أحبك يا ولدي ...

أحبك يا ولدي ...

لبنى شرف / الأردن

[email protected]

شكت لي إحدى الأمهات مرة قسوة بناتها ، ومن أنهن لا يساعدنها في البيت ، ولا يقدرن تضحياتها وما تقوم به من أجلهن، فهمهن أن تقضى طلباتهن وحسب ، ولكنني علمت منها أن زوجها –والد البنات – يعامل بناته بقسوة وفظاظة ، حتى أنه جذب ابنته مرة من عقدها وكاد أن يخنقها به !!! .

وقالت لي أخرى أنها تغدق على أولادها بعاطفتها الجياشة ، فقد كانت في صغرهم ولازالت الآن بعد أن كبروا ، وستبقى حتى بعد أن يتزوجوا تحيطهم بالحب والعطف والحنان والشفقة ، فقلب هذه الأم – كما لاحظت من كلامها – مليء بالحب حتى إنه ليفيض على من حوله ، فكيف بأولادها !! . ولهذه المرأة زوجة أخ ، بخيلة علىأولادها بالحب والحنان ، همها و زوجها في الخروج والسفر والذهاب والإياب ، أما أولادهما فيقضون معظم الوقت مع الخادمة !! ، وكثيرا ما كانت تلوم أخت زوجها – التي ذكرتها آنفا – على حبها الزائد – من وجهة نظرها – لأولادها . ويشاء الله أن تمرض المرأتان ن ولكم أن تتوقعوا كيف تعامل أولاد كل منهما مع أمه المريضة . فأما الأم الحنون فقد تلقت من أولادها معاملة حانية جدا من أولادها ن وأما الأخرى ، فحتى كوب الماء الذي كانت تطلبه ، لم يكن أولادها يحضرونه لها ، بل يطلبون من الخادمة فعل ذلك ، مما ولد الألم والحسرة في قلبها !! .

البيت أصبح تائها    ويكاد يطويه الدمار

لا الأمهات لها به    عطف وليس لها قرار

     هذه القصص ، وغيرها الكثير ، لا تحتاج إلى أي تعليق ، ولكني أريد أن أوجه رسالة إلى كل أب وأم ، أطلب منهم فيها أن يستخدموا لغة العاطفة ، ويفتحوا مغاليق قلوب اولادهم بكلمة .." أحبك يا ولدي " ، ولكن ليقولوها بصدق ، فكلام القلب – كما قال سوار – يقرع القلب ، وكلام اللسان يمر على القلب صفحا ، فلغة العاطفة وهمة وخطيرة في حياة البشر ، والولد إن لم يجد الحب والحضن الحاني والتقدير لمشاعره في البيئة التي يعيش فيها ، نشأ منعزلا ومنغلقا على نفسه ، لا يبوح بمشاعره لأحد ، ولا يرتاح في تعامله مع الناس ، بل إن كثيرا من المشاكل النفسية ، والانحرافات الخلقية ، وتعاطي المخدرات ، والزواج العرفي ، والعصبية ، والتعدي بالضرب على الآخرين ، والعناد ، ... ، تنتج بسبب عدم حصول الولد على حاجته من الحب والحنان ، فكثير من الآباء والأمهات يغفلون عن أهمية القرب المعنوي والحاجات المعنوية لأولادهم ، فشخصية الولد وطباعه يتأثران بشكل كبير بعلاقته المعنوية مع والديه ، وإن لم يحرص الوالدان على إشعار الولد – ذكرا كان أم أنثى – بالدفء الأسري ، فربما سيبحث عنه في الخارج !!! .

ولكن لابد أن ينتبه الآباء والأمهات إلى أن هنالك اولاد يحتاجون للعاطفة بشكل اكبر من غيرهم ، فالإخوة ليسوا جميعا على شاكلة واحدة ، فهناك العاطفي والحساس ، وهناك العقلاني مثلا ، فالمسألة تحتاج إلى الحكمة في التعامل مع كل منهما ، فكل شخصية لها مفتاحها ، ولكن المفتاح الرئيس للجميع هو القلب ، ومن خلاله يمكن الوصول إلى العقل .

والرفق والرحمة متعينان مع جميع الأولاد ، بل إن الأساس في التربية لابد أن يكون مبنيا على الرفق والرحمة ، فالنبي – عليه الصلاة والسلام – يقول :" إذا أراد الله – عز وجل – بأهل بيت خيرا ، أدخل عليهم الرفق " ، ويقول :" إنه من أعطي حظه من الرفق ، فقد اعطي حظه من خير الدنيا والآخرة ..." . ولكن الرفق متعين بشكل أكبر مع البنات ، لضعفهن ورقتهن ، فالنبي – عليه السلام – يقول :" من عال ثلاثا من بنات يكفيهن ، ويرحمهن ، ويرفق بهن ، فهو في الجنة " .

والحزم متعين أيضا ، ولكن الحزم لا يعني القسوة والفظاظة والغلظة والضرب ، فهذه الأساليب تنفر الناس من صاحبها ، فما بالك بأولادك الذين يعيشون معك في بيت واحد !! . يقول تعالى في سورة آل عمران (159) :" فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ..." ، فالقلب الرحيم يشد الناس إليه ، لما يجدونه من صاحبه من رقة وعطف ولين ، يقول عليه الصلاة والسلام :" ... وأهل الجنة ثلاثة : ، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم ،..." ، ويقول :" إن لله آنية من أهل الأرض ، وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين ، وأحبها إليه ألينها وأرقها ".

ولقد كان عليه الصلاة والسلام ارحم الناس بالعيال والصبيان ، بل إن رحمته قد شملت الصغير والكبير ، وما ضرب بيده الشريفة لا امرأة ولا ولدا ولا خادما ، إلا أن يجاهد في سبيل الله ، فقد كان يستخدم أساليب أخرى أرقى في التوجيه والتربية ، كان يربي بالحب ، ويوجه بالرفق واللين ، ويعاقب ولكن دون قسوة أو ضرب أو جرح للكرامة والمشاعر .

فيا أيها المربي ، من أولادك من يتأثر بالنظرة ، ومنهم من تؤذيه الكلمة ، ومنهم من يتألم إن أعرضت عنه ، فمثل هذه الأساليب تغنيك عن الضرب والقسوة ، بل إن من الظلم أن تتعدى على ولدك بالضرب إن مانت هذه الأساليب تجدي في تربيته ، فكن رحيما وعامل أولادك بحب وشفقة ، فالنبي عليه السلام يقول :" ارحموا ترحموا ، واغفروا يغفر الله لكم .." ، ويقول :" خاب وخسر من لم يجعل الله في قلبه رحمة للبشر " .

يقول الأستاذ محمد قطب في كتابه القيم " مناهج التربية الإسلامية " : ينبغي أن يكون المربي حسن الإعطاء وإلا ضاع الأثر المطلوب أو انقلب إلى الضد حين يعطي المربي ما عنده بطريقة منفرة ... فقد تحب طفلك وتحب له الخير ، ولكن طريقتك في تقديم الخير إليه تشككه في حبك له ، وتوهمه أنك تكرهه ، وأن توجيهاتك له صادرة عن البغض لا عن الحب ، لأنك تقدمها إليه في صورة فظة لا رفق فيها ولا لين .

فيا أيها الآباء ، ويا أيتها الأمهات ،كونوا رحماء بأولادكم ، ولا تبخلوا عليهم بالحب والعطف والحنان ، وصادقوهم ليفتحوا لكم قلوبهم ، ويبوحوا لكم بمشاعرهم ، وافتحوا باب الحوار بينكم وبينهم ليحدثوكم عن أفكارهم وهمومهم ، وانهجوا نهج نبيكم عليه الصلاة والسلام في التوجيه والتربية ، لتنشئوا جيلا صالحا متزنا ، يتعامل مع الناس بوضوح وصراحة ، وانفتاح وقوة وثقة وعطاء .

وتذكروا قول الحبيب المصطفى – عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم - :" إن الرجل لترفع درجته في الجنة ، فيقول : أنى لي هذا ؟ فيقال : باستغفار ولدك لك ". فأعينوا أولادكم على بركم والدعاء لكم في حياتكم وبعد مماتكم ، ولا تضطروهم لأن يعقوكم وأن يدعوا عليكم ، كتلك التي حرمها أبوها من الزواج ، فقامت تدعو عليه في كل ليلة صلاتها !! ، وتلك التي دعت على أبيها وهي على فراش الموت ، بأن يحرمه الله من الجنة كما حرمها من الزواج !! .

فاتقوا الله في أولادكم ، وبروهم قبل أن تطلبوا منهم أن يبروكم ، واعلموا أن الرحمة تأتي بالرحمة ، وأما القسوة فلن تأتي إلا بالقسوة ! .

ربنا ... هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ، واجعلنا للمتقين إماما ... اللهم آمين ، والحمد لله رب العالمين .