يوم ميلادي التلفزيوني
هنادي نصر الله
لم يكن يوم الحادي عشر من شهر نوفمبر تشرين الثاني عاديًا في حياتي، كإنسانة حالمة أولاً ، وطموحة ثانيةً ، وصحفية غير عادية أيضًا..
ففي هذا اليوم اخترقت حاجز الصمت الذي راودني فترة طويلة، ودشنت بإصرارٍ وتماسك مرحلة جديدة في حياتي وهي مرحلة صناعة التقارير التلفزيونية" بكل ما تتضمنه من مشقة وعناء وإبداع وانتماء..
الحادي عشر من نوفمير، هو يوم ميلادي التلفزيوني، هو يوم إطلالتي إلى العام بأسره؛ فالبداية كانت بتقريرٍ إخباري في أول نشرة إخبارية لقناة القدس الفضائية التي لازلت تخطو خطواتها في عالم الإعلام المرئي، كان تقرير يحمل معاناة مليون ونصف مليون محاصر، من خلال سرده لأزمة الوقود التي ما أن تختفي ملامحها في غزة المحاصرة حتى تعود مجددًا؛ مشهدٌ مؤلم عكس الحصار المشدد الذي يأبى إلا أن يسلط سيفه على رقابه الأبرياء؛ ليخنقهم من البر والبحر والجو!!..
لا أُخفي كم كانت أعصابي يومها مشدودة؛ وتوتري ظاهر إلى العيان، فقد جئتُ إلى عملي يومها؛ وحتى الساعة الحادية عشرة والربع وأنا جالسة أتصفح مواقع الإنترنت المختلفة، وفجأة أتابع بريدي الإلكتروني" الآنسة هنادي بعد التحية نريد منك تقريرًا عن أزمة الوقود في غزة، يجب أن تنجزيه اليوم"!!
لم أدرِ ما الذي جرى
بداخلي؛ وأي مشاعر احتوتني وقتها، وأي تشجيع هذا الذي نقلني من عالم اليأس إلى
الحيوية والثورة والنشاط؟ فهذا أول تكليف رسمي أتلقاه وفي يوم انطلاقة القناة، حقًا
إنها المفاجأة الجميلة والرائعة!!.
انتقلت بسرعة وأنا أبتسم؛ أذكر يومها أني كنتُ أوزع الإبتسامات في الميدان على من
أعرفه ومن لا أعرفه؛ أدقق في كلمات نهاية التقرير" ستاند أب"
standup، أدور في الشارع أرددها مرة وثانية
وثالثة، أشعر بنشوة الإنتصار؛ وأصر على استكمال المشوار والدرب..
سبحت الله، وشكرته، ودعوته أن يوفقني وأن يجعل انطلاقة قناة القدس التي أعمل بها؛ بداية خير وفاتحة سعادة لي ولجميع المخلصين من حولي، ولا أنكر أنني قبل الإنطلاقة دعوته ـ جل وعلا ـ أن لا يُضيع تعبي ونحن نُجري الترتيبات والتدريبات تحت الهواء، دعوته أن أكون مميزة وصاحبة الإطلالة الأولى في غزة؛ علني أريح نفسي المتعبة بعدما ضايقني موقف هنا وآخر هناك، فكان ما أتمنى بعد أن أخلصت نيتي لله عزوجل؛ حقًا من يتقِ الله فهو حسبه، ومن يعمل خيرًا فله أجره...
هي الهمة التي رافقتني منذ الصغر، ولا زلت تكبر فيّ؛ لتخلق مني إنسانة متمردة على الظلم؛ سيما ظلم إنكار الجهود وقمعها؛ أو النظر إلى الآخرين المبدعين بدونية وحقد..
أحببت الحادي عشر من نوفمبر، فهو يوم انطلاقتي وانطلاقة قناة القدس، بل انطلاق الإعلام الفلسطيني الموحد والجامع لكل ألوان الطيف؛ أحببته لأنه كان اليوم الذي وضع حدًا لحالة إحباطي وتخبطي بين صراعاتي النفسية حينما أراقب عن كثب أمرًا هنا أو هناك !!
أحببت الحادي عشر من نوفمبر، لأنه اللبنة الأولى التي سيرسم من خلالها مرحلة الوفاء والعطاء والتضحية، بل مرحلة الثوابت الإعلامية بكل ما تحمله من كلمة، فالمحافظة على خيار الوحدة يجب أن يُتوج برسالة إعلامية موحدة، والمحافظة على حقوق الأسرى والجرحى والشهداء والقدس واللاجئين والمبعدين يجب أن يكون وراءه جهدًا إعلاميًا توعويًا تثقيفيًا، وهو ما وضعته القدس نصب أعينها وترجمته على أرض الواقع خلال عام كامل من انطلاقتها؛ وما زالت تثبتُ أقدامها في الأرض كجذوع النخلة الشامخة؛ علها تنقل الواقع كل الواقع بلا رتوش ولا تكلف ولا تلوين..
فتحية لكل من وقف مع القدس، وهتف بقوة ودون نفاق" القدس موعدنا" تحية لكل من شجع المخلصين، ووقف معهم، تحية لكل من يقف وراء هذا العمل الرائع، تحية لكل من ساند بالقول والفعل معًا، وأقول هنا تحية لكل من أعطاني الثقة من إعلاميي الداخل والخارج على حدٍ سواء..
تحية لمن وقف معي في لحظة تعبي، وكان له دور مهم في صقل شخصيتي؛ بالتغاضي عن أوجاعي بل ومرضي في بعض الأحيان، من خلال متابعة عملي لا التوقف عنه وانجاز تقريري على أكمل وجه..
فقد كان للمشجعين دور كبير في إكسابي الخبرة، وكان لإلحاحهم أن نعبر عما يدور بداخلنا من قلق دور كبير في استيعابي وتفهمي كإنسانة نشيطة، تحية لكل مسئول عن عملي أرهقته بإشارات التنبيه بعد أقل من خمس دقائق على إرسالي ( السكريبت) أو ما يعرف بالتقرير؛ ليدققه ويصححه، تحية له عندما يستوعب حرصي على الإنجاز وعدم التأخير..
تحية لكل من أعطى وقدم لنا خبرته على طبقٍ من ذهب بكل تواضعٍ، تحية لكل من شجعني على أن أخرج إلى الهواء مباشرة في أول لايف مباشر لي وكان يومها عن أول إذاعة للمعاقين في دير البلح بغزة..
تحية لكل من وجهت له النقد يومًا؛ وفهم قصدي واستوعب أن هناك فروق فردية بين البشر، وأدرك بحق لا مجاملة أنني أمتلك ما لا يمتلكه غيري؛ تحية لكل من قدم لي التهنئة بإطلالتي على الهواء وتحية أيضًا لمن نظرّ لي بنظرة لم أفهمها ولم يتمتم بشيء!!...
تحية للجميع ، كل الجميع، ولأن القدس موعدنا، سأبقى متمسكة بمبادئي الإعلامية، بالمهنية والحيادية كي أصل إلى مشوار الألف ميل بعد أن قطعت خطوة من خطواته الطويلة...