شيء من رحيق الأمس 2

شيء من رحيق الأمس 2

سليمان عبد الله حمد

[email protected]

هذا الرحيق يعيد المسنين الى زمان الصبا – لن تغيب تلك الصور من ذكرتنا كان زمنا جميلا على الرغم من عدم توافر وسائل الراحة الحديثة ...

ذكرنا في مرة سابقة اننا سوف نقوم بإعادة نشر المقالات الست عن الثقافة الريفية وقد اعدنا المقال الأول واليوم نعيد المقال الثاني في هذه السلسلة.

فاليوم نعود لأخذ الشباب في رحلتنا السياحية وكما بدأنا المرة الماضية بمفحضة امي نبدأ اليوم بجزلان ابي حيث هو تؤام المفحضة فالجزلان هو محفظة كبيرة نوعا مقارنة بالمفحضة او محافظ اليوم ومصنوع من الجلد ويتشكل من عدة طبقات وأخر هذه الطبقات متحركة أو سائبة وتغلق الجزلان بواسطة زرار او كبسول مثبت على الجزء الثابت منه وهذا هو الذي به فتحة او ثقب يدخل فيه الكبسول المثبت على الجزء المتحرك وبذلك يغلق الجزلان وعند فتحه يتم فصل الاثنان من بعض وقد كان الجزلان كبير بالذات عند اهلنا في الجزيرة وفي المرحلة التي سمعنا عنها ولم نعشها مرحلة الطفرة في الخمسينيات كانت شبيهة بطفرة الخليج حيث كان العائد من القطن مبالغ كبيرة مما دفع شيابنا للزحف نحو المدينة والزواج هناك ويحكى ان بعض المزارعين يكون له جلسة سمر في الحصاحيصا ويؤجر عربية من هناك الى منطقة المعيلق ليراقب الموية في الحواشة ويعود مرة آخرى لتكملة السمر.

الخرج بضم الخاء والخرج نوعان واحد مصنوع من الخيش وهذا هو السائد او التيل وهذا نادر وفي هذه الحالة يقوم الشخص بأخذ شوال فاضى وطبعا الشوال مقفول من ثلاثة جهات ومفتوح من جهة واحدة ويكون مستطيل فيقوم الشخص بفتح الجهتين اللتين على الطول ثم يقوم بثني الشوال بعد ان يصبح طويل يثنيه في اتجاهين متقابلين حتى يشكل عينين متساوين تماما ويترك بين هذين العينين مسافة في الوسط تترك مفتوحة وتتم خياطة الجوانب الآخرى وبذلك يصبح الخرج جاهز لحمل الاغراض المختلفة من ادوات الزراعة الكوريق والطورية وجالون الموية والمخلاية الفيها كسرة الفطور في الخلاء بالموية أو العكارة والعكارة هي عصير يتم صنعه من الكسرة اللقمة واللقمة تعني العصيدة بعد اضافة الماء له من الترعة او ابوعشرين وتفتيت الكسرة داخل الماء ودعكها بالأصابع حتى تصير عصير ويتم شرابها مع اضافة السكر او بدون او قد تؤكل الكسرة بعد صب شوية موية عليها معه شوية ملح وشطة. ونرجع للخرج فايضا له استعمالات آخرى ينقل فيه القش او الخضار أو الاغراض من السوق وطبعا الخرج يوضع على سرج الحمار او الحصان ويجب ان تكون الاحمال أو الاوزان متساوية بين عيني الخرج حتى لا يسقط. اما النوع الثاني من الاخراج فهو مصنوع من الجلد المدبوغ بالقرض ويصنع بنفس الطريقة بحيث تكون له عينان متساويتان تماما وبينهما مسافة في الوسط هي التي توضع على سرج الدابة وبالإضافة لذلك لهذا النوع من الاخراج فتحة لكل عين في الناحية السفلية الطرفية للعين حيث يتم ربط خيط عند هذه الفتحة ويتم ربط الفتحة تماما بهذا الخيط ويستخدم هذا النوع من الاخراج في نقل الماء من مصادره وكان مشهور عندنا في الجزيرة قبل انتشار الآبار الارتوازية حيث كان الناس يعتمدون على الآبار السطحية وماء الترع وبالذات من الترع ينقل الماء بواسطة الخرج حيث يقوم الخراجي او السقا باستخدام صفيحة لملأ الخرج بحيث يملأ العينين ويحافظ على صب الماء في العينين بالتبادل حتى يمتلئ الخرج وعندما يعود للمكان المراد افراغ الماء فيه فانه يستخدم ايضا هذه الصفيحة بحيث يفرغ العينين بإزالة الخيط من الفتحة الموجودة على احد العينين وعند امتلأ الصفيحة يربط الخيط مرة اخرى ثم يعود للعين الثانية وهكذا بالتبادل والتساوي حتى يحفظ التوازن الى ان يتم تفريغ كل الماء اما اذا كان الماء المجلوب يراد استخدامه في اغراض البناء فان الحمار يدخل داخل الحوض ويقوم الخراجي بفتح الفتحتين في وقت واحد فينساب الماء من الخرج داخل الحوض. وطالما الحديث عن وسيلة جلب الماء فهنالك الدلو المصنوع من الجلد والذي يربط بحبل طويل يصل الى عمق البئر السطحي حيث ينزل الدلو الى عمق البئر وبعد امتلائه بالماء يسحب الحبل الى اعلى الى ان يخرج الدلو من البئر ويفرغ الماء في اناء ويعاد مرة آخرى للبئر الى ان يكتفي الشخص من كمية الماء المطلوبة وعندما تطورت الامور نوعا استخدم الناس نظرية البكارة فيربطونها على ما يسمى العضلة وهي قطعة خشب من النوع التقيل على خشم البئر ويتحرك عليها حبل الدلو مما ساهم في اختصار الوقت والجهد. كذلك من الوسائل التي كانت مستخدمة في جلب الماء ما يعرف بالجوز ومن اسمه تفهم انه مكون من اتين وهي صفيحتان يتم فتحهما من اعلى كليا أو جزئيا ويثبت عود او قطعة من الخشب اعلى خشم الصفيحة ويدق بالمسامير ويربط فيه حبل متساوي على الصفيحتين ويكون على اقل تقدير اقصر من طول الشخص الذي سوف يحمل الجوز وتعلق هاتان الصفيحتان كل واحدة من الحبل المربط على العود يعلقان على طرفي عود يسمى عود الجوز وهذا العود هو الذي يضعه الشخص على ظهره بحيث تكون الابعاد بين كتفه وموضع الصفيحة متساوي بين التي على اليمين والتي على اليسار حتى يحفظ التوازن ويذهب بذلك الجوز فارغا الى البئر او الى الترعة ثم يملاه بالماء ويحمله على ظهره ويعود به الى البيت وقد يحمل الجوز على الحمار باستخدام العود أو بدونه وفي هذه الحالة تربط الصفائح مع بعضها على سرج الحمار ويمكن حمل اكثر من صفيحتين ولكن يجب ان يكون العدد زوجي لحفظ التوازن وفي هذه الحالة وهي حالة عدم وجود عود الجوز يجب ان تكون فتحة الصفيحة ضيقة حتى لا ينساب الماء منها وقد يكون الجوز من الصفائح الحديدية او من الجركانات البلاستيكية وبذلك نكتفي وسوف نواصل بإذن الله ان كان في العمر بقية.

سبق وأن نشرت ستة مقالات متتالية عن ثقافتنا الريفية واليوم بإذن الله سوف أبدأ في اعادة نشرها مرة آخرى حتى يتمكن شبابنا الذين لم يطلعوا عليها من قبل الاطلاع عليها لكي تعم الفائدة بالذات بالنسبة لشبابنا الذين ابتعدوا عن الريف وحتى الذين لا زالوا يعيشون في الريف يجهلون الكثير عن هذه الثقافة والتي اندثر معظمها وأصبح ذكريات من الماضي لا يعيها إلا جيلنا ومن سبقه.