رشحة من فيض ذكرى
سنة ماضية أن الموت حق ، وأن الكبير والصغير يرحل ، لكن هناك من يرحل فيترك ذكرى ، يرحل فيترك عبرة ، يرحل فتبكبه الجموع ،يرحل فيترك دروسا شاهدة للأجيال ، فيحزن لموته القريب والبعيد.
إن هذه الطينة من البشر شموع الأمة ، إذا رحلوا تذكرتهم الجموع ، تذكرهم الفضاءات لفراغ تركوه ؛ فهؤلاء عاشوا ليسعدوا الناس ، عاشوا لهموم أمّة ، عاشوا ليبنوا ويرعوا الخير بين الناس ، عاشوا ليضمدوا الجراح ، عاشوا بهمم الرجال ، عاشوا لعظائم الأمور، فهانت الصغائر في عيونهم، رغم الظروف القاهرة لم يبالوا بالمخاطر والفتن ، رغم سهام اللئام الغادرة ، فلم يحيدوا عن رسمهم المرسوم، فلم يجبنوا أو بخونوايخونوا ، ولم يضعفوا أو يستكينوا ، بل كانت عيونهم صوب الهدف ، تحلق عاليا ، تبصر الأفق البعيد ، كانت مداركهم تستمتع بحركة النجوم في السماء ، كأن بينهم وبينها رسالة وقضية .
إن طينة هؤلاء ترفض التخفي أيام البلاء ، ترفض التشفي حين تنزل الأرزاء ، فطينة هؤلاء ترفض الجبن عند اللقاء ، نفوس تذر بالسخاء ، تنفق الأوقات في البناء ، إن طينة هؤلاء تحمل الخير ترعى الوفاء .
إن طينة هؤلاء تفيض بالبشر ، تنشر التبر في الفضاء ، تصنع الأفراح كي تسعد الناس أيام الجفاء ، هم إشراقة فجر صادق ، يحمل التباشير لليائسين القابعين في العراء ، صوتهم يطفئ حزن أيام البلاء ، هم شمعة تحرق نفسها ، ليستفيد الجميع بالضياء.
هي رشحة من فيض ذكرى لرجال مضوا ، ملأوا الروض بالعطاء ، هي رشحة عطشان يقتله الظمأ ، لحنين قد مضى ، رغم الفراق لتبقى نفحة الذكرى تحرك فينا شوق اللقاء ، لتبقى عبير الذكرى تحن لنهج من مضوا ،حتى يُكمل السير على خطاهم ، فنحمل راية مجد حملوها بالوفاء ، نحمل فكرهم ، نحمي نهجهم ، نكمل مشروعهم.
تلك المعاني وغيرها كانت لنا عرائس ماض مزهوة ، تشربنا عبيرها من مربّ وقائد عرفته ساحات العطاء ، أيقظ فينا الروح لنحمل الخير للأوطان ،أيقظ فينا الروح لنسير رفقة الأخيار في ميادين العطاء ذاك هو شيخي وأستاذي فضيلة الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله تعالى .
وسوم: العدد 1083