فاجِعةُ كِتابٍ في أمَّةِ الكِتابِ
فؤاد وجاني
لِمَ البكاء يارفيق الدرب وقد أكرمك الرحيم الرحمان ُ، وأودع مُضغتك سرَّ كلام لم تأت به إنس ولاجانُ ، وسما بك عن ذلة عيش مقام الفصح والتبيان ُ ، فيكفيك فخرا أن أطيب ألوانك كلامُ الله قرآن ُ، وحسبك عزا شفاعة القارئين يوم يقوم بالقسط ميزانُ ، فلاتحزنن لعصر الرقص والراقصين وخواصر تهزها قيان ُ، فقد ولت أيام الجاحظ لغير رجعة وولى ذاك الزمانُ ، هذا عهد اللهو والمزمار يجمعهم والطبلة يقرعها الشيطانُ ، دعهم ومايحركون مثواهم جميعا حطب هم وقودها والنيرانُ ، و جهل في الدنيا يغمرهم وعصا تفرقهم ويوحدهم كفرانُ ، فلست تالله اليتيم الهالك بل جاحد لفضلك ضال ولهان ُ، فلم يضر الراعي الحكيم يوما غدر أصحاب ولاعابه هجرانُ ، إنما العيب يلحق القطيع والقاصية يزيدها النقصانُ ، فلاتقصن من قميص الدجى غلافا لحداد مصيره النسيانُ ، لن تُسمع الجماد كلاما فالفكر جنة لايدخلها حيوانُ ، وهبْ نفسك للذين أخلصوا في حبك وشغفهم الامتنانُ ، ولاتعد عيناك عن أهل القراءة فالمحراب أنت وهم الآذانُ .
وامدح مَن بين ثناياك خاشعا قضى عمره وأعانه ليلٌ سهرانُ ، واسق أرواح جرير وفرزدق وحلاج وبن برد عطرا ومن نحوهم نحا أخلدهم البيانُ ، وخطط بمداد السحاب في العلا نابغة وبن شداد وأعشى وحاتما ومن هم للقلب ترجمانُ ، وانثر باقة الأزاهير على العقاد والمازني ونعيمة وشكري مأواهم الطِّعانُ ، وسجل من بالقلم عزف عود الشعر ومن بقيثارة النثر هيْمانُ ، ولاتنس واحدا من أهل نثر أو شعر فتلكم صنعة لايتقنها سوى من أحبه المنانُ .
واذكر عندك أنَّا اليوم قد فُطمنا عن أم العلم والأدب بغداد غدا يحكمها محتل جبانُ ، خاط لها على مقاييس الجهل أثوابا حسدا يحسب الجمالَ تقبِّحهُ الأكفانُ ، من قبلُ هولاكو مزق كتبها ودهس بالخيل خليفتها عساها عساها تهانُ، وبالأمس بوشُ الكرَّة عاودَهَا علَّ الصغيرَ يفلح فيما أخفقه الكبيرُ الخيبانُ ، لَا والله تلكمُ المجد بين حديها اللحد أو المهد ليس لتحديها في الكون صنوان ُ، فلا تغضبنَّ لرحى الفصول تدور دورتها فبغداد في التأريخ للربيع عنوانُ.
باسم رب القلم نقرؤكَ وباسم رافع السما فوق رؤوسنا نرفعكَ وكلنا إيمانُ ، الشمس تشرق بعد مغربها وشعلة النار من بعد خمادها أولها دخان ُ، والأنفس تواقةٌ لمجد الكتَابِ بعد أن أقعدها لقرون الظلام هوانُ ، هيهات هيهات إن صحت أمتك فلن تذلَّ بعد صحوها للنوم أجفانُ .