خواطر من الكون المجاور.. الخاطرة 97 : حقيقة قصة نوح الجزء 5
في مقالة الأسبوع الماضي تكلمنا عن الرمز الكوني لقصة نوح عليه الصلاة والسلام وقلنا بأن هذه القصة بمعناها البدائي ترمز إلى ظهور الحياة ﻷول مرة وكذلك تفسر لنا تكوين الوحدة البنائية للحياة والمعروفة اليوم بمصطلحها العلمي ب الـDNA. اليوم إن شاء الله سننتقل إلى شرح المعنى العالمي لقصة النوح وعلاقته بالتاريخ اﻹنساني، فقصص الأنبياء المذكورة في الكتب المقدسة بشكل عام هي في الحقيقة قصص رمزية وتاريخية بنفس الوقت ،حيث القسم الرمزي من قصة كل نبي يشرح خطوة من خطوات التطور الروحي الذي حدث منذ خروج اﻹنسان من الجنة وحتى اﻵن ، أما القسم التاريخي منه فهو يشرح مرحلة من مراحل التطور الروحي التي مرت بها اﻹنسانية ، فتطور اﻹنسانية ليس صدفة ولكن يتم حسب خطة إلهية فاﻹنسانية أيضا تمر بمراحل نمو مشابهة تماما لمراحل نمو اﻹنسان ، حيث تبدأ بمرحلة التكوين ثم المرحلة الجنينية ثم مرحلة الطفولة ، ثم سن المراهقة ، ثم سن البلوغ وهكذا..... ، قد يعترض الكثير من القراء على صحة هذه الفكرة لذلك سنعطي مثالا بسيطاً جدا لنستطيع متابعة موضوعنا معتمدين على هذا المبدأ . من المعروف عند المسلمين أن الدين اﻹسلامي كان آخر اﻷديان ، لماذا كان آخر اﻷديان ؟ لسبب بسيط وهو أن اﻹنسانية في تلك المرحلة كانت تعيش آخر مرحلة من مراحل طفولتها ،
الله عز وجل في مرحلة الطفولة هو المسؤول عن حماية روح الطفل ،لهذا كان الله أيضا مسؤولا عن هذه المرحلة ﻷنها مرحلة التطور الروحي عند اﻹنسانية ، لذلك أرسل الله اﻷنبياء لحماية اﻹنسانية ومنعها من الخروج عن الطريق الذي رسمه الله لها ﻷنها لا تزال في مرحلة تكوينها الروحي ، وقد وضع الله عدة رموز في الدين اﻹسلامي تؤكد على أن الدين اﻹسلامي كان آخر مرحلة الطفولة، وأبسط هذه الرموز فهما هي تلك الصفة التي وصف بها علي رضي الله عنه ، فكما هو معروف عنه بأن الله كرم وجهه ، وهذه العبارة كانت تقال عنه ﻷنه لم يرى أعضاءه الجنسية في حياته ، فهذا الحدث الكريم لم يكن صدفة ولكن ليكون رمزا يشير إلى أن اﻹسلام كان آخر مرحلة من مرحلة الطفولة في اﻹنسانية ، فسبب عدم رؤية علي كرم الله وجه ﻷعضائه الجنسية هو عدم وجودها كمعنى رمزي، ﻷن اﻷعضاء الجنسية في الطفل غير نشطة لذلك فالطفل لا يشعر بوجودها، وذلك ﻷنه لم يدخل بعد في سن البلوغ ، أي كمعنى رمزي اﻷعضاء الجنسية في الطفل غير موجودة أصلا ، ولا تبدأ بالنشاط إلا عندما يدخل في سن المراهقة. وعندها فقط يشعر اﻹنسان بوجودها. الله عز وجل أعطى هذه الصفة إلى علي كرم الله وجه ، لتكون رمزاً يساعد على فهم مكان اﻹسلام من مراحل تطور اﻹنسانية. لذلك كان محمد صلى الله عليه وسلم آخر اﻷنبياء أي آخر مساعدة من الله في حماية الطفل، فبعد هذه المرحلة يصبح اﻹنسان مسؤولا عن تصرفاته وعن حمايته لنفسه.
وبناء على هذا المبدأ ، كل نبي وكل ديانة هم رموز تساهم في فهم المراحل المختلفة التي يمر فيها التكوين الروحي للإنسانية ، إذا لم نضع هذا المبدأ في فكرنا فإن أبحاثنا جميعها ستسير في جهات عشوائية تساهم في تمزيق وحدة الفكر العالمية ، وبدلا من أن تساعدنا في فهم حقيقة اﻷشياء واﻷحداث ، ستجعلنا نتوه في عالم فوضوي يؤدي بنا شيئا فشيء إلى عدم الشعور بوجود أي خطة إلهية فسنظن أن كل ما يحدث حولنا يحدث بالصدفة دون أي معنى.
للأسف جميع العلوم المادية اليوم رغم تقدمها نجدها تبحث في الأمور بحثاً عشوائي دون أي قاعدة فكرية روحية تجعل الباحث أثناء عمله أن يشعر في أعماق فكره بوجود خطة إلهية وأن أهم هدف من أهداف بحثه هو إكتشاف جزء من هذه الخطة في ذلك البحث الذي يعمل به. فكما ذكرنا في العديد من المقالات بأن خطورة ماركس اﻷب الروحي اﻷكبر للملحدين لم تكن في أفكاره ولكن في نوعية الرؤية التي يستخدمها في بحثه في دراسة اﻷشياء واﻷحداث ، واليوم نجد أن علماء الدين هم أنفسهم يستخدمون نفس رؤية ماركس لمحاربة اﻷفكار الماركسية ، وللأسف معظم علماء العلوم المادية اليوم هم أيضا يستخدمون الرؤية الماركسية في أبحاثهم العلمية لذلك نجد أنه قد حدث إنفصال مطلق بين هذه العلوم والإحساس بوجود الله ، فقد يكون العالم الفيزيائي مثالا يؤمن بوجود الله ولكن عندما يبدأ في أبحاثه الفيزيائية نراه يفكر وكأن الله غير موجود في هذه اﻷبحاث. وهذه هي أكبر مشكلة تقف عائقاً في محاولة تفسير قصة نوح في العصر الحاضر.
في السنوات اﻷخيرة وبعد دراسات واسعة في أساطير شعوب معظم مناطق العالم من الصين إلى الهند إلى الشرق اﻷوسط ،أوربا و القارة اﻷمريكية ، وجد الباحثون بأنه هناك أكثر من 200 إسطورة شعبية تتحدث عن فيضانات عظيمة قضت على أعداد كبيرة من سكان المنطقة حيث بعض هذه اﻷساطير تشابه كثيرا أو قليلا قصة طوفان نوح ، وأن الذين نجوا من هذه الطوافانات هم فقط أولئك الذين إختارتهم اﻵلهة. إن وجود هذه اﻷساطير الشعبية ربما دفع الكثير من العلماء أن ينظر إلى قصة نوح المذكورة في الكتب المقدسة على أنها هي أيضا إسطورة مثل بقية اﻷساطير ، وخاصة أن بعض هذه اﻷساطير المشابهة كثيرا لقصة نوح قد كتبت قبل ظهور التوراة ، فإسطورة جلجامش مثلا والتي ذكرت فيها قصة طوفان مشابهة كثيرا لقصة نوح كتبت قبل ظهور التوراة بـ500 عام على اﻷقل.
لذلك ليس من الصدفة أيضا أن شكل رقم ثمانية عشر (Λا) يوجد في كف اليد اليمنى من اﻹنسان ونظيره في الكف اﻷيسر ليعلم كل إنسان انه كائن يحوي في داخله جزء من روح الله. لذلك.
الماء مصدر للحياة ﻷنه يحمل في داخله رمز روح الله ، ولكن عندما يصبح سلوك اﻹنسان خارجاً عن طبيعته التي خلقه الله بها عندها يصبح الماء أداة مدمرة لتقضي عليه. و بالإضافة إلى قصة نوح أعطانا الله مثالاً آخر في قصة موسى عليه الصلاة والسلام حيث نجد أن الماء أيضا كانت أداة تدمير فرعون وجيوشه، حيث غرق به الجميع لينجو موسى عليه الصلاة والسلام وقومه منهم.
نوح هنا يمثل آدم أبو البشرية الذي سيسخر الله له الماء للقضاء على كل من خرج عن طبيعة خلقه، لتتابع اﻹنسانية طريقها الذي أمرها الله بها. لذلك حتى نفهم الحكمة اﻹلهية في قصة طوفان نوح وعلاقتها بالتطور الروحي للإنسانية لابد من دراسة علاقة الماء في الكرة اﻷرضية مع سلوك المجتمعات اﻹنسانية منذ ظهورها على سطح اﻷرض.
كما ذكرنا في المقالة الماضية بأن سفينة نوح هي رمز لـDNA وجميع الكائنات الحية تحوي على الـ DNA ، فمنذ ولادة الحياة على سطح اﻷرض قبل أكثر من 3 مليار سنة تقريبا كان هدف تطور الكائنات الحية هو تنظيف كل ميزة تحملها من شوائبها لتصل إلى شكلها المثالي لتصبح ملائمة كي تذهب إلى اﻹنسان ، فهدف ظهور الحياة منذ بدايته كان من أجل تكوين اﻹنسان وولادته من جديد بعد طرده من الجنة ، فمنذ ظهور الحياة كانت الطوافانات المائية تلعب دور كبير في السيطرة على سلوك هذه الكائنات وكانت أيضا تقوم بالقضاء على تلك الكائنات الحية التي تتبع طريقاً خاطئ في تطورها.
قبل حوالي 120 ألف سنة بدأ آخر عصر جليدي ، فبدأت تهطل الثلوج على المنطقة القطبية وتتخزن هناك فوق بعضها البعض على شكل جليد وإستمرت هذه العملية حتى وصلت سماكة الجليد في بعض المناطق في شمال القارة اﻷمريكية إلى أكثر من 3000 متر وبدأ مستوى مياه البحار والمحيطات باﻹنخفاض ووصل إلى حوالي 120 متر أقل مما هو عليه اﻵن ، ولكن قبل 20 ألف سنة بدأت درجة الحرارة العالمية ترتفع ثانية وبدأ الجليد بالذوبان ولمدة عشرة آلاف عام وبشكل تدريجي بدأ مستوى البحار والمحيطات ترتفع ثانية لتصل في اﻷخير إلى مستواها الحالي ، طبعا ذوبان الجليد في تلك الفترات لم يحدث أي فيضانات ﻷنه كان بشكل تدريجي خفيف لم يشعر به اﻹنسان على اﻹطلاق، فكان معدل إرتفاع مستوى البحار بطيء بالنسبة ﻹدراك اﻹنسان القديم فهو لم يتجاوز (1،2) سم تقريبا في العام الواحد ، حيث كان معدل عمر اﻹنسان في تلك الفترة يعادل 40 عام تقريبا ، فكان اﻹنسان الذي يعيش على سواحل البحار يولد ويموت دون أن يشعر بأن مستوى الماء قد إرتفع ، فالشعور بهذا اﻹرتفاع البطيء لمستوى البحار يحتاج إلى إلى أجهزة قياس دقيقة ، أو يتطلب على اﻷقل أن تكون صفة التأمل والمراقبة عند اﻹنسان قوية لما يحدث حول اﻹنسان ، ولكن هذه الصفة لم تكن موجودة فيه بهذه الشدة ﻷن طبيعة حياته القاسية في تلك العصور كانت تفرض عليه اﻹهتمام بأشياء أخرى تؤمن له طعامه وسلامته من الأخطار المحيطة به.
في الشمال الشرقي من البحر المتوسط (بين منطقة تركيا واليونان اليوم ) كان يوجد وادي (مضيق الدرردنيل حاليا) بعمق 55 متر تقريبا فمع إرتفاع مستوى المياه في بحر اﻷبيض المتوسط بدأت مياهه تعبر هذا الوادي لتصب في حفرة عميقة لتشكل شيء فشيء البحر المعروف اليوم بإسم بحر مرمر وشيئا فشيء بدأ يرتفع مستوى المياه هناك ليصل إلى مستواه الحالي.
على شمال بحر المرمر وعلى مسافة 30 كم تقريبا كانت تقع هناك بحيرة كبيرة ذات ماء عذب ، كان مستوى سطحها أخفض من مستوى بحر المرمر بحوالي 120 متر تقريبا ، وكان حول هذه المنطقة يعيش قوم ،هذا القوم كان يمثل شخصية (نوح ) مصطلح نوح هنا لا يعبر عن شخصا واحد ولكن عن سكان المنطقة بأكملها الذين عاشوا حول هذه البحيرة ، فهذه البحيرة تعتبر نقطة الإتصال بين قارة آسيا وقارة أوربا وكأن سكان هذه البحيرة قد جمعوا جميع الميزات الحسنة التي يتمتع بها سكان آسيا وسكان أوربا في هذه المنطقة ،فسكان هذه البحيرة ذات المياه العذبة هم أول من إستخدم الزراعة في تاريخ اﻹنسانية ، وقد ترك الله علامة تؤكد على صحة هذه الفكرة حيث نجد أن قسم من مناطقها الشرقية تسمى اليوم دولة (جورجيا ) هذه التسمية مصدرهااللغة اليونانية من كلمة ( ΓΕΩΡΓΙΑ يورغيا ) ومعناها ( زراعة - فلاحة) .
إن ظهور مهنة ( زراعة النباتات ) اﻷول في سلوك اﻹنسان يعتبر حدا فاصلا بين اﻹنسان والحيوان ، حيث زراعة النباتات تعتمد مبدأ إستخدام اﻷشعة الضوئية كمصدر للطاقة ( التركيب الضوئي) في تأمين الحاجات الغذائية ، أي أن سكان هذه المنطقة قد تغلبوا على غريزة القتل في تكوينهم وبدلا من مطاردة الحيوانات وصيدها ، أصبح اﻹنسان يعتمد على ثمار النباتات في تأمين غذائه ، سكان هذه البحيرة كانوا رمز لولادة أفراد مشابهين لهابيل إبن آدم الذي قال ﻷخيه عندما أراد أن يقتله ( ﻷن بسطت يدك...، ) ، بكلام آخر كان سكان هذا الرمز لسلالة آدم كما أراد الله لهم ، لذلك كانت هذه البحيرة لها شكل رمز روح حواء \/ في بداية تشكله كدليل على أن حواء إستطاعت أن تكفر عن ذنبها لذلك أنجبت مثل هذا القوم المحب للسلام ( الصورة ) ، جمال طبيعة هذه المنطقة وجمال سكانها شكلا وروحا ووجود عاطفة السلام التي تجمع بين أفرادها، جعلها وكأنها قطعة من الجنة ، حيث سمحت للجميع أن يعيشوا بسعادة وهناء.
قبل 7600 عام تقريبا أتت من الغرب من أعماق أوربا جماعة كبيرة جدا من الناس إلى هذه المنطقة ، هؤلاء كان لهم صفات مناقضة تماما لسكان بحيرة حواء، كانوا مشابهين تماما في سلوكهم اﻷبن الثاني ﻵدم ( قابيل ) كانت غريزة القتل فيهم نامية جدا فكانوا ينتقلون من مكان إلى آخر بحثا عن جماعات إنسانية أخرى فيهاجمون عليها ويقتلون رجالها ويستولون على نسائها ليشبعوا شهواتهم الحيوانية وليصبحن عبيدات لهم هن وأطفالهم.
وعندما وصلت هذه الجماعة المتوحشة هجمت على سكان بحيرة حواء في المنطقة التي تقع في الشمال الغربي للبحيرة ( رومانيا اليوم) . قسم من سكان المنطقة الغربية هرب إلى المنطقة الشرقية ، والقسم الشمالي وبسبب كثرة اﻷنهار هناك هرب إلى الشمال لينجوا من وحشية هذه الجماعة.
سكان البحيرة في المنطقة الشرقية عندما رأوا قدوم إخوانهم من المنطقة الغربية وسمعوا عن هذا المستعمر الذي سلب ممتلكاتهم ، فكروا في البداية أن يجدوا حلا يرضي الجميع ، ولكن بعد مراقبة طويلة لسلوك الجماعة المهاجمة ، علموا أن هؤلاء المخلوقات لهم شكل إنساني مشابه لهم ، لكن سلوكهم مختلف عنهم تماما ، وأن التفاهم معهم بسلام لحل المشكلة لا يمكن أن يتحقق وأن إعلان الحرب عليهم سيؤدي إلى تغيير جذري في طبيعة سلوكهم عدا عن خسائر كبيرة في اﻷرواح ،وعندما وجدوا أنهم سيحاولون اﻹستيلاء على جميع أنحاء المنطقة وجدوا أنه من اﻷفضل أن يهاجروا إلى منطقة أخرى يتابعون فيها حياتهم هناك بسلام ومحبة. فجمعوا حاجاتهم وهاجرو نحو الجنوب يبحثون عن وطن جديد ، وعندما وصلوا إلى منطقة مابين النهرين في شمال سوريا والعراق إستوطنوا هناك ليتابعوا تطورهم الروحي.
بعد سنوات قليلة من هجرة السكان اﻷصليين لمنطقة بحيرة حواء ، وإستيلاء الجماعة المتوحشة الجديدة على المنطقة حدث زلزال في منطقة شمال بحر المرمر ، فإنشقت اﻷرض وتكون وادي (مضيق البوسفور البوسفور حاليا) ، حيث سمح بتدفق كميات هائلة من مياه بحر المرمر إلى بحيرة حواء ، وعدا عن هذه المياه بدأت بدأت تهطل أمطار غزيرة جدا وانفجارات ينابيع أخرى حول المنطقة لتشكل معاً تيارات عنيفة من المياه، والتي انهمرت من جميع اﻷطراف فداهمت سكان المنطقة ورمت بهم في مياه البحيرة الهائجة فغرقوا جميعا و تحولت مياه البحيرة العذبة إلى مياه مالحة وتغير شكل البحيرة من رمز حواء إلى شكل آخر يشبه رأس الثور ( الصورة ) ، وأصبح اليوم معروف بإسم البحر اﻷسود.
للأسف علماء الجيولوجيا وعلماء اﻵثار الذين فحصوا منطقة البحر اﻷسود ، خرجوا بآراء متناقضة عن اﻷحداث التي مرت بها المنطقة ، فبعضهم يصر على أن تحول البحيرة إلى البحر اﻷسود قد أحدث طوفان عنيف وهو من أعنف الطوفانات التي حدثت في العالم لذلك إعتبروه بأنه هو طوفان نوح ، أما البعض اﻵخر فيصر على أن دخول مياه بحر المرمر إلى البحيرة قد حدث على فترة طويلة سمحت لسكان المنطقة بتركها والهجرة إلى مناطق أخرى. ولكن كلا الطرفين لم يحاول تفسير الرموز الروحية التي تركها الله في المنطقة لتساهم في فهم حقيقة ما حدث في تلك الفترة ، فالمعلومات الجيولوجية والأثرية التي حصل عليها العلماء من خلال أبحاثهم في المنطقة ، مهما كانت هذه المعلومات دقيقة فهي لن توضح بشكل دقيق لما حدث بالضبط، فهذه العلوم هي علوم مساعدة لفهم ما حدث بشكل عام ﻷنها علوم مادية بينما أصل سبب كل حادث مصدره سبب روحي ، لذلك ترك الله عز وجل علامات لتعطي اﻷحداث شكلها الحقيقي ، فأصل اﻷحداث كما ذكرنا هي أسباب روحية وليست مادية حتى تستطيع العلوم المادية كشفها، فمثلا سبب تسمية هذه البحيرة ببحر اﻷسود يختلف من رأي إلى رأي آخر ، فهناك رأي يعلل هذه التسمية بسبب كون الغيوم فوق هذا البحر كثيفة ولونها داكن لذلك هذه السحب تعطي مياهه لون داكن ، وهناك رأي أخر يقول أن سبب التسمية هو كثرة الصخور السوداء على شواطئه ، ورأي آخر يقول ، بأن سبب التسمية هو صعوبة الملاحة فيه بسبب شدة أمواجه.... جميع هذه الآراء تتعلق بأسباب مادية ، ومهما كانت هذه اﻷراء صحيحة أم لا فاسم البحر هو البحر اﻷسود وهذه الصفة مصدرها روحي ،وقد أخذ هذا اﻹسم ليكون علامة إلهية تساهم في تفسير ما حدث ليأخذ اﻹسم المناسب له ، فكما تذكر قصة نوح بأن إنتهاء الطوفان ظهر قوس قزح ، حيث إتحاد ألوان قوس القزح يعطي اللون اﻷبيض ، فألوان قوس القزح هي اللون اﻷبيض ، لذلك أخذت بحيرة حواء صفة اللون اﻷسود لتكون علامة على غرق الكافرين الذين كانوا سببا في هروب سكان المنطقة الذين إعتمدوا في تأمين حاجاتهم الغذائية على زراعة النباتات ، والنباتات كما هو معروف تحتاج إلى الضوء ، فوجود مهنة الزراعة هناك يعني روحيا وجود الضوء، ولكن مع هجرة هذا القوم إختفى هذا الضوء في هذه المنطقة وأصبحت ظلام لذلك أصبح إسم المنطقة يحمل صفة الظلام هذه ( بحر اﻷسود ).
أيضا شكل البحر هو رمز إلهي يساعدنا على فهم ما حدث في المنطقة ، فاليوم على مضيق البوسفور توجد مدينة القسطنطينة ( إستنبول) وهذه المدينة ذكرت في حديث شريف يتكلم عن شخص سيفتحها يحمل إسم الفاتح. وكذلك القرآن الكريم يبدأ بسورة لها نفس العنوان ولكن بصيغة مؤنثة (الفاتحة ) أما السورة الثانية فهي سورة ( البقرة ) حيث كل السورتين هما رمزان لحواء حيث عنوان السورة ( الفاتحة ) هو رمز حواء التي أنجبت قوم مشابه في سلوكه هابيل المحب للسلام ( الذي عمل بمهنة الزراعة ﻷول مرة على سطح اﻷرض ) لذلك كان رمز حواء هنا هو Λ الذي يمثل شكل البحيرة ، بينما عنوان السورة ( البقرة ) هو رمز حواء التي أنجبت قوم مشابه لقابيل القاتل الذي إستولى على المنطقة ، لذلك أخذ البحر اﻷسود شكل رأس ثور وهو رمز قابيل.
ليس من الصدفة أن مضيق البوسفور مصدره اللغة اليونانية (βους+ πορος ) ويعني (ممر البقرة ) وليس من الصدفة أن منطقة القرم في المنطقة الشمالية للبحر اﻷسود تسمى في اليونانية ( ΤΑΥΡΙΚΗ ) ومعناها منطقة الثور، بهذه العلامات اﻹلهية ، تفسر لنا ما جاء في القرآن عن قصة نوح ، حيث تذكر النسخة القرآنية بأن زوجة نوح وإبنه كانوا من الكافرين لذلك كانوا مع الغارقين ، والمقصود هنا المرأة الكافرة والتي رمزها البقرة وإبنها الكافر الذي رمزه الثور ، وهي نفس الرموز التي يستخدمها الله عز وجل في قصة موسى وفرعون ، حيث فرعون هنا هو رمز ﻹبن الشيطان الذي يمثل قارة أفريقيا والتي لها شكل رأس الشيطان ( رأس إنسان له قرن ) لذلك كانت عاقبة فرعون وجنوده هي الغرق أيضا.
في تلك الفترة التي تحولت بحيرة حواء إلى البحر اﻷسود كانت اﻹنسانية تعيش مرحلتها الجنينية ، وفي ذلك الوقت كان الشعور الديني عبارة عن شعور روحي وليس عقلاني، أي أن الناس في تلك الفترة لم تكن تتكلم عن وجود إله أو خالق و عن صلاة ،لذلك لم تكن تمارس أي طقوس دينية فالمعتقدات الدينية في ذلك الوقت لم تكن قد ظهرت بعد ، وما جرى من حوار بين الله ونوح كما تذكره الكتب المقدسة هو شعور روحي مطلق ، أي أن هذا الحوار كان عبارة عن إحساس روحي فقط حصل في نفوس قوم بحيرة حواء ، ولكن الكتب المقدسة ذكرت هذا اﻹحساس الجماعي وكأنه إحساس إنسان واحد وترجمت هذا اﻹحساس إلى معنى يمكن فهمه فظهر وكأنه حوار بين الله وشخص واحد يدعى ( نوح ) ﻷن قوم هذه المنطقة كانوا مترابطين فيما بينهم وكأنهم شخص واحد ، وكانت هذه الصفة ( صفة الترابط الروحي الجماعي ) تظهر ﻷول مرة ليس فقط في تاريخ اﻹنسانية ولكن في تاريخ الحياة منذ ظهورها قبل 3 مليار عام وحتى ذلك الوقت. لذلك كان إسم نوح كلفظ عربي يسمع وكأنه ( بكاء - نواح ) وهذا البكاء والنواح كان بسبب شدة حزنهم ﻹضطرارهم إلى الهجرة بعيدا عن الوطن اﻷم (بحيرة حواء )
وسوم: العدد 682