خاطرتان حول الثورة السورية
الخاطرة الأولى ، الثورة السورية بين مطرقتين :
تتمثل المطرقة الأولى المعنية في عنوان هذه الخاطرة بالمجرمين الثلاثة : بشار وبوتين وولي الفقيه ، بينما تتمثل المطرقة الثانية بنظام عائلة الأسد . إن المتتبع لما جرى ويجري في سوريا منذ اندلاع ثورة آذار 2011 السورية وحتى اليوم ، ولا سيما التدخل الروسي ( 30 سبتمبر 2015 ) وقبله تدخل قاسم سليماني وحسن نصر الله ، وبعده التدخل الأمريكي ، يدرك ويعرف أن كل ماجرى ويجري وسيجري سواء في أستانا ، أو في منتجع سوشي على البحر الأسود ، لن تزيد قيمته عن الصفر إلا قليلاً .
إن أي حل حقيقي للأزمة السورية المستعصية منذ عدة سنوات ، إنما يستلزمـ بنظرنا ـ بداية رحيل القوات الروسية ، والقوات الإيرانية ،وقوات حزب الله اللبنانية ، بوصفهما قوات محتلة ، وبغض النظرعن ادعاءأصحابها المضحك في أنهما إنما جاءت إلى سوريا بطلب رسمي من الرئيس الشرعي الوريث بشار الأسد (!!) . إن هذا الإدعاء الذي وصفناه أعلاه بالمضحك ، يذكرني بوعد بلفور عام 1917 ، حيث أعطى من لايملك من لايستحق .
إن ماتراه الثورة السورية ، أيها السادة المحتمون ، هو أن وجود " الوريث بشار" الذي تستظلون بعباءة شرعيته المزعومة، والذي تدعون أنه هو الذي استدعاكم ، هو نفسه غير شرعي ،لأنه جاء إلى السلطة عن طريق التوريث ، وجاء من ورثه ( بتشديد الراء ) إلى السلطة بدوره على ظهر دبابة وليس عن طريق صندوق الإقتراع ، أي أنه هو بدوره ليس شرعياً ، وبالتالي فإن وجود عساكركم في سوريا هو بالتبعية غير شرعي أيضاً ، وعليها إذن أن ترحل من سورياعلى الفور. إن التواجد غير الشرعي للقوات الروسية والإيرانية واللبنانية في سوريا إنما يعني منطقياً استبعاد كل من ( روسيا وإيران )من كافة لقاءات ومؤتمرات حل الأزمة السورية سواء في أستانا أو في سوشي أو في جنيف أو في غيرها . لأنهما أصبحا جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل .
أما بانسبة لنظام عائلة الأسد ، فيقتضي بداية استبعاد بشار من سدة الحكم في سوريا ،سواء بالتي هي أحسن أو بالتي هي أسوأ ، ونهاية إحالة كل من تلطخت يداه من نظامه وشبيحته وأتباعه ، بدماء أطفال ونساء وشيوخ سوريا،الى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي .
هذا هو الحل الحقيقي للأزمة السورية ، إذا ماأردنا أن لا تظل هذه الإشكالية تدور في الحلقة الصفرية المفرغة هنا وهناك ياسيد بوتن وياسيد روحاني وياسيد بشارالأسد .
إن وصول الكاتب الى هذه النتيجة لم يكن دونما سبب ، وإنما لأن منطق الأحداث ومنطق الثورة هو من يقول ذلك ، ولاسيما بعد أن بلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطبين ، حيث وصل عدد شهداء الثورة وجرحاها ومعاقيها ومغييبيها قسرياً ومعتقليها ومهجريها أرقاماً عجزت حتى الأمم المتحدة نفسها عن ملاحقتها ومتابعتها ، والذين كان معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ ، ناهيك عن التدمير الممنهج لمعظم مدن وقرى سوريا ولاسيما البنية التحتية لهذه المدن والقرى ، تدميراً ممنهجاً كاملاً وشاملاً ، لم يسلم منه لا الزرع ولاالضرع ، بل ولا حتى الحمير .
في مقابلة له مع الصحفي البريطاني روبرت فسك بتاريخ (28.11.2016 )، أخبر الجنرال جميل حسن (مدير مخابرات القوى الجوية ) روبرت فسك ، أنه عند بدايات ثورة آذار ٢٠١١( تعبير ثورة للكاتب) قد طلب من سيادة (!!) الرئيس بشارالأسد ، أن يسمح له بقتل مليون شخص من المواطنيين السوريين الذين كان يطلق النظام الطائفي ومرتزقته وشبيحته عليهم ، مرة " العصابات المسلحة " ومرة " الإرهابيين " (!!) ، ولكن سيادة الوريث لم يأذن له بذلك . ان ماينبغي قوله لجميل حسن اليوم والآن ، لقد تم لك ماأردت ياجميل ، فقد زاد عدد شهداء الثورة اليوم عن المليون وزادد عدد جرحاها ومغيبيها ومعاقيها عن المليون أيضاً ، بيد أن الثورة ماتزال صامدة ، ولم ينطفئ أوارها، بل أن أطفال درعا الذين استشهدت فيما كتبوه على جدران مدرستهم لروبرت فسك ، قد كبروا الآن ، وانضموا إلى آبائهم وأمهاتهم في ثورة الحرية والكرامة وباتت الثورة اليوم أكثر تصميماعلى المضي في مسيرتها حتى النصر ، ومعنى النصر هنا هو أن تكون أنت وبشاروكل من تلطخت يداه بدماء الأبرياء في لاهاي تحاكمون أمام القضاء العادل على جرائمكم وخيانتكم وفسادكم .
ونذكرك ياسيد جميل أن بوتن الذي تعسكر قواته الجوية والبرية اليوم في حميميم وفي ميناء طرطوس ، وبطلب مؤسف منكم ( وأنت تعرف من أعني بالضمير المتصل " كم " ) أعلن ان هذه القوات سوف تنجز مهمتها في حماية النظام وإنهاء الثورة خلال بضعة اشهرفقط ، ثم تقفل راجعة من حيث أتت ، بيد أن الأمور، وبعد مرورعدة سنوات وليس عدة أشهرلاتشي بمثل هذه النتيجة المأمولة من قبلكم ، ولا من قبل بوتن نفسه أيضاً . بل إن دوما ( برلمان ) بوتن قد صادق بتاريخ 14تموز 2017 على البروتوكول الملحق بالاتفاقية المبرمة بين بوتن وبشار الأسد ، والتي تسمح للقوات الجوية الروسية أن تبقى في سوريا لمدة (49 ) عاماً قابلة للتمديد (25 ) عاماً أخرى (!!). إن المسكوت عنه في هذا الاتفاق ، هو أن رقم ال49 عاماً ،القابل للتمديد 25 عاماً أخرى ، إنما ينطوي ضمنياً على إشارة واضحة لا يخطؤها العقل ، في أن نظام عائلة الأسد سوف يبقى في عهدة الجيش الروسي مدة 75 عاماً من الآن . إنه لعمري استعمار القرن التاسع عشر بشحمه ولحمه ، وعش رجباً ترى عجباً .
الخاطرة الثانية ، لاتحلوا مشاكلكم ياسادةعلى حساب دم أطفالنا :
لابد بداية من تحديد المعنيين بالضمير المتصل " كم " المثبت أعلاه . نعم إنهما جماعتان سياسيتان ، واحدة تمثل " الشاهد " وأخرى تمثل " الغائب " . أما مجموعة الشاهد فهم مثلث سوشي بوتن ولافروف والذي تمثل روسيا قاعدته ، بينما يمثل ضلعاه الأخران إيران وتركيا . وأما مجموعة المشاركين " غيابيا " فهم مثلث الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل و بشار الأسد ، ذلك المثلث الذي تمثل الولايات المتحدة الأمريكية قاعدته ، بينما يمثل ضلعاه الآخران إسرائيل ونظام بشارالآسد ..
ومن الواضح الجلي هنا ، أن مجموعتي الحضوروالغياب قدغاب لقاءاتهم جوهر الموضوع ، ألا وهو الشعب السوري والثورة السورية التي تطوي هذه الآيام عامها السادس ، لتدخل عامها السابع . والتي لايمثل رحيل بشارالأسد ونظامه إلاّ أحد مطالبها فقط ، أما المطالب الآخرى والتي لاتقل ضرورة وأهمية بالنسبة لثورة آذار 2011 ، فتتمثل برحيل كافة القوات الأجنبية التي استدعاها " الرئيس الوريث " لتحول دون سقوط نظامه ، وبالتالي دون رحيله، وعلى رأسها الطيران الروسي الذي بات يتخذ من مطار حميميم قاعدة ومنطلقا لعملياته الحربية ، في مهامها المدروسة والممنهجة في تدمير المدن والقرى السورية التي لاتخضع لسلطة بشار ، وعلى رأسها مدينة حلب الشهباء وغوطتي دمشق الشرقية والغربية، وذلك بالتنسيق الكامل مع قوات قاسم سليماني وحسن نصر الله الطائفية التي تسرح وتمرح على الأرض السورية ، والتي إنما جاءت ( نظرياً ) لحماية مقام السيدة زينب فقط لاغير .
إن مقولة المتنبي عن سيف الدولة الحمداني " فيك الخصام وأنت الخصم والحكم " لايمكن أن تكون مقبولة في سوريا الثورة ياأبطال سوشي ، الحاضرمنكم والغائب ،ولهذا فإن إعطاء (أو أخذ ) كل من روسيا وإيران وأمريكا لنفسهم هذا الدورالمزدوج ( دور الخصم والحكم ) هو أمر مدعاة للابتسام ، قبل أن يكون مدعاة للألم ..
إن الكاتب ليستغرب مواقف هؤلاء " الكبار" (الدول العظمى) من الثورة السورية ، بل من الربيع العربي عامة ، وكيف أنهم أعطوا لنفسهم الحق في أن يشخصوا أمراض المجتمع السوري والمجتمعات العربية ، على هواهم ، وأن يحددوا أمراضها وبالتالي الدواء الذي يرونه ( هم ) مناسبا لعلاجها ، كما لو كانوا أطباء أو علماء اجتماع ، بل إنهم أعطوا لأنفسهم الحق في أن ينوبوا عن الشعب السوري حتى في وضع دستور دائم ( أكرر دائم ) له يحدد رؤيتهم (هم ) لمستقبل بلده ( هو ) السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي .. فلا حول ولا قوة إلاّ بالله .
وأرغب أن أختتم هذه الخاطرة ، ببيت شعرللشاعرالمرحوم نديم محمد يقول فيه :
أيها المشفقون لاتلمسوا الجر ح بنفسي فتوقظوا كبريائي
وسوم: العدد 748