حكاية نقاء

سماح سليم شمالي

[email protected]

والسماء يملؤها الصفاء والود مزدانة بالنقاء معبقة ببياض ممزوج بلونها الأزرق الرقراق وطيورٌ مهاجرة لا تنفك عينايَّ عن رؤيتها ما برحتْ تحلق في السماء وتطير ..

اختلفت عندي النظرات ما دريتُ ما أرى .. إنني أرى طيور مهاجرة بأسرابها كالغيوم المسافرة وأرى غيوم أتى بها البرد في تصاميم ساحرة فبقيت لا أدري من الطيور ومن الغيوم !

تُرى هل تمر تلك الطيور الجميلة دون أن تصافح عدستي , لا ؛ لا بدّ أن تصافحها مصافحة ود وإعجاب وبينما كانتا يتصافحن قفز في ذهني فكرة بعدما تنتهي عدستي من مصافحة تلك الأسراب من الطيور لمَ لا أشتري بضع سمكاتٍ صغيرة وألقي بها في البحر لتقترب منها أطيار النورس الجميلة وحينها تبدأ عدستي بالتقاط ذاك المنظر الخلّاب ! , لم أردّ فكري خائباً فقد قمتُ بذلك وبحثت عن بهوٍ يجتمع فيه النورس الجميل وتخطو عدستي خطواتٍ رقيقة نحو الجمال وأخطو خلفها حتّى وصلنا إلى الميناء الممتلئ بالمراكب المزينة بأسراب النورس الراقدة عليه والأخرى التي تحلق فوقها , أعجبتْ عدستي بجمال المشهد فتمركزت أنا والعدسة هنا وبدأت أنثر الأسماك الصغيرة على مياه البحر الساكنة وتقترب النوارس وتلتقط عدستي براويز صورٍ لتلك الطيور , أذهلت لشدة جمال المنظر أردتُ أن أرى الجمال أكثر فلم أكتفي بالرقود على أعتاب المياه الساكنة بل صعدت على متن قاربٍ صغير ومنه تسللتُ خفية إلى مركبٍ كبير ترقد عليه الطيور وبدأت بإلقاء فتات خبزٍ وبضع سمكاتٍ صغيرة فأثار ذلك الطيور فاقتربت واقتربت و اقتربت وأخذت عدستي بمداعبة تلك الطيور فصنعت براويز جمالٍ لها وبدأت أتحدث إلى صاحب القارب عما يجول في خاطري فردني بما يجول في خاطره وهموا بالمغادرة فأشرت إليه متسائلاً إلى أين تنوي الذهاب ؟ فأجابني سأبحر بعيداً لاصطاد ما كُتب لنا من أسماك ذاك البحر فطلبتُ أن يصطحبني فلم يمتنع وصعدتُ على متن قاربه وبدأ السفر إلى حيث تختفي المدينة خلف الضباب فأقصر نظري عن رؤية غزّة وبدأ برؤية زوارق الاحتلال ودقّ في قلبي ناقوس خوفٍ وبانت على وجهي علامة رعبٍ فلفتت انتباه الصيّاد فطمئن قلبي بقوله واري عدستك ولا تخف , وبعدما طرقت عقارب الوقت ستون دقيقة لمحنا زوارق الغدر تقترب صوبنا وبدأت عقارب الرعب تراود قلوبنا دون تمتمة خوفٍ من أحد حتّى لا يسقط من صرح نواظرنا قام الصيّاد بمراوغةٍ وبدأنا بالتحرك إلى الخلف شيئاً فشيء وحاولنا الإفلات منهم برجوع الزوارق بعقاربها إلى حيث كانت , ورغم اتشاح قلوبنا بالخوف و سيطرة أشباح رعبٍ على مشاعرنا فإنّي لم أفكر لحظة بأن أخيّب فكرتي بل ازددتُ أملاً بأن أصل أنا وعدستي إلى الصورة التي نريد وأبحرنا بمركبنا واصطاد الصيّاد ما كتبُ له واصطادته عدستي لحظة اصطياده الأسماك وبينما يبحر المركب بالصيد وتبحر عدستي بالجمال عادت إلينا عودة غدرٍ زوارق العدو فبدأت صيحات تنادي بالرجوع و بدا لنا في وجه البحر أن العودة شيء حميد حيث كان يغزونا التململ فقمنا بذلك .. عدنا بقلوبٍ ألوانها كطائر النورس .. عدنا بأحلامٍ كأحلام تلك الطيور .. عدنا إلى مرافئ الجمال الرقيق ويغمرنا معنى البساطة بحجم ذاك البحر .. عدنا وكنا أطفالاً وما زلنا وسنزالُ نلهو بومضاتِ نورٍ لنبني صرح الأحلام .. وعدنا وكلنا يقين بأنّا لن نعود !