وصية على الحدود مرة أخرى

ياسر علي

[email protected]

كاميرا في الذاكرة *

«أيْ بنيّ! هذه هي بلادنا، فلسطين. وذاك الجندي، هو من أبناء الذين طردوا جدك وجدتك من قريتنا، بيتنا ما زال هناك في قريتنا خلف ذلك الجبل البعيد!

أي بني! ذلك الجندي ورفاقه، يمنعوننا من الوصول إلى بلادنا، خطوات وتصل قدماك إلى أرض فلسطين! لكن بينك وبينها هجرة ودموع وعذاب ولجوء وإرهاب وعجز، تتجمع كلها مثل سدّ في وجهك. انظر إليهم، ذلك العلم علمهم، وهذا العلم الذي في يدك هو علمنا الذي كان يجب أن يرفرف هناك، ونقف نحن تحته.

أي بني! انظر جيداً إلى هذه السهول وتلك الهضاب. وتملَّ من جمالها وخزّنه في ذاكرتك، لكي يبقى في وجدانك شعورك الدائم، هذه البلاد تستحق منا الغالي والنفيس!

أي بني! انظر إلى هذا الجندي، ربما كنتَ من الجيل الذي سيقاتله ويخرجه من ديارنا، ويعيد فلسطين إلينا ويعيدنا إليها!».

أشرت بيدي إلى الجنود وأخذت أشير عليهم واحداً واحداً، وأنا أجلس القرفصاء أكلم ابني عنهم. ولَفَت نظرنا اضطرابهم الذي تسبب به تعالي الهتاف ورفرفة رايات فلسطين وكتائب القسام عند الحدود.

وسألني خالد (6 سنوات): يابا ليش هدول خايفين منا؟

فلمعت الفكرة، وقلت له: يابا هدول بيخافوا من كبار السن، الذين يحكون لنا الآن عن كل بقعة من الحدود، ومن الأطفال الذين مثلك (كانوا 50 مسناً و30 طفلاً). يخافون لأنهم علموا الآن أن الصراع مستمر، وأنكم ستقاتلونهم كما فعل آباؤكم ستين سنة أخرى إن لزم الأمر.

«أي بني! سجل بكاميرا عينيك، واملأ ذاكرتك حتى الثمالة من هذه الحبيبة، التي ستعود يوماً أو نموت دونها».

              

* من رحلة إلى الحدود الفلسطينية مع لبنان يوم الأحد 15/6/2008.