كما يقول المثل
جلست مع ابنة جارتي الحديثة عهد بالزواج وما إن سألتها عن حالها وحال زوجها حتى بدأت بالشكوى والتذمر ... عصبي ، لئيم ، بخيل ، يحب أهله أكثر مني ، فوضوي ، كئيب ، مزاجي ... لم أتمالك نفسي فصرخت بوجهها :
ـ على مهلك يا بنتي على مهلك .. معقول رجل لم تعاشريه سوى بضعة أشهر ووجدت فيه كل هذه العيوب ؟
قالت : إي والله يا خالة .. سأذكر مواقفه لك ..
وقبل أن تبدأ الموشح .. سرح فكري بعيداً إلى زمن قديم حين كنا صبايا وزوجات صغيرات وأمهات لأطفال في عمر الزهور ، كنا نجلس صباحاً نحتسي القهوة قبل أن تنطلق كل واحدة منا إلى أعمال منزلها وطبختها لتنهي كل شيء قبل عودة الصغار من الروضة والمدارس .. كنا نتحدث عن الطبخ والتنظيف والتربية والتدريس ، وأحياناً تعرض من عندها مشكلة مشكلتها لنا حتى نجد لها حلاً ، أو على الأقل كي تخفف وطأة الهم عن قلبها .. كنا أربعة كلنا حامدات شاكرات .. حتى في أزماتنا النفسية والعصبية تجدنا نصبر بعضنا بعضاً .. إلا والدة هذه العروس فقد كانت دائمة الشكوى من زوجها وأهله ، تجد نفسها مظلومة من المجتمع كله من الجارات والأهل والصديقات ، حتى نحن لم نسلم من شعورها بالقهر .. تذكرت المثل القائل : اقفي الجرة على فمها تخرج البنت لأمها ..
وتذكرت مثالاً رائعاً في الحب بين الأزواج ومثالاً رائعاً يثبت أن البنت كما تربيها أمها .. فخديجة رضي الله عنها قد ساندت زوجها الحبيب صلى الله عليه وسلم في أزماته كلها وكانت وقفتها إلى جانبه أقوى من وقفة الرجال .. ومقولتها المعروفة : (والله لا يخذلك الله أبداً) وتجسدت هذه التربية وهذا الحب في ابنتها زينب رضي الله عنها حين أسر زوجها الربيع بن العاص في معركة بدر وبدأت الأموال تتوافد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كي يفتدي أهل قريش أسراهم .. وفجأة لحظ الصحابة رضي الله عنهم رقة في رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمسك بقلادة موجودة مع أموال الفداء واستشار عليه الصلاة والسلام الصحابة بقوله : (إن شئتم رددتم لها أسيرها وقلادتها) يقصد زينب رضي الله عنها .. لأنه تذكر قلادة حبيبته وأم أولاده خديجة رضي الله عنها التي أهدتها لزينب رضي الله عنها يوم زفافها .. فهنا يتجسد الوفاء عند الأم خديجة التي أرضعته لابنتها زينب رضي الله عنهما والوفاء عند الزوج الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
تعلمت درساً أن الوفاء والاحترام يرضع مع حليب الأم .. وفجأة أعادني صوت العروس وهي تصرخ في وجهي :
ـ خالتي .. ما بك يا خالة .. كأنك لا تستمعين إلى كلامي ..
قررت أن أجلس معها وأنصحها فأنا لا أنسى معلمتي الفاضلة نعماء المجذوب رحمها الله تعالى كيف كانت تجلس معي ومع جاراتي ورفيقاتي تخفف عنّا آلامنا النفسية وتبرر لنا أفعال زوج كل واحدة منّا بأنها دلالة حب لكنه حب مغلف بالقسوة (وهذا طبع الرجال) .. رحمها الله من امرأة صالحة كافحت كثيراً ولونت لنا الحياة بألوان زاهية كانت مخفية في نظرنا ..
وسوم: العدد 657