حدس أنثى
فؤاد وجاني
كم عظيمة هي المرأة ، كم رقيقة هي ، وكم ضائعة هي في الساعة العربية المعطلة . يتجاذباها طرفان فاشلان إما الغرق في مستنقعات الحرية الكاذبة أو الأسر خلف جدران الظلام العاتمة ، وكأن مصيرها الحتمي فقدان أنوثتها في كلا الحالين. أقول هذا الكلام ونفسي حزينة على مقام المرأة اليوم ، فهي إما حاملة أعباء بيت وكاسبة لقمة عيش أو مترفة مبتذلة لاهم لها ولا مشروع حياة . لن أطرق ههنا باب المسؤوليات ولن أدخل قوس التحليلات ، لكني سأعود بكم الى الوراء لنلقى امرأة عبقرية ليست كأغلب نساء اليوم لأنها لم تفقد حاستها الفطرية ، وتجاوزت قيمتها المادية، امرأة جمعت بين الروح والجسد والدين والدنيا والواجب والرغبة ، امرأة تعالت بروحها فأصبحت هديا يهتدى به ومثلا يحتذى حذوه . اسمها ليلى ، وليست ليلى العامرية ، لأنها جمعت بين قوة الاسم والمسمى ، وجمال المعنى والمبنى ، وأسطورة الخيال والواقع ، تلكم هي ليلى بنت أبي حثمة . لن أتحدث ههنا عن اسلامها المبكر ومبايعتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحملها للأذى من قبل المشركين وهجرتها بصحبة زوجها عامر بن ربيعة إلى أرض الصدق أرض الحبشة ، لكني سأتحدث عن حدس الأنثى الذي نسيه الرجال ، ونكره عليها جلهم ، بل وغادرته هي نفسها ، هذه المرأة تنبأت بإسلام أعتد المشركين وأقواهم وأعندهم وقتها ، ورأت فيه رقة قلب لم يرها أحد من المسلمين
كانت قد شدت الرحال في هجعة الليل لهجرة الديار الى الحبشة بصحبة رفيق دربها وخليل عمرها عامر بن ربيعة ليسألها عمر بن الخطاب : إلى أين أم عبد الله ؟ ، فتجيب ليلى إجابة تختزل معاني الحجة والمحصلة والثقة بسلطة الله العالية وكأنها تلبي قوله تعالى (ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها؟) : "قد آذيتمونا في ديننا فنذهب في أرض الله. أبهرت الاجابة البارعة عقل عمر بن الخطاب ، وشلت غيرته على الشرك ، ولانت لها عداوته للدين الجديد لينطق لسانه:
" صحبكم الله! " .
أخبرت ليلى زوجها بطمعها في اسلام عمر بعد ماقاله ، لكن عامر بن ربيعة سخر من قولها : " والله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب ! ".
وصدق حدس ليلى وخاب رأي عامر ليسلم عمر بن الخطاب ويقود الأمة الجديدة في سنوات معدودة لتخوم الفرس والصين وأوروبا .
إنه حدس حواء ، ذلك هو الضلع الأعوج الذي لايخيب أبدا ، ويرى بفطرته مالاتستطيع عيون الرجال رؤيته . لقد أثبتت ليلى بنت أبي حثمة أن عقيدة التوحيد التي ترتكز على ثلاثة أضلع هي الإيمان والهجرة والجهاد لابد لاستقامتها من ضلع رابع أعوج يكملها ، ألا وهو حدس المرأة المؤمنة ، فإياكم ثم إيانا من الاستهانة بحدس الأنثى .