كيف نقوي روابطنا الاجتماعية؟
في الكثير ندعي أننا نعرف الناس و نعرف طباعهم ؛ و ما ذلك التعارف سوى مجرد لقاء عابر، أو لقاء برتوكولي، و التعارف الحقيقي شيء ٱخر غير لقاءات المجاملات ، قد يصدق وصف ذلك التعارف، تعارف للمخطوبين، فالجميع يتزين بألوان هلامية، يفضحها أول لقاء محكي، و أن أصدق علاقة بين الشريكين، تبدأ مع يوميات الزواج، و العيش في كنف البيت الواحد، و مع تقاسم الأعباء، حينها فقط تظهر لنا حقيقة تلك العلاقة . فأحكامنا القبلية في التعارف غير مؤسسة، و لا تستند لركائز التعارف الحقيقي .
فإن أصدق العلاقات هي التي تنشأ من خلال تبادل المصالح، وتبادل الخدمات، فالتاجر أعرف الناس بطبائع الناس، فهو يميز الوفي من الغذّار ، يعرف المماطل من الحريص، لأن حكمه في العلاقة مبني على معاملات واقعية .
يفرض أن هذه العلاقات الاجتماعية تحكمها دعائم و أركان تسندها :
أولها : أن يكون تعارف يتجاوز الأسماء و الألقاب، تعارف تكون فيه صفحة أحوالنا الشخصية غير غامضة التفاصيل ، فيعرف أحدنا طبائع المرء الذي اخترنا أن نصاحبه، فنعرفه في الرضا والغضب، نعرفه في ضيقه و أوقات فرحه .
ثانيها : أن يبنى على التفاهم بين طرفي هذه العلاقة، حيث يسود بين الطرفين احترام متبادل، تتناغم فيه وجهات النظر دون أن يكون لأحد الأطراف السيطرة و التحكم و احتكار وجهات النظر، فلا يكون الاختلاف في وجهات النظر دافعا للفرقة أو الخصومة، و قد وجدنا الكثير من الروابط تنفك و تفصل لأتفه الأسباب، لأنها علاقات غير محصنة، و قد حفظنا أجمل الأمثال الشعبية التي صاغتها التجربة الإنسانية ( إن لم تكن معي فأنت أخي) .
ثالثها: أن يبنى على التكافل ، و هو أقوى الوسائل الداعمة ، في الروابط التي يوثق عقدها بقوة، نجدها يغذيها بعد اجتماعي تكافلي، مبني على التعاون و المشاركة في الخدمات الحياتية ، كالمشاركة في الأفراح و الأتراح، و النوائب والملمات، فلندخل السرور و البهجة مع من تقاسمنا معه هذه الرابطة الإنسانية أو الإيمانية ، التي تحمل معانيها هذه الأبيات الشعرية الراقية في مضمونها :
صديقك الحق من كان معك.
و من يضر نفسه لينفعك.
و من إذا ريب الزمان صدعك.
شتت فيك شمله ليجمعك
لهذا ليس من المعقول أن نقول بلسان الحال هذا صديقي و هذا صاحبي، هذا نعرفه أعز المعرفة
و ما هذا التعارف و هذه الصحبة إلا معرفة عابرة سطحية ، لا يحق أن تبنى عليها أحكام الصحبة و الصداقة
جاء في الخبر ذكره بمعناه الحكيم الترمذي في أدب النفس فقال: وما جاء عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ حدثنا بذلك صالح بن محمد، قال: حدثنا القاسم العمري، عن عاصم بن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه:
( أن رجلًا أثنى على رجل عند عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال: صحبته في سفر؟ فقال: لا، قال: فأتمنى على شيء؟ قال: لا، قال: ويحك! لعلك رأيته يخفض ويرفع في المسجد ).
وسوم: العدد 1089