مع كل بلية عطية

هايل عبد المولى طشطوش

[email protected]

ليعلم كل امرئ منا أن ما حرمة الله من نعمه إلا ليعوضه خيرا منها ، وان كل بلية ابتلاه بها إنما هي محنه لا تتبعها إلا منحة ، فان ما أخطاء المرء لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه رفعت الأقلام وجفت الصحف ، إن البلايا مطايا العطايا وفي جوف المحنه تكمن المنحة وان غِضب العبد فلا يغضب من خالقه وان سخِط فلا يسخط على مولاه فان الذي أعطاه بالأمس حرمة اليوم ليعطيه غداً ، يقول ربُّنا - سبحانه وتعالى -: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6]، ويقول بعض الصَّالحين: "على ظهورِ البلايا تأْتي العطايا، ومن المِحَن تخرج المِنَح".

المحنة والمنحة من الله فهو الذي يعطي وهو الذي يأخذ وكل شيء في هذا الكون وديعة تعود ملكيتها لمودعها أعطيها إن طلبها وتركك تتنعم بها إن امسكها ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، وهنا موضع الاختبار والامتحان فمن صبر وشكر فله الخير الكثير ومن طغى وتجبر وتألى على الله وتمنى علية الأماني فلا يلومن إلا نفسه ، بل  إن العارفين بالله اعتبروا أن البلايا والمحن إنما هي سنه من سنن الله في الأرض يصيب بها عبادة المؤمنون فهم الأشد ابتلاء والأكثر محنه ...... وعلى مر التاريخ منذ بدء الخليقة إلى  يومنا هذا كانت الفئة الأكثر امتحانا وابتلاءً هم  الأنبياء والمرسلون، والمؤمنون والصالحون ،  حيث تعرَّضوا لكثيرٍ من صنوف الإيذاء والاضطهاد والتعذيب، ، وعندما صبروا على ما أذووا في سبيل الحق أتاهم نصر الله وكانوا أهلاً للاستخلاف والتمكين في الأرض ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ﴾ “الأنعام: من الآية 34”.

ولقد سُئل الإمام الشافعي رضي الله عنه: "أيُمَكَّن للمرء أولاً أم يُبتلى؟" فقال: "لا يُمكَّن للمرء حتى يُبتلى".

الإنسان خلق من كبد وهو في كبد إلى أن يلقى الله ومسار حياته في هذا الدنيا مليء بالمصاعب والمتاعب فمن منا يخلو من الهم ؟؟؟!! ولكن فلنعلم أن هذا الهم هو سبب استمراريتنا في هذه الحياة وهو الباعث لكل منا على أن يستمر فيها ، وحلول هذه الهموم تكمن في الصبر والاحتساب واعتبار كل ما يلاقي الإنسان في هذه الحياة إنما مصدره الله ومردة إلى الله لذا فما على المرء إلا الاستسلام والانقياد لقدر الله وما جزاءه على ذلك كله إلا الجنة وزيادة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .