وحي الصدور 62
حين يكون الصمت من ذهب.. طلب سيّدنا زكرياء عليه السلام آية، فقال " قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً " مريم - الآية 10،فأجابه الله تعالى " قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا " مريم - الآية 10. وسيّدتنا مريم عليها السلام، حين اشتد بها المخاض وخشيت كلام الناس، ولم تجد ما تقول ، أمرها ربنا تعالى ".. فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا" مريم - الآية 26.
حين تتطلب الظروف الكلام فلا بد للمرء أن يجهر بما يتطلبه المقام، وحين يكون الصمت لزاما فعلى المرء أن لا يتعداه لما يفسد هيبة الصمت. والصمت في حالة سيّدنا زكريا وسيّدنا مريم عليهما السلام كان آية، لأن كلا لن يستطع شرح مابين يتعداه من هول مايحمل ويصعب تصديقه، لأنه فوق طاقة البشر. وحينها أمرهم الله تعالى ويلتزموا الصمت، لأن الصمت في هذه الحالة أبلغ وأسمى. ويكفيهما فخرا أننا ما زلنا نردد آيات الصمت كمعجزة حين كان الصمت معجزة، وسيظل الجميع يذكره حين يستدعيه المقام وبالقدر المطلوب.
عشيرة المسؤول.. قال تعالى: "وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ " الشعراء - الآية 214، ولم يقل له وبشّر عشيرتك الأقربين بـ.. المناصب، والألقاب، والرحلات، والعقارات، والجاه، والسلطان، والأموال. هذه هي عشيرة المسؤول لمن يحلم أن يكون مسؤولا.
تبرير الفساد.. أسمع للمقرىء محمد خليل الحصري رحمة الله عليه، وهو يقرأ قوله تعالى: " وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ "،غافر - الآية 26 .
فرعون الإله الذي تجري الأنهار من تحته، يستأذن شعبه في قتل سيّدنا موسى عليه السلام. والمشكلة ليست في الفاسد الذي يتظاهر بأنه يطلب الإذن في سجن وقتل الأبرياء ،والسطو ،والاستيلاء على حقوق الأمة وخيراتها، إنما المشكلة في من يبرر فساد كل ذي سلطان بفتوى أو مقال، يبيح له إقتراف الجرم وتجاوز حد الطغيان، والاستمرار فيه.
المرأة بلقيس عليها السلام ..لم تكن عظيمة لأن لها " .. عَرْشٌ عَظِيمٌ" النمل - الآية 23، بل هي عظيمة، لأنها ..تستشير قومها، ولا تأخذ رأيا دونهم، وتحسن المفاوضة، ولا تخضع للتهديد، وتحسن إختيار ألفاظها، وتخاف على قومها وشعبها، وتحسن إختيار هديتها، وتختبر عدوها، ولا تستلم إلا لرب العالمين . والعرش العظيم لا يجعل صاحبه عظيما.
وسوم: العدد 699