الجزامة والمكتبة!!

الجزامة والمكتبة!!

ممدوح أحمد فؤاد حسين

[email protected]

يعتريني الهم كلما رأيت الأحذية معززة مكرمة في فترينات المحلات يتسابق الناس علي شرائها, بينما الكتب ملقاة علي الأرصفة لا تجد من يلتفت إليها, ويعتريني الغم فكلما دخلت بيتا وجدت الجزامة ونادرا ما أجد المكتبة, وحتى إن وجدتها فأرى الكتب كئيبة من التراب الذي يكسوها,  بينما الأحذية تكاد تبتسم من بريقها ولمعانها, هنا خاطبت نفسي: الآن عرفت ليه البلد ماشية بالجزمة.

وبطبيعتي التي ترفض الاستسلام, وتسعى للتغيير أخذت أفكر في طريقة أرفع بها من شأن الكتاب والمكتبة وأحط من شأن الحذاء والجزامة .

وهداني تفكيري بعدما لاحظت صغر مساحة معظم الشقق أن أصنع مكتبة وجزامة في قطعة واحدة  فيكون النصف الأسفل جزامة والنصف الأعلي مكتبة, وبذلك يعلو الكتاب فوق الحذاء ولو من الناحية الشكلية.

استدعيت النجار لرفع المقاسات التي تناسب شقتي الصغيرة, واستحييت أن أصارحه بما يدور في ذهني من رفع شأن الكتاب والمكتبة, وتعللت بصغر حجم شقتي للجمع بين الجزامة والمكتبة.

وافقني النجار واستحسن فكرتي, ولكنه فاجأني بتعديل في التصميم وقال لي: احنا بنستعمل الجزامة كتيير ونادرا ما نستعمل المكتبة, هخلي الجزامة فوق حتي لا تتعب نفسك وتنحني كثيرا, وتكون المكتبة تحت فهذا أسهل في الاستخدام, خليك عملي يا بيه.

فحدثتني نفسي: طالما بقي الحذاء فوق الكتاب, فسنطاطي ونطاطي أمام أي جزمة ولو كان ابن جزمة.

وقبل أن أفتح فمي معارضا سارعت زوجتي واستحسنت اقتراح النجار, ولكنني استجمعت شجاعتي ورفضت الاقتراح, فصرخت في وجهي وقالت : حنفي.

فأدركت أنني محروم من الشفافية, وهمست : لا شفافية في بيتي ولا في بلدي..ياللهول.

بتبرطم وبتقول إية؟

فهمهمت في نفسي: الاستبداد يحاصرني حتي في بيتي.

سمعني صوتك, ماذا تقول؟

وكان لا بد أن أرفع صوتي : تنزل المرادي.

وغادرت المنزل وأنا أردد (كأنك يا أبو زيد ما غزيت).