كتبت لك من عيوني

يُكَلِمُنِي بِلُغَةِ الْإِشَارَةِ ، وَهُوَ يُبْدِي إِعْجَابَهُ ، يَقُولُ لِي بِلُغَتِهِ الْخَاصَّةِ إِنِّي أَقْرَأُ مَا تَكْتُبُهُ عَلَى صَفَحَاتِكَ ، كُنْتُ أُصْغِي لِحَدِيثِهِ بِاهْتِمَامٍ ، كُنْتُ أُحَاوِلُ جَاهِدًا تَفْسِيرَ حَرَكَاتِهِ لِأَفْهَمَ خَلْدَ أَفْكَارِهِ ، الْوَاحِدُ مِنَّا تَنْقُصُهُ قِرَاءَةُ لُغَةِ الْإِشَارَةِ ، بِالْكَثِيرِ نَقْرَأُ مَفَاتِيحَهَا ، كَأَنَّنَا فِي مَرْحَلَةِ اكْتِشَافِ الْأَصْوَاتِ مَرْحَلَةِ التَّدَرُّبِ عَلَى الْقِرَاءَةِ .

فَقَدْ كُنْتُ أُرَاقِبُ خِفَّةَ حَرَكَةِ يَدَيْهِ ، أُحَاوِلُ تَفْسِيرَ مَعَانِيهَا ، أَتَصَفَّحُ هَمْهَمَةَ فَمِهِ وَهِيَ تُرْسِلُ بَرْقِيَّاتٍ مُشَفَّرَةً ، أَقْرَأُ تَعَابِيرَ وَجْهِهِ الْمُشْرِقِ ، وَأَحْيَانًا يُصْدِرُ أَصْوَاتٌ حَادَّةً مُرْتَفِعَةً ، تَتَغَيَّرُ فِيهَا مَلَامِحُ وَجْهِهِ ، كَأَنَّهُ يُبَلِغُنِي قَلْلَ خَفِيٌّ يَعِيشُهُ فِي صَمْتٍ هُوَ وَأَمْثَالُهُ ، يَشْكُو قِلَّةَ الِاهْتِمَامِ وَالتَّرْكِ ، يَشْكُو عُزْلَةً مَضْرُوبَةً حَرَمَتْ أَمْثَالَهُ الِانْدِمَاجَ فِي الْوَسَطِ الِاجْتِمَاعِيِّ ، حَرَمَتْهُ حَقَّ الْمُكَيَّفِ الطَّبِيعِيِّ .

كُنْتُ مَعَهُ أَعِيشُ أُنْسَهُ وَأَحْزَانَهُ ، أَحْسَسْتُ فِي دَاخِلِي مَرَارَةَ وَقَسَاوَةَ الْأَيَّامِ ، الَّتِي يَحْيَاهَا هَؤُلَاءِ فِي ظِلِّ الصُّدُودِ ، فِي هَذِهِ الدَّقِيقَاتِ الْقَلِيلَةِ اكْتَشَفْتُ عَالَمًا مَخْفِيًّا يَحْوِي الْجَمَالَ وَخِفَّةَ الظِّلِّ ، اكْتَشَفْتُ عَوَاطِفَ رَاقِيَةً قَدْ نَعْدَمُهَا عِنْدَ الْعَادِيِّينَ مِنْ الْبَشَرِ ، اكْتَشَفْتُ رَجَاحَةَ عَقْلٍ يُحَرِّكُ نَبَضَاتِ تَفْكِيرِنَا الْمُغْلَقِ عَنْ عَالَمِ هَؤُلَاءِ .

فَقَلَتْ : " مَنْ يَهْتَمُّ بِهَذِهِ الشَّرِيحَةِ مِنْ الْمُجْتَمَعِ ؟ وَكَيْفَ يَعْتَبِرُهُمْ الْبَعْضُ مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ ، وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ بَعْضَنَا مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ وَنَحْنُ لَا نَدْرِي ، يَا صَدِيقِي لَكَ مِنِّي أَسْمَى مَعَانِي التَّقْدِيرِ وَالِاحْتِرَامِ .

وسوم: العدد 1107