خواطر فؤاد البنا 801
لقد حثّ الإسلام أتباعَه على إعمال العقل تحت سقف مرتفع من الثوابت المعلومة من الدين بالضرورة، سواء في ساحات القياس أو في أزِقّة الاقتباس، فلقد كان العقل المسلم يبتكر حلولاً لكل مشكلة تواجه الناس في واقعهم الشديد التحرك والتغيّر، وإذا لم يهتدوا إلى الحل الناجع ورأوا خِبرةً نافعة عند غيرهم اقتبسوها دون أدنى تَحرُّج، واليوم توضع حواجز سميكة أمام العقل لمنعه من الاجتهاد بشقيه القياسي والاقتباسي، بل وذهب كثير من التقليديين إلى وَصْم العقل بالضلال المُبين ووَضْع المفكرين في أقفاص الاتهام، فهل يمكن أن تتخلّص المجتمعات من أغلال التخلف، بينما العقل يَرْسف في قيود الحَجْر والتسفيه؟!
************************************************
تعرّض لمشاكل كبيرة وداهمته هموم عديدة، فخرج من بيته وقد اسْوَدَّت الدنيا في عينيه حتى ظن أنه قد أصيب بالعَمَى، ودخل ليصلي المغرب في مسجد على الطريق لعل ربه يعالج جروحه ويزيل همومه، وبعد أن أقيم للصلاة اقتاد المؤذّنُ شخصاً نحو محراب الصلاة ليَؤمَّ الناس!
*وقد دُهش هذا المهموم لأن إمام الصلاة شاب في مقتبل العمر، لكنه لا يرى شيئاً من جمال الدنيا ولا يعرف شيئاً من مُتَعها، فقال لنفسه: وما عسى أن تكون كل مشاكلي بجانب فَقْد هذا الشاب لبصره؟ فانزاحت عنه الغُمَّة وعادت إليه بصيرتُه وطمأنينتُه وأدرك كم هو غارق في النعم لكنه لا يدري، ثم خرج من المسجد وهو يحمد الله على آلائه ومننه التي حباه بها دون كثير من خلقه!
************************************************
الكرَمُ لفظٌ مُذكَّر والكرامةُ كلمة مؤنّثة، ومع ذلك فإن الرجل يحب في المرأة كرامتَها وتُحب هي في الرجل كرَمَه، فهل هذا من انشداد كل جنس نحو الآخر؟ أم أن للأمر معنى آخر؟!
************************************************
فلنحارب الأعداء بأسلحتهم الفتّاكة وليس بأخلاقهم المُنحَطّة!
************************************************
لو كان (الفاتحون الأولون) مثل (الحوثيين) و(الدواعش) و(الحَشْد الشعبي) و(بوكو حرام)؛ لخرج الناس من دين الله أفواجاً، فقد شوّهوا نَصاعةَ الإسلام، وبشَّعُوا جمالَه، وأصبحوا إعلاناتٍ متحركة ضدَّه، وما فتئ الأعداء يتخذون منهم براهين وأدلّة على تخلّف الإسلام !
************************************************
لا شكّ أن أزْمةَ أمّتنا اليوم أزمةٌ فكرية نفسية بامتياز، ولا ريب أن كل ما تعانيه الأمة من معضلات إنما هي ذات منشأ داخلي مهما بدا أن التحديات خارجية، حيث يُتسلل الغُزاة من ثقوبنا، ويتمدّد العُداةُ في فراغاتنا، وتجد أشجارُ زَقُّومِ الاحتلال تُربةً خصبة في عاداتنا الآسنة وأوضاعنا المُختلّة، ومن ثم فإن الآية التي تُوضِّح أساس التغيير وتَرسم قاعدة الانطلاق إلى آفاق التقدم نحو استعادة النواصي واحتلال المُتون، هي قوله تعالى: {إن الله لا يُغيِّر ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم}، فالتغيير المنشود لا يمكن أن يكون إلا داخلياً، ولن يقوم به سوى أبناء هذه الأمة الذين يَهفون للعزّة ويعشقون الحرية، والذين يستشرفون المستقبل الوضيئ ويتطلعون نحو الكرامة، ولا يزالون يعملون بدَأَب من أجل استرداد الأمجاد واستيلاد (خير أمة) من جديد، وذلك من خلال التحلي بمناهج القرون الذهبية لا بتقليد تفاصيل حياتها.
************************************************
تَجري رياحُ الغرب وأذيالهم العرب بما لا تَشتهي سفينةُ الحركة الإسلامية، ذلك أن سفينة الحركة ما تزال شُراعية، ولو كانت سفينة بُخارية مُحكمة ما ضرها جريان الرياح في أي اتجاه!
************************************************
ستظل سفينة الحركة الإسلامية تتقدم بدون توقف أو تَكسُّر ما سارت في مسارب السُّنَن ولم تُصادم تيار النّواميس التي أوجدها الله لتنظيم مسيرة الحياة!
************************************************
لقد تَفوَّق الحوثيون وأشياعهم في صناعة الألغام التي أودت بحياة الآلاف من المدنيين والعسكريين وما تزال تمثل خطرا كبيرا على حياة عامة الناس، إذ أنها مزروعة في مناطق شاسعة، لكن الأخطر منها هي الألغام الفكرية التي زُرعت في عقول ملايين الضحايا، وقد تَفجَّر بعضُها بالفعل وستظل تداعياتها إلى أمد بعيد، إن لم يوجَد الخبراءُ والحُكماء الذين يقومون بتفكيكها قبل أن تنفجر!!
وسوم: العدد 801