أميرة التي قتلت بلا ذنب

أميرة التي قتلت بلا ذنب

نضال حمد*

[email protected]

أميرة أبو عصر ، رضيعة فلسطينية من بلدة القرارة في قطاع غزة، لم تتجاوز الثلاثة أسابيع، قصفت عمرها رصاصات جيش الاحتلال الإسرائيلي. ترى لو أن اميرة كبرت وعاشت وتعلمت ودرست وتخرجت ماذا كانت ستعمل في وطن محتل ومستباح؟؟... ماذا كانت ستفعل في وطن محتل تتحكم فيه وبحياة سكانه عصابة إجرامية تقود كيان الاحتلال. وتعزز مداميك احتلالها بالجرائم والمجازر والمذابح التي فاقت مذابح أي احتلال على مر التاريخ الحديث شرق المتوسط.

ترى هل كانت أميرة ستصبح أميرة كما هي الآن في عيون أبناء وبنات شعبها؟

هل كانت ستحتفل مثل كثير من النساء والشابات بيوم المرأة العالمي بعد غد السبت؟؟

هل كانت ستضيء الشموع على قبور نساء وفتيات وزهرات فلسطين اللواتي قتلهن الاحتلال بدم بارد وبلا تأنيب ضمير قبل أن يأتي الدور عليها يوم أمس..؟؟

آه يا أميرة كم هو مؤلم منظر رحيلك وأنت بين أيدي والدك والأطباء.. بدوت كملائكة الرحمة تحطين على الجرح فتشفيه، لكن الطب عجز عن شفاء جرحك وإنقاذ حياتك، فتباً للطب وتباً للجرح وتباً للموت، ولعنة اكبر من كل اللعنات على الاحتلال الذي يقتنص الطفولة في فلسطين ليجعل في كل بيت جرح لا يندمل، ودموع جرارة لا تتوقف عن النزيف...

بماذا يفكر الجندي القاتل حين يقتل طفلة وليدة أو طفل رضيع ؟

كيف يمكنه العودة الى المنزل ومن ثم احتضان وتقبيل أطفاله؟

عند التأمل والتفكير يبدو هذا كله ضرب من الجنون وأمر غير ممكن على الإطلاق.. وعند الفحص والتمعن والتيقن نجد أنه ممكن وحقيقي وقائم منذ 60 سنة في كيان غريب و مريب اسمه كيان الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. إذ أن هذا الكيان قام وتأسس وبني على مثل هذه الأعمال، وحتى أبشع منها بكثير، وأبشع من جريمة قتل الفتاة الأمريكية راشيل كوري التي تحل ذكراها بعد عدة أيام.راشيل التي جاءت الى فلسطين لإيمانها بأن الاحتلال على غير حق، وبأن الشعب الفلسطيني لا بد ان يجد ضالته في الحرية والحياة. دافعت عن المدنيين الفلسطينيين ووضعت نفسها سداً بوجه جرافات ودبابات الاحتلال التي كانت تهدم منازل أهل غزة.

ذات مرة قرر الاحتلال التخلص من تلك الشابة الأمريكية التي جاءت لتكفر عن خطايا حكومات بلادها بحق الفلسطينيين وقضيتهم العادلة. و تخلص الاحتلال من راشيل حين داستها جرافة (بلدوزر) ضخمة وهي تقف أمام منزل فلسطيني معرض للهدم. تلك الجرافة التي تهدم بيوت الفلسطينيين من صناعة أمريكا... لم تفعل الإدارات الأمريكية أي شيء لراحة نفس راشيل شهيدة الدفاع عن العدالة والإخاء والمحبة والحريات. ولم تقم الدنيا وتقعدها كما تفعل حين تكون الضحية إسرائيلية والقاتل فلسطيني، عربي أو مسلم.مع أنها دمرت أفغانستان والعراق بحجة الدفاع عن القيم والحريات والعدالة ومكافحة الإرهاب. أبعد هذا الإرهاب الإسرائيلي في فلسطين يوجد إرهاب في الدنيا قاطبة؟

الجندي الصهيوني المبرمج على قتل كل كائن حي ماعدا أبناء جلدته يعتبر مفخرة الصناعة الفكرية و العقائدية الصهيونية، العنصرية، الاستعلائية في كيان اسرائيل.. هذا الفكر الاحلالي، الاستئصالي، الاجتثاتي، الذي سلب الفلسطينيين وطنهم والعالم إنسانيته وتفكيره ومنطقه. إذ أنه أعطى وطن شعب لجماعات استيطانية مهاجرة من كل الدنيا ضمن مشروع استيطاني، فأصبحت فلسطين بفضل هذا العالم المنحاز تسمى اسرائيل. وبفضل مواقف الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية المنحازة لإسرائيل تموت الأزهار واقفة أو في حدائقها وعلى شرفات المنازل في فلسطين. كما تقتل كل يوم طفلة رضيعة أو تستباح حياة طفل وليد، ويوضع حد لحياة أطفال آخرين وأبرياء من المدنيين الآمنين الراقدين في منازلهم.

الى متى ستبقى جرائم اسرائيل محللة أما جرائم غيرها و إن كانت أقل منها قسوة ودموية وهمجية تبقى محرمة ومدانة ومحاربة وملعونة وملاحقة.. بأس عالمكم ومواقفكم يا دعاة الحريات والتقدم والديمقراطية وحقوق الكلاب و القطط قبل أطفال فلسطين والعراق ...

               

*كاتب فلسطيني ومدير موقع الصفصاف في النرويج www.safsaf.org