رحلة ممتعة ولكن
د.محمد إياد العكاري
ما أسعد المرء حين يتبصر في أمره، ويستبصر بحكمةٍ في أمور حياته ،ليصوغ مستقبله بنفسه، ويخط سعادته بيديه
والحديث هنا يقودنا للحديث عن رحلة ماتعة ليست كأية رحلة، ومركبها ليس كأيِّ مركبٍ،
ويالها من منيةٍ يتمنى المرء تحقيقها في حياته
هي رحلةٌ أنيسةٌ مع كتابٍ نقرؤه على صفحات العمر نحن أبطاله
وإبحارٌ في خضمٍ على متون الأماني نحن البحارة فيه
وسفرٌ دائم بنا على مراكب الأيام ، و إدلاجٌ لنا في خبايا لياليها
وما أحلى مراكب تلك الرحلة ،وما أبهى سفنها كأنها السِّحر بذاته
فمرآها الجمال، و محياها السَّعد والكمال،و مناها الحبُّ والوصال
لا يبصر الطالبون لها في سفرهم إلا قطع التذاكر،ولا ينظر الراغبون بوصالها إلا الركوب فيها
ولا يتراءى الحالمون بها إلا جمالها وشكلها دون أن يكون لأغلبهم الاستبصار في حقيقة تلك الرحلة
ولا الإعداد لها، و استشراف مداها ،ومعرفة قصدها ومغزاها.
أجل هي رحلةٌ ممتعةٌ في عالمٍ رحبٍ، وانطلا قٌٍ بشوقٍٍ في آفاق الحب
وإبحارٌ في فضاءات الجمال على مطايا الأحاسيس
الخيال حا لمٌ ، و الأجنحة محلِّقة ،والأجواءُ شاعريَّة ، والآمالُ ورديَّة
تتباهى كقوس قزحٍ يتما يس على جبين الأُفق
رحلةٌ تتوق لها القلوب حُبَّاً، وتُزغرد لها الأعماقُ قُرباً، وتبتهجُ الأرواح بها وصلاً
أما مراكبها وسفنها فيالها من مراكبٍ وما أروعها من سُفُن
يتكوَّن كلٌ منها من امتزاج روحين تفاهماً، و تلاقي قلبين تعاهداً
والتقاء فكرين تقارباً ،وتعانق جسدين تحابباًً ،
هو ذياك المركب مركب الحياة الزوجية وهو كوخ الأحلام
يتيه بمحبتهما وتفاهمهما ، ويحلق بودهما وتعاونهما
ليحولهما كياناً واحداً،وقلباً واحداً ،وروحاً واحدة أسرةً متفاهمة
فيفوح بذلك الطيب، ويسعد الحبيب،وترفرف السعادة طيوراً تهمس الشوق، و تغني الحب، و تعزف الود
وجلَّ سبحانه وتعالى بقوله:
(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل بينكم مودة ًورحمة إنَّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون)21 الروم
إنَّه مركب الحياة الزوجية الذي يمتطيه فارسٌ حالمٌ على حصانٍ أبيضٍ له جناحان يأخذ حورية البحر الجميلة
ويطير بها محلقاً بأجنحة الحب سابحاً في آفاق السعادة ويا لروعة المنظر، ويا لجمال التحليق، ويا لأنس الوصال
ولكن ما إن يصل المرء لمركبه المنشود ويجتمع مع حبيبه وحلمه الموعود في بيت الزوجية، وكوخ العشرة
حيث تمضي سفينهم في لجج الحياة حتى تبدأ رحلة الحقائق ، وتبرز المخاطر والعوا ئق ،ليتبين أن الأمر رهان
وليستشعر المرء بالتكليف ، ويشعر بالمسؤولية والعبء الملقى على عاتقه فليس الأمر رغداً دائماً ولا قطراً هاطلا
فإنَّ تعاقب الليل والنهار ،وركوب الأهوال والأخطار هو سمت الرحلة في البحار
حيث ستتناوش المركب الأنواء ،وتتقلب في محيطه الأجواء ،وتبرز العقبات
فتارة تهب، وتارة تعصف، وبأخرى يرتجف البحر وترتفع الأمواج وهكذا
والحال يتطلب منهما الاستعداد، ومهارةً في الإدارة والقياد
وهنا يأتي دور الربان ومساعده ، والقبطان ومعاونه، والزوج وزوجته
فبهما يرتفع شراع السعادة في تلك الرحلة مرفرفاً ليمضيا به إلى شواطئ الأحلام
وباختلافهما وتنافرهما تحيط بالمركب الأخطار من كل مكان ويمسي حالهما في خبر كان
فكلٌ منهما عليه أن يكون للأخر روحاً ومدداً، وقلباً وعضداً، و عيناً وسنداً
وأن يتفهم كلٌ منهما الآخر و حاجاته العاطفية والنفسية
ومتطلباته المادية والفكرية، وأشواقه الروحية والجسدية.
ليكون كلٌ منهما مستنفر القوى لراحة الآخر، متيقظ الأحاسيس لسعادته
واعياً متفهماً له ولحاجاته، فما أروع الا نسجام إن تم ، وما أعظم التفاهم إن عم
حيث الإبحار والوصول إلى شواطئ السعادة،وسواحل الهناء ، وخلجان الهدوء و الأمان.
تُرانا نراعي مراكبنا الجميلة ،ونحسن إدارتها وقيادتها في لجج الحياة
وهل نحسن تهيئتها وإعدادها بالتفاهم والثقة المتبادلة و نحصنها بالتعاون والاحترام المتبادل بين الطرفين
لتكون بنا معاً أجمل رحلة و يكون لنا فيها أمتع إبحارٍ نبصر فيه دنيانا الجميلة.
ليتنا نفعل ..... ليتنا نفعل .....