مَارِد !..
خواطر نازفة (8)
مَارِد !..
بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف
وَقَفَ المارِدُ فَوْقَ البيتِ الأبيضِ مَزْهوّاً !..
عَبَسَ .. تَجَهَّمَ .. أرْغَى .. أزْبَدَ .. هَدَّدَ .. وتَوَعَّد !..
قَدِمَ الحارسُ .. سلّمهُ نَبأً مَكْتوباً :
قَتْلَى .. جَرْحَى .. أَسْرَى .. حَمْقَى !..
سَعَلَ .. عَطَسَ .. جَفَّ الرِّيقُ .. اصفرَّ الوَجْهُ .. ارْتَعَدَ المارِدُ .. فَتَلَفّت !..
خَابَ .. وخَسِرَ .. وأُدخِلَ في جُحْرٍ .. وَتَنَهَّد !..
دِجْلَةُ يَهدُرُ !.. شَطُ العَرَبِ يُزَمْجِرُ !..
بغدادٌ تَلْفُظُ أشلاءَ المارِدِ وعِظامَه .. ومَزاعِمَ تَحْريرِه !..
والفَلّوجَةُ عِفريتٌ :
يَظهَرُ .. يَظهَرُ .. ثم يَغيبُ !..
وحِينَ يَغيبُ .. يَعودُ فَيَظهَرُ !..
أما المـَوْصِلُ .. والأنبارُ .. أما سَامُرّاءُ وبَعْقوبَةُ والبَصْرَةُ .. أما كَرْكوكُ وتَكْريتُ وبَابِلُ .. في لحظاتِ الوطنِ الغالي :
تَزْفُرُ .. تَزْأرُ .. تَتَنَهَّد !..
فَتَحْصُدُ أنفاسٌ للطُهْرِ :
العشرينَ .. أو السبعينَ .. أو المئتَيْنِ .. أو الألفَيْنِ .. مِنْ يأجوجَ ومأجوجَ .. وعُبَّادِ الغَرْقَد !..
اسْتَنْفَرَ حامِدُ .. نَهَضَ الصّامِدُ :
هُوَ ذا المارِدُ .. هَذا الجامِدُ .. ذَاكَ الخامِدُ .. هُوَ ذا الهامِدُ !..
فَلْنَسْتَنْفِرْ .. فَلْنَتَقَدَّمْ !.. حامِدُ هَيّا .. هَيَّا تَقَدَّمْ !..
زَمْجَرَ حامِدُ وحَوامِدُ بغدادَ !..
فَدَاسوا الهامِدَ .. بَطَحوا الجامِدَ .. سَحَلوا الخامِدَ !.. قَذَفوا المارِدَ في بئرٍ للنِّفْطِ :
اشْرَبْ .. اشْرَبْ :
نِفْطَاً .. زَيْتاً .. غَازاً !.. حتى تشبَعَ !..
اشْرَبْ .. اشْرَبْ .. حتى تَثملَ !..
غَاصَ المارِدُ .. غَرِقَ .. تَلاشَى .. أصبَحَ ذِكْرَى !..
أصبَحَ نِفْطَاً .. زَيْتاً .. غَازاً !..
أما دِجْلَةُ !..
فدِجْلَةُ يَجْري .. يَهْدُرُ .. يَجرِفُ .. يَغضَبُ .. يَرْوي العَطْشَى !..
يَغسِلُ .. كلَّ قَذاراتِ الطُغيانِ !..
يَرْوي زَهْرَةَ بغدادَ ونَخْلَتَهَا .. وكُنوزاً داخِلَ تُرْبَتِهَا !..
وجَدائِلَ مَجْدٍ .. عِندَ ضَفائرِ نَهضَتِهَا !..
دِجْلَةُ يَجْري .. لَم يَتَوقّف .. لَم يَتَلفّت .. لَم يَسْتَسْلِم لِخُرافاتِ الباغي المارِد !..
دِجْلَةُ جَعَلَ المارِدَ : قَزْماً .. صُعْلوكاً .. أعْمَى !..
دِجْلَةُ جَعَلَ المارِدَ : بِسْطاراً أجْرَد !..
بَلْ .. جَعَلَ المارِدَ : صِرصَاراً أمْرَد !..