الذكرى روحنا

الذكرى روحنا

صالح أحمد

[email protected]

هي الذكرى حياة أخرى تعيشنا أكثر مما نعيشها

إنها تفرض نفسها ، ملامحها ، دقائقها، حلوها ومرها ، طولها وعرضها... على ذاكرتنا ...

إنها تستوطننا... تستخدم ذاكرتنا جسرا يربط الماضي بالمستقبل... والراحل بالقابل

إنها لو أردنا الدقة ... نحن، بكل ما لنا وما علينا

إنها آهنا التي انطلقت ليسمعها العالم!!

وهي آهنا التي احتبست في قلوبنا وأرواحنا وكياننا، لأنها تخصنا ولا تخص أحدا غيرنا من العالم...

وهي آهنا التي ما زالت تتحكم بأرواحنا .... وتتحين الفرصة لتحملنا إلى العالم ... صرخة، ربما! أو لهفة! أو حشرجة!!..

هي الوردة التي زيّنا بها قبر الأحبة...

وهي الوردة التي لم تستأذنّا حين نبتت على حين غفلة منا فوق تراب أحببناه وأحبنا... وأسكنّاه بعضا منا..

وهي الوردة التي لونت حياتنا ، حين بتنا نراها بلا ألوان ...

هي الذكرى... تاريخنا... ويومنا... وكلنا

هي ما حفظنا ... وهي ما نسينا... وهي ما نحاول أن ننسى... وما نحاول أن نتذكر...

وهي ما يستعصي على النسيان ... وهي ما يستعصي على التذكر

هي منبتنا... ومنشأنا ...

وهي مصيرنا

وهي مبعث الفكر في طريقنا

هي نحن ... كلما تذكرنا أننا هي

وهي نحن وإن أُنسينا من نكون ...

وهي نحن كلما أريد لنا أن نكون غير ما تحفظ عنا ... وما نحفظ منها ...

هي الرحلة التي لم نعشها... لأنها ما زالت بنا... وما زلنا نقف قاب خطوة أو أدنى منها... ولمّا نعرف أين ستكون التالية !!

وهي الرحلة التي عاشت بنا... ولم تعشنا!! لأننا ما زلنا نقف قاب فكرة أو أدنى منها ... ولا ندرى أتحملنا أم نحملها ... أم يذوب كلانا بكلينا لديها

هي الوقفة على أعتابٍ حفر الدهر اقدامنا فيها... وكم تمنينا ان نعود منها وفيها

وهي الوقفة على أعتاب كم ترددنا في وُلوجِها لأننا نخشى صورتنا المرسومة بعدها

هي الذكرى ...

هي ما كنا... وما نخشى أن نذكر أننا كنا... وما نحب لو كنا... وما نتمنى أن نكون.. وما نتمنى لو لم  نكن...

هي هي ...

أتفهمون...

إنها نحن... بما نحن .. كما نحن ...

إنها نحن ... يوم انسحبت الأرض من تحت احلامنا

إنها نحن... عندما اختنقت الأرض تحت شلال دمائنا

إنها نحن يوم بكينا ولم يبك أحد علينا

إنها نحن يوم أنكرنا ذواتنا أو أنكرتنا

 إنها نحن يوم صحونا لنجد أننا أبدا ما صحونا

إنها نحن يوم أصبحنا ولا صبح... وأمسينا ولا مساء

إنها نحن يوم أنكرتنا مواطئ أقدامنا...

إنها نحن يوم أصبح الأفق محط  أوهامنا العارية

إنها... إنها الذاكرة ...

إنها الأرض التي حفظت وما زالت تحفظ أخبارنا وأسرارنا وأقدارنا ... وأعمارنا ... وأحوالنا ... وأجزاءنا... وأرجاءنا.. وأرزاءنا

إنها الذكرى تدق بوابات آفاقنا ...

تطل علينا من نوافذ الزمن...

هي نحن وإن تغير الإسم واللون والشكل والملمح والمقصد

هي نحن... ولتكن ما تكون ... لأننا أيضا أصبحنا ما أصبحنا

هي نحن وإن لبست ما تلبس: الوصايا أو المرايا... أو حتى البقايا...

تظل نحن...

نكبة - قالوا أنها صارت-... أو نكسة ... او غربة.. أو ميتتة .. أو تغريبة ...

تظل نحن...

ضياع - أطلقوا عليها-.. أو شتات...أو هروب... أو اقتلاع ...

تظل نحن ...

نحن الدار والبيدر والغصن والحجر والدوّار والصّبار والزيتوت ... والليمون ...

وحتى الشوك والقندول والخروب والمرّار والدحنون ...

هي نحن...

الأرض التي تأبى أن تحمل إلا ملامحنا...

والسماء التي تأبى أن تحضن إلا إشراقاتنا

والليل الذي يأبى  ان يخبّئ إلا  همسات عشاقنا

والنهار الذي يأبى أن يقتلع من ذاكرته صدى أنات ناياتنا

هي نحن ...

الأرض التي جُبلت من لحمنا ... واستوطنت أرواحنا

والسماء التي تلوّنت من آهاتنا ... وتصدّعت من صدى لهفاتنا ... واكتست حمرة من لوعة انتظارنا

هي نحن ...

فارسموا كما شئتم منحنياتها..

لونوا كما شئتم محطاتها..

غيروا ما شئتم ملامح أمنياتها

إغرسوا ما شئتم في ساحاتها

عطلوا ما شئتم من فيض بَرَكاتها

ستظل تصرخ في وجوهكم :

ما كُنتُكم ... وما كُنتُموني ...

فاخرجوا من كِلس ودياني

واخرجوا من لون رمّاني

واخرجوا من شوق زيتوني

واخرجوا من لون أحزاني

واخرجوا من صمت احجاري

واخرجوا من سرّ أسراري

ما كنتكم... وما كنتموني ..