من يقوي ظهرك ؟

كُنْتُ أَقُولُ لِصَاحِبِي : ( اَلَّذِي لَا يُؤْمِنُ بِقُدُرَاتِكَ وَمَوَاهِبِكَ لَا يُقَوِّيكَ )

رُبَّمَا تَكُونُ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ صَادِمَةً لِلْكَثِيرِينَ لَكِنَّهَا حَقِيقَةٌ مُقَرَّرَةٌ ، عِشْتُ تَفَاصِيلَهَا .

كُنْتُ يَوْمًا أُجَالِسُ صَدِيقًا ، فَدَارَ بَيْنَنَا حَدِيثٌ حَوْلَ مَعَانِي التَّعَاوُنِ وَ التَّعَاضُدِ ، وَنَظَرًا لِأَهَمِّيَّةِ هَذَا الْحِوَارِ السَّاخِنِ وَ الَّذِي لَمْ يَخْلُو مِنْ فَائِدَةٍ عَمَلِيَّةٍ ، فَأَرَدْتُ تَعْمِيمَ فَائِدَتِهِ وَمِنْ خِلَالِهِ أَنَّ أَعْمَقَ مَعَانِي صِدْقِ الْعَلَاقَاتِ الْعَمَلُ مَعَ الْفَرِيقِ .

قُلْتُ : صَاحِبُنَا فُلَانٌ يَحْتَاجُ دَعْمَنَا وَ مُسَاعَدَتَنَا ، وَ كُنَّا يَوْمَهَا فِي عِزِّ شَبَابِنَا ، كَانَتْ لَنَا هِوَايَاتٌ أَنْ نُخَصِّصَ بَعْضًا مِنْ أَوْقَاتِنَا لِأَعْمَالٍ تَطَوُّعِيَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَشَارِيعِ النَّفْعِ الْعَامِّ .

هَزَّ صَاحِبُنَا رَأْسَهُ وَ طَأْطَأَهُ ، كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُرْسِلَ بَرْقِيَّةً خَاصَّةً ، لَمْ يَتَكَلَّمْ وَهْلَتَهَا ، لَكِنِّي أَصْرَرْتُ أَنْ أَقْرَأَ بَرْقِيَّتَهُ الْمُشَفَّرَةَ ، الَّتِي لَا يُرِيدُ أَنْ يُفْسِحَ عَنْهَا .

قُلْتُ أَخْبِرْنِي ، مَالِي أَرَى الصَّمْتَ جَمَّدَ لِسَانَكَ .

قَالَ لِي : فُلَانٌ لَيْسَ خِيَارِي ، لَا يَحْتَاجُ دَعْمِي وَ تَقْوِيَتِي ، هُنَا فَهِمْتُ فَحْوَى رِسَالَتِهِ الْمُشَفَّرَةِ .

هُوَ لَا يُرِيدُ تَقْدِيمَ الْعَوْنِ ، لَا يُرِيدُ تَقْوِيَةَ ظَهْرِ صَاحِبِهِ ، فَتَرَاهُ يَحْبِسُ مَعَارِفَهُ ، يَحْبِسُ نُصْحَهُ وَ مَشُورَتَهُ ، بِبَسَاطَةٍ فَأَمْثَالُ صَاحِبِنَا لَا يَرَى فِي صَاحِبِهِ أَهْلًا لِعَوْنِهِ وَنُصْرَتِهِ ، فَلَا يَمْنَحُهُ ثِقَتَهُ وَدَعْمَهُ .

إِنَّ صُوَرَ هَؤُلَاءِ كَثِيرَةٌ فِي حَيَاتِنَا ، نَرَاهُمْ فِي كُلِّ الْمُؤَسَّسَاتِ الْخِدْمِيَّةِ ، ، أَشْخَاصٌ لَا يُؤْمِنُونَ بِنَجَاحَاتِ الْآخَرِينَ ، بَلْ تَقْتُلُهُمْ الْغَيْرَةُ لَوْ رَأَوْا غَيْرَهُمْ يَتَصَدَّرُ مَشْهَدَ النَّجَاحِ ، فَيَجْعَلُونَ مِنْ الْبُخْلِ طَرِيقًا حَائِلًا وَمَانِعًا أَنْ يَسُدُّوا الْمَعُونَةَ الْمُسَاعِدَةَ لِغَيْرِهِمْ ، تَرَاهُمْ يَتَعَلَّلُونَ بِحُجَجٍ وَاهِيَةٍ لِتَقْدِيمِ الْعَوْنِ وَ الْخِدْمَةِ ، بِأَنَّهُمْ عَاجِزُونَ قِصَرٌ ، لَكِنَّ حَالَهُمْ عَلَى عَكْسِ مَا يَقُولُونَ ، فَهُمْ يَمْلِكُونَ الْمَقْدِرَةَ الَّتِي تُحَرِّكُ السُّكُونَ ، وَ لَكِنَّهُمْ بُخْلَاءُ .

فَمَتَى تَعْلُو رُوحُ التَّعَاقُدِ وَ الْمُشَارَكَةِ الْإِيجَابِيَّةِ بَيْنَ فَرِيقِ الْعَمَلِ ، نُحْيِي رُوحَ الْفَرِيقِ الْوَاحِدِ ، الَّذِي يُسَاهِمُ فِي بَعْثِ رُوحِ التَّضَامُنِ ، تَلْتَقِي كُلُّ الْجُهُودِ فِي دُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَفِي فَرِيقٍ تَذُوبُ فِيهِ كُلُّ الْفَوَارِقِ وَالْانَانِيَّةِ الضَّيِّقَةِ ، فَيَكُونُ شِعَارُهُ : ( الْيَدُ الْوَاحِدَةُ لَا تُصْفِقُ )

وسوم: العدد 1104