أعداؤنا أرحمَ بنا منّا!
عبد الله عيسى السلامة
يصرخون بملء أشداقهم، كل يوم، بل كل ساعة: "نحن أعداء لكم، وسوف تدمركم، فمن كان لديه عقل منكم فليتنبّه"..!
هذا ما تصرّح به أفعالهم، وما تعجّ به تصريحاتهم وتحليلاتهم وأقوالهم..! فبم نجيبهم دائماً: "لا.. أنتم الخير والبركة.. أنتم المدنية والحضارة.. أنتم الحب والصداقة.. أنتم العلم والتكنولوجيا.. أنتم الأمن والسلام.."!
يزعقون في وجوهنا بتحدّ فظ عجيب: "نحن أبالسة.. نحن ذئاب.. سوف نمتصّ دماءكم، وقوتكم، وحليب أطفالكم، ونفطكم، وعقولكم، وضمائركم.. سوف نخرب بيوتكم، ونحتلّ أراضيكم، ونستأصل جذوركم.." فنقول لهم باسمين: "بل أنتم الطهر والنقاء.. والثقافة والأدب.. والإنسانية الرفيعة.. أنتم الحق والعدل والجمال.. هيهات أن يصدر عنكم سوى الخير المحض، لنا ولنسائنا وأطفالنا.. ولحاضرنا ومستقبلنا.. لذا لن نخشاكم.. وكيف نخشى هذه القمم السامقة، من التمدن والرقيّ، والحضارة والموضوعية، والعدل والإنصاف.."!؟
يرفعون الأقنعة المزركشة عن وجوههم الكالحة وأنيابهم الزرقاء.. فنبادر بأيدينا لنلبسهم الأقنعة من جديد.. وإن تخرّقت صنعنا لهم في ديارنا أقنعة جديدة، أشد بريقاً، وأجمل زخرفة.. وغطينا بها وجوههم من جديد، ووقفنا ننظر إليهم بأدب واحترام.. ودونيّة غريبة..!
نقرأ على جباههم، وفي عيونهم عبارة: "نحن الكفرة الفجرة" فنلصق فوقها أوراقاً مكتوبة بخط يدنا: "بل أنتم الكرام البررة".
يزيحون عن ساحة الصراع أطرافاً من الستائر المضللة، التي موهوا بها هذه الساحة طويلاً، لتبدو على حقيقتها، سافرة رهيبة" "كفر يصارع إيماناً.. وباطل يحاصر حقاً.. وظلم يطوّق عدلاً.." فنغمض عيوننا رهبة، ونسارع إلى إسدال الستائر من جديد، متمتمين بغباء نادر شاذّ: "لا لا.. ليست الأمور بهذه الحدية، وليس الصراع به1ذه الحدّة.. ولسنا متطرفين، ولا متعصبين، ولا متزمتين، حتى ننظر إلى طليعة الصراع بهذا المنظار القاتم.."!
يصفعوننا وهم يتوقعون أن نعض يدهم..
فنقبّل هذه اليد بنشوة لذيذة.. وننحني بصَغار مخيف، لنقبّل التراب الذي يمشون عليه.
يكيدون لنا ليلاً نهاراً.. ويهددوننا قولاً وفعلاً.. ويصدُقون في كل ما يقولون ويفعلون.
فلمَ؟ لم لا نصدقهم؟ لم نكذب على أنفسنا، ونفترض أنهم غير صادقين؟ الجواب في غاية البساطة:
لو صدقناهم، لاقتضى هذا التصديق منا موقفاً.. موقفاً نكون فيه رجالاً أو بشراً.. أو.. أو مخلوقات حيّة تدفع عن أنفسها الأخطار.. فهل نحن مؤهلون لاتخاذ مثل هذا الموقف؟
الجواب: الآن.. لا.. والمستقبل غيب لا نعلمه..
إذن.. فلنظل نكذب على أنفسنا، مفترضين أن أعداءنا غير جادّين في سعيهم إلى ذبحنا.. أو.. إزالتنا من الوجود..
أفليس أعداؤنا أصدق معنا منا؟!
أوليسوا أرحم بنا منا؟!