سمير القنطار

يودع رفاقه الأسرى عائداً إلى لبنان العربي

نضال حمد

[email protected]

احتفل يوم أمس الأسرى الفلسطينيون وفي المقدمة منهم الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات، والقائد الفتحاوي مروان البرغوثي، وجموع كبيرة من رفاق واخوة سمير ، الذين عاش واياهم سنوات طويلة في السجون، خاضوا خلالها نضالات عظيمة واضرابات طويلة من أجل تحقيق مطالبهم بأوضاع معيشية أفضل في سجون كانت ومازالت اداراتها تتعامل مع الأسرى بعقلية فاشية وسادية. في تجمع كبير ومهيب ودع الأبطال خلف القضبان، رفيق عمرهم وتجربتهم ومسيرتهم النضالية في سجون الاحتلال. احتفل نسور الحرية القادمة لا محالة بحرية أحد أعمدتهم وقادتهم، الأسير العربي النموذج سمير القنطار، الذي قضى في سجون الصهاينة ثلاثون عاماً. بقي خلالها عنواناً للصراع بين الحق والباطل، وبين السجن والحرية. وظل عنواناً للأسرى العرب في سجون الصهاينة. هؤلاء الذين جاءوا من المحيط والخليج للنضال من أجل تحرير فلسطين، حيث وقع البعض منهم في الأسر، فيما استشهد البعض الآخر ليروي بدمائه الزكية الطاهرة أرض فلسطين المحتلة. ومن هؤلاء الشهداء رفيقا سمير القنطار اللذان استشهدا في عملية نهاريا البطولية مهنا المؤيد وعبد المجيد أصلان.

دخل سمير الأسر بعد تنفيذه عملية نهاريا في 22 نيسان ابريل 1979. حيث أعتقل جريحاً بعد اصابته بعدة طلقات في ذراعه وصدره. ومازالت احدى الطلقات تلازم سمير وتستقر في صدره حتى يومنا هذا. يوم اعتقال سمير قال له ضابط صهيوني " إن الله لم يخلق الرجل الذي سيخرج من سجوننا". وقال بيغن رئيس وزراء كيان الصهاينة " أن اسرائيل تفكر بانتقام من القنطار لم يخترعه الشيطان".لكن سميراً المؤمن بحريته كما ايمانه بحرية شعبه وعودة ارض فلسطين لاهلها الطيبين، أدرك منذ البداية أنه لن يخرج من السجن إلا مرفوع الهامة ، شامخ القامة ، عزيز النفس ، بدون تخلي عن موقفه القومي الذي لا يقبل القسمة. سيخرج بالمقاومة لا بالمساومة، وبالتبادل لا بالتنازل، فقد صمد القنطار في أقصى وأسوأ حالات الذل والانكسار العربي، وفي مرحلة اندحار وتراجع الموقف الرسمي الفلسطيني حيث تم اخراج بعض الأسرى بعد موافقتهم على توقيع تعهد بعدم العودة للنضال ضد الاحتلال الصهيوني. في مرحلة قام البعض فيها بالتوقيع على وثيقة عبر فيها عن أسفه وندمه على ما قام به ضد الاحتلال. أما سمير القائد النموذجي فرفض التوقيع و صمد صمود النسور على القمم، وبقي راية خفاقة، وعلماً مرفرفاً ، ومثالاً يحتذى به في سجون الصهاينة. واصبح واحداً من أهم قادة الحركة العربية والفلسطينية الاسيرة.

اليوم فقط استطيع التحدث عن الاتصالات الهاتفية التي كانت تجري بيني وبين الصديق سمير القنطار حيث في السابق لم استطع الحديث عن مكالماتي مع سمير بسبب عواقب تلك المعلومات لو تم نشرها وعلمت بها مصلحة السجون. وقد حافظت على كتمان أخبار وتصريحات ومعلومات كان يقولها سمير وكنت مضطراً لايصالها للناس عبر طرق كتابية ملتوية ومختلفة. الآن لم يعد هناك ما يمنعني من الجهر بالاتصالات التي جرت بيني وبين سمير صديق ورفيق الدروب التي ستوصل امتنا العربية الى الفجر الحقيقي.

في المرة الأولى التي سمعت بها صوت سمير خفق قلبي ودمعت عيني واحترت كيف ابدأ  الرد على اسئلة هذا الرجل الفذ. الذي غادرنا مودعاً فجر 22 نيسان ابريل 1979، ولم يعد منذ تلك الليلة ، ودخل في الأسر لتستمر معاناته هناك مع المعتقل والجلاد ومرض الربو والرصاصة المستقرة في صدره...  تحدثنا طويلاً عن اشياء و اسماء كثيرة جمعتنا معاً في بيروت وجنوب لبنان. وامتد بنا الحديث فاستحضرنا بعض الأصدقاء الشهداء وبعضهم الآخر من الأحياء. وتشعب حديثنا ليشمل جوانب كثيرة من حياتنا اليومية ومشاريعنا المستقبلية. وقد استفسر مني سمير عن أشياء كثيرة لا أود الخوض فيها لأنها شئون تخص سمير واترك أمرها بيده.

بعد المكالمة الأولى بيننا عاهدت سميراً بأن أعمل ومعي كل مخلص لقضية الأسرى من أجل ايصال قضيته وقضايا الأسرى جميعاً الى كل الناس اينما كانوا في النرويج وكل العالم. وهكذا بدأت سنة 2002 حملة للتعريف بقضية الأسرى الفلسطينيين والعرب. ولاحظت أن التجاوب الشعبي والنقابي وفي جزء منه الحزبي النرويجي والبرلماني كان جيداً ومقبولا. مما شجعني ومعي الأخوة والأخوات المنخرطين في حملة التضامن مع الأسرى لمواصلة المشوار والاستفادة من خبرات غيرنا فاجرينا الاتصالات مع وزارة الاسرى والمحررين الفلسطينيين ، ومع نادي الاسير الفلسطيني ، وجمعية اصدقاء السجين في الجليل، ومع جمعية الاسرى والمنحررين اللبنانية بقيادة محمد صفا وبسام القنطار شقيق سمير. واتصلنا كذلك ببعض الشخصيات الفلسطينية في داخل الداخل وأذكر منها بالتحديد المناضل د عزمي بشارة والمناضل الأسير المحرر منير منصور. وحركة أبناء البلد وآخرين.  وتوجنا العمل بدعوة وفد من وزارة الاسرى والمحررين الى أوسلو حيث التقى بجهات رسمية وبرلمانية وحزبية ونقابية وشعبية نرويجية. شرح خلالها قضايا الأسرى وقدم معلومات وافلباماً وثائقية تروي معاناتهم في سجون الصهاينة.  وفي ايام الاضراب الشهير عن الطعام قبل عدة سنوات كنت على اتصال دائم باسرى الحرية بالرغم من فقداني الاتصال بسمير القنطار لأنه تم عزله في زنزانة انفرادية لمدة طويلة باعتباره أحد قادة الاضراب والحركة الوطنية الاسيرة. وأقمننا خلال تلك السنوات الندوات واللقاءات والحوارات والاعمال التضامنية مع الاسرى وعرض الأفلام عنهم . واصبحت صورة سمير القنطار حاضرة في كل تظاهرة ومسيرة تشهدها العاصمة النرويجية أوسلو تضامناً مع فلسطين. واشعر بالفخر عندما أرى بعض الأحزاب والمؤسسات والشخصيات والمنظمات النرويجية تتحدث عن الأسرى وتهتم بقضيتهم. بصراحة هذا لم يكن موجوداً قبل بدء حملتنا للتضامن مع سمير وبقية الأسرى.

اليوم أقول لك يا سمير أهلاً بك وأنت تعود الى بلدك وبلدتك ورفاقك وأهلك وناسك وشعبك وأمتك ومقاومتك الواحدة، المقاومة الوطنية والاسلامية اللبنانية التي حررت لبنان وطردت الاحتلال والحقت به الهزائم المتتالية. أهلا بك وأنت تقترب من الصادق والأمين السيد حسن نصرالله قائد المقاومة وقاهر الصهاينة. هذا الرجل الكبير الذي التزم بالعهد وحقق الوعد بعودتك حراً الى لبنان.  كنت أتمنى ان اكون بين مستقبليك في لبنان. وقد سافرت لأجل لذلك وبقيت في لبنان 15 يوماً قضيت بعضها برفقة رفاقك وشقيقك بسام الناشط الدؤوب والمواظب والميداني الذي لا يعرف التعب. هذا الفتى الذي حمل همك وقضيتك وعمل من أجل حريتك بلا كلل وبدون يأس. فأثمر كفاحه ونضاله وعمله اليوم بعودتك حراً الى جبل العرب.

اليوم يا سمير أحييك واستحضر ارواح رفاقك الشهداء ، رفاق المسيرة المميزة والصعبة في جبهة التحرير الفلسطينية. وأقول أن الرفيق الأمين العام الشهيد طلعت يعقوب يبتسم في قبره ويفرح لعودتك صلباً ومميزاً كما عرفك قبل أكثر من ثلاثين عاماً مضت. ويود لو بامكانه أن يضع أكاليل الغار على نعوش رفاقك الشهداء السبعة عشر العائدين معك هذا اليوم.  هؤلاء الشهداء منهم الفلسطيني والسوري واللبناني والتونسي والعراقي والسوداني ..قضوا في عمليات بطولية نفذت بعد عمليتك في نهاريا، ومنهم من عرفته قبل وقوعك في الأسر ومنهم من لم تعرفه لأنه جاء من بعدك وقام بعمليته من أجل حريتك. 

أهلا بك ايها العائد الكبير والحرية لمن تبقى من الأسرى في سجون الصهاينة

              

* نضال حمد – مدير موقع الصفصاف – رئيس الجالية الفلسطينية في النرويجspan>