إلى امرأة ميتة
إلى امرأة ميتة
عمرو الغامدي
لم يرسم بيكاسو من قبل أي لوحة , وحتى أنه لا يجيد استخدام الألوان .. و برنارد شو كان فيلماً كرتونياً , شكسبير رجلٌ مجنون يهذي أواخر الليل , ولم يكن هناك روميو ولا جولييت .. بل كانت هذه أسماء مستحضرات تجميل !
وما زال هناك الكثير لأخبركِ به , ليوناردو دافنشي كان ملصقاً دعائياً .. أرسطو ونيوتن وآنشتاين كانوا مهرجين في سيرك المدينة .. ونوبل اسم اخترعه الكبار ليهاب منه الأطفال ..
أنا أعي حقاً ما أقول .. وأخبرتك بما يجب أن يكون , ويجب أن تدركي كل تلك الحقائق المزورة , إني أزور كثيراً , وأحاول جاهداً أن أزوّر هذه اللحظة التي أجلس فيها معك , لكن الكأس ورائحة الدخان تأبى إلا الحقيقة .. وأنتِ لستِ فيها على الإطلاق ! لا أملك الكثير من الحقائق في جريدتي ولا في محفظتي , سوى أنك مجرد سراب وهميّ حقيقيّ .. أنتِ شيء أقرب إلى التزوير !
منذ لم أعرفك وأنا أواعدك كل ليلة .. ضعي تاريخاً من أية أرقام , في كل الأرقام كنت أنتظرك على هذا المقعد , على كل أوراق التقويم كتبت لك رسالة حتى تريها عندما تعودين , افتحي الآن كل أوراق التقويم .. ورقة ورقة .. منذ الأبد حتى الآن .. هل تبحثين عن رسائلي ؟ هل أنتِ ساذجة ؟ .. ألم تفهمي بعد أن التاريخ مزوّر , وأنتِ كذلك !
أنا لا أتعايش معك ولست مفروضاً عليكِ .. ولكنكِ من بين الاختيارات كنتِ اختياراً ممكناً , لذا لا يجب عليك أن تحزني كثيراً .. فأنا لا أهتم بكِ عندما تتألمين , فكل الأنين الذي يصدر منكِ ليس حقيقة , ويجب أن تفهمي ذلك.
هذا العالم بقوانينه الساذجة يجبرنا أن نكون جزءاً منه , والناس تعتقد أنه حيث يجب أن يكون رجل .. أن تتواجد معه امرأة شهوانية ! كل المقاهي تشبعت من هذه الخرافات .. إنهم كذلك في كل حانة , رجلٌ وامرأة .. ويعتقدون أن الحب يلتحم بهم كأنفاسهم , ويملي عليهم خرافاتٌ أزليّة , في الواقع إنهم ثملين للغاية وعندما يكسرون الكأس الأخير ويعودون أناس طبيعيون .. سيسألون أنفسهم بالتأكيد ما الذي فعلناه!
أنا لا أهذي يا عزيزتي , وربما أنتِ الآن تهيئين هاتفك للاتصال بطبيب نفسي , يقتلك الخوف أن أتوحش ويتحول شعري الأبيض إلى قناع مرعب , أو ينبت في يدي سكين مسموم .. تعتقدين بأني مجنون ؟! .. ماذا سيفعل الطبيب لي سوى أنه يقوم بالتحدث عن مشاكل أسرته ومعاناته مع القروض وشركات التأمين , أنتِ لا تعلمين بأنهم هم أنفسهم يحتاجون إلى من يعالجهم .
لا ترتعشي أكثر من ذلك , أنا لست ذلك المجنون الذي اصطحب حبيبته إلى غرفته , وبعد أن أقنعها بالحب السماوي العظيم .. قتلها كي لا تخبر أحداً بأنه يحبها !
اشربي ما تبقى من كأسك , فربما تودين الاحتفال على طريقة المجانين , إنه أمر مغري للغاية أليس كذلك .. ولكن لن يسعك ذلك بعد الآن , فأنتِ لستِ هنا .. ولست حقيقة .. وأنا لم أعد احتفل بكِ أو بذكرى التقائنا . فهناك أشياء كثيرة أصبحت اهتم بها ..كتلك الورود المجففة التي وضعتها بجوار قبرك , والطيور الميتة التي أيقن الناس أنها تحوم كل يوم فوق قبرك .. أنتِ ميتة يا عزيزتي وليس بوسعك إدراك ذلك , فأنا منذ ذلك اليوم حتى الآن , أحاول أن أقنعك كل يوم بأنك لستِ حقيقة , وأنك الآن في عالم آخر .. لكنك لا تفهمين , ولا تكفـّين أبداً عن التواجد كل ليلة في أحلامي!