هو المصطلح العالمي الذي ستستخدمه اليوم جميع جامعات العالم ليعبر عن طبيعة هذه العلوم .
خرج قوم موسى من مصر في النصف الثاني من القرن الرابع عشر قبل الميلاد ، في تلك الفترة بالضبط حدثت تغيرات جذرية أيضا في بلاد اليونان القديمة .حيث ظهرت فيها عقيدة جديدة تسمى (الأورفيكية) نسبة إلى أسم مؤسسها أورفياس ، والتي تعتمد مبادئها على تعاليمه . لا أحد حتى الآن يعرف حقيقة شخصية أورفياس ، فبعضهم يعتقد انه شخصية حقيقية ولدت في تلك الفترة وبعضهم يعتقد بأنه شخصية أسطورية . ولكن الحقيقة هي أن أورفياس هو النصف المادي للنبي يوسف ، فشخصية يوسف مع ظهور موسى إنقسمت إلى قسمين، القسم الروحي خرج من مصر مع قوم موسى ، أما القسم المادي من شخصية يوسف فخرج من مصر وذهب إلى اليونان ، لذلك سُمي الشعب اليوناني باللغات العالمية بالشعب الإغريقي ، وكلمة إغريق مشتقة من كلمة (غرق) وهذا ليس صدفة ولكن حكمة إلهية لتربط هذا الشعب مع الشعب اليهودي والذي نجى من جيش فرعون بعد غرقه ، فكلمة إغريق لا تعني (غريق) ولكن (إغرق) وهو ماحصل بجيش فرعون بعد مطاردته لقوم موسى ، وسنحاول هنا بشكل مختصر إثبات علاقة أورفياس مع النبي يوسف .
أورفياس حسب المعلومات التي وصلت إلينا في الوقت الحاضر من خلال ما ذُكر عنه في مختلف كتب علماء اليونان القديمة ، هو الذي علم اليونانيين الكتابة والطب والزراعة، هذه العلوم هي نصف العلوم التي وهبها الله إلى يوسف كما ذكرنا في مقالات سابقة عنه . ولكن أهم موهبة كان يمتلكها أورفياس هي الموسيقى ، فعندما كان يعزف على الليرا ، كانت الكائنات بجميع انواعها تتوقف عن نشاطها وتصمت لتسمع صوت ألحانه العذبة ، و حتى الحجارة كانت تتأثر على صوت ليرته. قبل أن نتكلم عن علاقة الموسيقى بيوسف ، لا بد في الأول من شرح معنى أسم أورفياس لنأخذ فكرة أوضح عن هذه العلاقة.
الله عز وجل أعطى أسم أورفياس (ΟΡΦΕΑΣ) لليونانيين لتكون علامة إلهية تؤكد أن صاحب هذا الأسم هو النصف الثاني من النبي يوسف ، لذلك نجد أن هناك معاني عديدة في اللغة اليونانية مصدرها من اسم أورفياس . فعندما بحث علماء اللغة اليونانية عن معنى أسم أورفياس ، بحثوا بمنطق ان أسم أورفياس أتى من كلمة يونانية ولكن الحقيقة أن من أسمه أتت كلمات يونانية عديدة ومعاني مختلفة وجميعها تعبر عن صفات يوسف ، لهذا إحتاروا في أمره ليعطوه معنى واحد ، فقد لاحظوا أن مصدره غير دقيق لأنه يأتي من كلمات متشابهة ذات معاني مختلفة فيما بينها (يتيم ، نبوءة ، ظلام) ، المعنيان (يتيم ، نبوءة) لها علاقة مباشرة بشخصية يوسف . فالنبي يوسف منذ صغره فقد أمه فأصبح يتيم الأم ، وبعد بيعه في مصر أيضا عاش فيها كاليتيم يتيم الأب والأم لأنه كان بعيدا ايضا عن والده . والمعنى الثاني الذي له علاقة بالنبوءة والتنبؤ هي من صفات يوسف لأنه كان نبيا مرسل من الله . أما المعنى الثالث لأسم أورفياس (الظلام) فيجب شرحها لنفهم علاقتها بيوسف ، ولكن قبل ذلك سأشرح بعض المعاني التي مصدرها من أسم اورفياس والتي علماء اللغة اليونانية لم ينتبهوا لها لأن بحثهم كان يعتمد قاعدة عشوائية ، فحسب أبحاثي الشخصية ، جميع صفات يوسف في اللغة اليونانية خرجت من هذا الأسم ، فكلمة (جميل) مشابهة لأسم أورفياس وهي أحد صفات يوسف، فيوسف كان معروفا بجماله الآخاذ ، وكذلك كلمة (مثقف) مصدرها نفس الأسم وهي صفة إلمام يوسف بعدة علوم ، وكلمة (رفوف او طبقات) مصدرها أيضا نفس الأسم ، وهي تشير أيضا إلى علوم يوسف المتعددة والتي هي مكونات علوم الحكمة .
أما بالنسبة لعلاقة يوسف بمعنى الظلام فهنا كلمة ظلام لا تعني معناها السلبي ، ولكن تعني بالضبط (الظل) ، قد يعتقد البعض أن معنى (ظلمة او ظل) يؤكد على أن روح اورفياس هي روح شيطانية لأنه تعبر عن الظلمة وليس النور ، وهذا غير صحيح في حالة أورفياس لأن الحقيقة غير ذلك تماما ، لأنه عندما يكون النور بلا ظل يجعلنا لا نرى شيء على الأطلاق . فحتى نرى الأشكال بصورتها الحقيقية لنفهم معناها يجب أن يكون هناك علاقة تناغم بين النور والظل الذي يحدث عنه تدرجات لونيةوهذا يعرفه فنانو الرسم جيدا ويسمونه (لعبة النور والظل)، فنجد أن لوحات ليوناردو دافينشي كانت من أروع ما رسمته يد إنسان لأنه يعتبر أبرع فنان أستطاع تحقيق هذا التناغم بين النور والظل . لذلك ظهرت موناليزا (الجوكندا) في لوحته وكأنها إمرأة حية تعبر عن جميع مشاعرها .
رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم الرسم على المسلمين لأن دورهم له علاقة بالنور ، ولأن فن الرسم بحاجة إلى براعة في إستخدام الظل ، والمتخصصون بالظل حتى ذلك الوقت لم تكتمل علومهم عن الظل ، وفن الرسم كفن مشابه بطبيعته فن النحت وهما من الفنون الأقرب إلى المادية لأنهما يستخدمان الشكل المادي لتعبير عن الروح ، لهذا حُرم على مسلمي الحضارة الإسلامية العمل في فن الرسم والنحت ، ولهذا نجد أن فن الرسم قد وصل إلى قمته على يد ليوناردو دافينشي بعد إنحطاط الحضارة الإسلامية وظهور حضارة جديدة في أوربا أسمها عصر النهضة والتي كان ليوناردو دافينشي من كبار مؤسسيها.
النور فلسفيا هو الروح ، ولهذا نجد أن الديانات العالمية ظهرت في إسيا ومنها إنتقلت إلى بقية شعوب الغربية ، أما الظل فهو الجسد فحتى نعرف شيئا عن الروح يجب أن ندرس ذلك الجسد الذي يعبر عنها من خلال تكوينه المادي ورموزه. ولهذا كانت الشعوب الغربية هي صاحبة الفضل الأكبر في تطور العلوم المادية ، فجميع الأجهزة التكنولوجية التي ينعم بها المسلمين اليوم من طائرات وآلات ومكيفات وهواتف وإنترنت و ألخ جميعها من إختراعات الشعوب الغربية ، لا يد فيها لأي مسلم . لذلك قبل أن يتهم المسلم الشعوب الغربية بالكفر ، عليه أن يتذكر أن ملايين المسلمين الذين يأتون سنويا للحج إلى الكعبة المشرفة ، إن الشعوب الغربية لهم فضل بعد الله في كثرة الحجاج ، لأنهم هم الذين أخترعوا الطائرات ، وبدون وسيلة النقل هذه ، لأضطر المسلمون اليوم إلى استخدام الجمال والبغال كوسيلة سفر ، ولكان عدد الحجاج لا يتعدى بضع مئات و حجهم كان في أقسى حالاته، خاصة أن مكة تقع في منطقة طبيعتها قاسية جدا. يقول رسول الله في حديثه الشريف " خير الناس أنفعهم للناس" .
لنعود ثانية إلى موضوعنا عن أورفياس.
أما عن موهبة الموسيقى التي كانت من أهم مواهب أورفياس فلها معنى فلسفي يوضح طبيعة الأشياء من حولنا ، فالموسيقى هنا هي رمز الصوت ، والصوت هو رمز الظل ، فحسب أبحاث علم الفيزياء ، أنه لكل شيء له موجات ضوئية وموجات صوتية ، وقد إكتشف علماء الفيزياء في الفترة الأخيرة أن الموجات الصوتية لها القدرة على إلغاء الجاذبية الأرضية ، فعند إلغاء الجاذبية تفقد الأشياء ثقلها فتصبح الأحجار الثقيلة وكأنها بلا وزن ، فعندما ذكرت في سلسلة لغز عصر الأهرامات أن الأهرامات تم بناؤها بطريقة إلغاء الجاذبية ، ربما شك البعض بهذه الفكرة وإعتبرها خرافية، ولكن هذه الفكرة لم تأتي من الخيال ولكنها أتت بعد دراسة علوم يوسف ، حيث أنه معروف في مصر القديمة بإسم إمحوتب وهو الذي بنى أول هرم في تاريخ البشرية والمعروف اليوم بهرم سقارة.
الصوت هو رمز القسم المادي للأشياء ، لذلك الآية القرآنية في سورة الأعراف تذكر أهمية الصوت "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)" فالمقصود منها أن كلمات القرآن لها صفتين شكل حروفها ونغمة صوت لفظها ، ونغمة صوت الكلمة تقاس بالقيمة الرقمية لمجموع أحرف الكلمة والتي سميتها في مؤلفاتي (الكابلا العربية).
كما ذكرنا قبل اسطر قليلة أن الحضارة اليونانية القديمة أهتمت بمادية الأشياء ، لذلك ليس من الصدفة أن التماثيل اليونانية القديمة تعتبر اليوم من أجمل أعمال فن النحت في التعبير عن تناسق وإنسجام أبعاد جسم الإنسان ، وليس من الصدفة أيضا أن فكرة إقامة الألعاب الأولمبية ظهرت في اليونان ، لأن الرياضة هي افضل وسيلة للمحافظة على صحة الجسد ليقوم بإداء أعماله على أحسن حال ، فجميع هذه الأشياء التي تعتبر من علامات الحضارة اليونانية القديمة كانت من نتائج العقيدة الأورفيكية لتعبر عن تعاليمها ومبادئها .
تعاليم العقيدة الأورفيكية بالمختصر الشديد، كانت تعتمد مبدأ حالة الازدواجية ، أي أن الإنسان يتألف من شيئين وليس شيء واحد ،الأول هو الروح والثاني هو الجسد ، الروح هي الخالدة أما الجسد فهو فان ، وبما أن الروح في نشاط دائم لتقوم بعملية تنقية نفسها من جميع الشوائب لتسمو وتصل إلى الكمال ، لذلك كانت العقيدة الأورفيكية تؤمن بتقمص الأرواح ، ويوم الحساب بعد كل وفاة ، وقد شرحنا هذه الفكرة في المقالة الماضية. لذلك فطالما أن مبدأ تقمص الأرواح ذُكر في القسم المادي من علوم يوسف في العقيدة الأورفيكية ، كانت الحكمة الإلهية أن لا تُذكر فكرة تقمص الأرواح في الديانات السماوية بشكل يفهمه الجميع ، لأن دور هذه الديانات كما قلنا قبل قليل هو روحي ، بينما العقيدة الأورفيكية هي مادية وتهتم بالجسد ، لهذا فهي ترى حقيقته التي تتبدل مع كل ولادة. ولهذا كانت تعاليم النبي سليمان من خلال الكابلا اليهودية تتضمن فكرة تقمص الأروح لتؤكد على صحته لتخلق نوع من الترابط بين العقيدة الأورفيكية والديانات السماوية .
الآن لننتقل إلى ناحية أخرى من حياة يوسف لنفهم علاقة العقيدة الأورفيكية مع الديانة اليهودية .
كما حدث مع قوم موسى بعد خروجه من مصر حيث إنقسم إلى (١٢) مجموعة كل مجموعة تعبر عن نسل أحد أبناء النبي يعقوب عليه الصلاة والسلام الإثني عشر ، هكذا تماما حصل في اليونان القديمة فنجد ظهور آلهة أوليمبوس التي عددها أيضا (١٢) ، وبناء على طبيعة وصفات هذه الآلهة راحت تظهر الأساطير اليونانية ، لتكون بمثابة الظل لقصص الأنبياء الموجودة في الكتب المقدسة . لذلك بدون الإستعانة بالأساطير اليونانية ستبقى القصص الدينية بمعنى ناقص لا يشرح علاقة هذه القصص في المخطط الإلهي الذي عليه تم تطور الحياة وتطور الإنسانية الروحي والجسدي . فاستخدامي للأساطير اليونانية في مؤلفاتي وربطها مع قصص الأنبياء لأثبت صحة فكرة ما ، لم يأتي من خيال عشوائي كم أتهمني بعض القراء ولكن أتت من دراسة الترابط بين العقيدة الأورفيكية مع قصص الكتب المقدسة.
هنا يجب أن نوضح فكرة بسيطة حتى لا يساء فهم ما ذكرناه قبل قليل ، آيات القرآن الكريم تذكر النور والظل معا ، لذلك فهو كتاب كامل ، ولكن رؤية الظل في القرآن الكريم وفهمه يحتاج إلى فهم رموز القرآن وأرقامه ، فما أكتبه هنا موجود في القرآن بشكل رمزي ، فمثلا الحكمة الإلهية في تصميم القرآن الكريم أعطت سورة يوسف الترتيب رقم (١٢) الذي نتحدث عنه ، وفي آيتين من هذه السورة نجد أنها تذكر " نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (٣) إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (٤)" . الحكمة الإلهية في تصميم القرآن ذكرت العبارة (أحسن القصص) في سورة يوسف وهو النبي الوحيد في القرآن الذي تحمل عنوان السورة أسمه السورة وتذكر سيرة حياته بكامل تفاصيلها ، لأن يوسف كان البداية لما سيحصل من بعده من أحداث عالمية ، ولهذا أيضا نجد أن السفر الأول من التوراة سفر التكوين ينتهي بقصة يوسف .
وكذلك نجد في سورة يوسف في الآية (٤) التي ذكرناها تذكر (١١) كوكب كرمز لأخوة يوسف، ويوسف هنا هو صاحب الرقم ١٢ لأنه عاش بعيدا عنهم ، وبناءً على هذه الآية إذا نظرنا إلى أسماء كواكب المجموعة الشمسية التي يستخدمها الغرب، نجد ان أسماءها هي أسماء آلهة يونانية. فما نريد أن نقوله هنا أن معنى إله في مفهوم الحضارة اليونانية القديمة يختلف عن مفهوم (الله) في الديانات السماوية ، لذلك لا تعتبر الأساطير اليونانية ديانة وثنية كافرة كما يعتقد علماء الأديان بل هي ظل الديانات السماوية ، الكتب المقدسة أرقى بكثير مما يعتقده علماء الديانات .
ما ذكرناه هنا عن علاقة أورفياس بيوسف ليس إلا رؤوس اقلام لموضوع طويل يحتاج إلى صفحات عديدة لشرح تفاصيله الدقيقة التي تؤكد على صحة هذه العلاقة . أتمنى من القراء عندما يقرأوا الأساطير اليونانية القديمة أو يشاهدون أفلام عن هذه الأساطير أن يحاولوا فهمها من خلال ربطها مع معاني أسم أورفياس العديدة وأن يحسب حساب التشويهات التي حصلت فيها بسبب مرور العصور عليها فلكل أسطورة اليوم عدة أشكال .
في المقالة القادمة إن شاء الله سنتكلم عن كيفية تحول العقيدة الأورفيكية إلى علوم تسمى (فلسفة) ، والتي أراد ابن رشد من خلال كتبه وسلوكه إعطائها الشكل الصحيح لتلعب دورها في حل الخلافات بين الشعوب لتسلك الإنسانية في تطورها الروحي الطريق الصحيح الذي خططه لها الله عز وجل.
وسوم: العدد 801