لا جريدة اليوم

يوسف فضل

اليوم ثالث يوم عيد الفطر المبارك أمضيه مع العائلة في منطقة شفا بدران مسببا للعائلة القليل أو الكثير من الإزعاج . كنت اعتقد انه يوم مثل باقي الأيام الاعتيادية لكني اكتشفت انه يوم ملهم إذ وانا ذاهب للتسوق عرجت على الدكان لشراء الجريدة اليومية فزف لي صاحب الدكان خبرا ليس عاديا بل أكثر من سعيدا " لا جريدة اليوم ".

* لماذا؟

** اليوم عطلة .

* ولماذا ثالث يوم العيد؟

** هكذا قررت نقابة الصحافيين .

* يعني أنني لن أقرا أخبار إبليس وأبناء عمومته من الشياطين .

** تعب إبليس منا فقرر أن يأخذ إجازة هذا اليوم .

* هذه منحة كريمة إجبارية من إبليس لي شخصيا لأني سأكف عن إلحاق الأذى بنفسي بعدم قراءة الجريدة .

هذا اليوم قررت أن أصوم عن قراءة الجريدة واتبعته بنية عدم سماع الأخبار من التلفاز أو الراديو وذلك تقليدا لهدي الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما لم يجد طعام في البيت فيقول لأهلة " إني صائم ". لذا اكتب وأنا صائم عن قراءة وسماع الأخبار وحالي مثل قول الكاتب الجزائري في رواية أنثى السراب "علينا أن نقتل من نحب لكي نتمكن من الحياة بشكل مخالف" .

ماذا لو ذات يوم أفقت صباحا ووجدت أن لا أخبار عن الصراع في منطقتنا ؟ واكتشفت أن كل الحياة التي نعيشها هي محض زيف أو مثل قراءة رواية يلعب بها خيال الكاتب وان ذاكرتي تحمل أسماء من القادة الفلسطينيين والأمريكان والإسرائيليين هم أشخاص روائية فاشلة أقحموا إلي حياتنا الخيالية لان الكاتب لا يكرهنا بل لأنهم بالضرورة يمثلون جزء من عنصر الشر الروائي لنعرف قيمة الخير وأنهم أسباب الخزن الخفي في كلمات الرواية ؟ ستكون هذه اللعبة الروائية المعقدة مصدر سعادة مثل عدم قراءة أخبارهم اليومية . بل ستكون هذه الرواية النافية للمرض السياسي مثل من يزرع النور في الظلام ، لأننا لن نضطر إلى ترك وطننا لنتزوج قبر في المنفى ولن نعرف مقدار الخراب الذي أهدته هذه الشخصيات لنا وسيتوقف الخوف في دواخلنا الذي يكبر يوما بعد يوم لأننا نحسه به ونراه . في النهاية سنكتشف أننا لا زلنا نمتلك ابتساماتنا وان أرضنا لم ولن تموت .

شربت فنجان من القهوة المضاعفة المرارة لأثبت رأسي لأني شعرت بدوار دائم ما أشعرني بإحساس إضافي أن قدماي لا زالتا على الأرض وان طنين الذباب لم ينطفئ بعد واني شعرت باني كميت عادة إلى رحلة الحياة لم تأت بعد وأنني أريد أن أعيش أولا بدون اخذ الإذن بذلك من احد وأنني لم أنسى حتى الأشياء الصغيرة والبسيطة فقد خبأت كل صعوبات وشظف وقساوة الحياة صمتا حتى لا أموت احتراقا وحتى لا اسمح للآخرين بكتابة نهاية لا أريدها لي لان أصعب حالات الموت أن ترى نفسك وأنت تموت .