محطّات

محطّات

نسرين صالح محمد جرار

[email protected]

 الحياة رحلة قد تطول وربما تقصر ، لكنها كقطارٍ يمر بمحطات متعددة ، في بعضها يتزوّد بالوقود ، وفي بعضها الآخر يستبدل الركاب ، ويبقى القطار بأمانٍ ما لم يخرج عن سكته .

 منذ أن يغادر ابن آدم ظلمة رحم أمه وضيقه .. تشرق عليه الدنيا بنورها وسعتها ويحتفل الأهل بمقدمه ويستبشرون ، وبهذا تنطلق الرحلة ... ويعمل العداد لحساب العمر بأيامه وأشهره وسنواته دون توقف ، وتبدأ محطات العمر تتوالى بحلوها ومرّها ، فما من إنسانٍ إلا ويجرب المذاقين ، لكن بعض البشر تطول وقفتهم بمحطاتٍ ملؤها العلقم ... ، وعليهم أن لا يفقدوا الصبر والإيمان والأمل بقدوم يسرٍ من بعد عسر ، فمحطات الشهد قادمةُ لا محالة ، والفرج يمسح من ذاكرتنا أيام ضيقٍ عشناها .. والشمس أحلى نورها من بعد أيام المطر .

 وفي كل الأحوال على المرء التمسّك بحبل الله المتين ، لكي لا يخرج عن مساره الصحيح .... فيعينه الله على الثبات على الصراط المستقيم يوم الموقف العظيم .

 وفي نهاية المطاف لا بد أن تنتهي الرحلة ، فهذا قدر الله المحتوم ... وهنا تبدأ الرحلة التي لا تنتهي ، والفطن من جعل وقوده الطاعات في رحلته الأولى لتكون له زاداً لرحلته السرمدية .

 عندما تنتهي الرحلة يتوقف العداد عن الحساب ، ويقدم حصيلته النهائية معلناً عمر إنسانٍ بدأ .. لينتهي ...

 ولو قُدّر لي أن أحسب عمر بني البشر ، لكان لي فنٌ في حساب الأوقات والأزمان والأعمار يختلف عما ألفه الناس.. ، فوقفات المرء في محطات الهم والغم لن تُحسب من عمره ... ، أما الأيام التي عاشها فرحاً هانئاً سعيدا ، أو قُدّر له فيها أن يصيب من الطاعات ما يكون له زادا في الرحلة الدائمة ، أو أفاد بها غيره من الناس ، فسوف تكون عمره الحقيقي الذي عاشه ، وإذا خلّف عملاً أو ولداً يكون له صدقة جارية ، فسوف يتضاعف عمره أضعافاً مضاعفة .....

 فجعل الله أيامكم صدقات وطاعات وسعادة ، وكتب الله لكم بأحزانكم وآهاتكم أجرا وثوابا ، وأمد في أعماركم ومتّعكم بالصحة والعافية والإيمان .