همسات بين نارين!
من أجلّ نعم الله على العباد نعمة الأبناء، فهم زينة الحياة الدنيا ورونقها ورياحينها، فعندما يرتبط إثنان برباط الزواج المُقدس يكونان على أمل أن تُنبت فيهم الحياة من تلك الرياحين، ليستشعروا السعادة ساكبين رؤى وأحلام متنبئن بالوعد الجميل وأسرابٌ من الأفكار المستقبلية التى تخص فلذات أكبادهم. وعندما تمر الأيام والشهور وتضع بصمتها على مسيرتهم الزوج...ية ولم تبدو بوادر الثمر بعد، تبدأ النفوس فى توخى القلق ويبدأ البحث الحثيث لتحقيق هذه الأُمنية التى يُصبح الزواج (من دونها) في نظر المجتمع لا جدوى منه. ومع توفر كل فرص العلاج لا يدخر الزوجان جُهداً ولا يتركون باباً الا وطرقوه مدفوعين بتحريض المجتمع والأقرباء المقربون، ولكن عندما توصد أبواب الأمل شيئاً فشيئاً وتصبح تلك الأُمنية صعبة التحقيق فإن باباً آخر قد يُفتح فى وجه الزوج ولو على مضض، ففى حال كانت المُعضله عند الزوجة، فزواجه بأخرى وإن كان خياراً مؤلماً الا انه مُتاح ولا يُلام عليه على الأقل فى تلك الحالة يستطيع ان يحتفظ بزوجته الأولى ولا يحرم نفسة من نعمة الأبوة.أما إن كان وجه الحالة مستديراً الى جانبه الآخر وكانت المُعضلة عند الزوج فهُنا تُصبح سحنته قاتمة مُطأطأ الرأس أمام مُجتمع ترتبط فيه مفاهيم الرجولة بأشياء لا تمت لها بصله، فحتى فى ظل توفر سُبل العلاج فإن تلك الجهود تتم فى سرية تامة بينه وبين زوجته يكتمون الأنين ويحبسون آهاتهم ويبتسمون مرغمين للمجتمع بأن كل شئ على ما يُرام. وإذا استحال العلاج وأُغلقت دونه أبواب الأمل تقف الزوجة حائرة وتحترق بنار غريزتها ورغبتها فى الانجاب التى تُرهقها صعوداً مع تقدم العُمر وذبول فرصتها فى الإنجاب شيئاً فشيئاً ، وبين حب الزوج الذى لن تتحقق فى ظله تلك الأمنية وليس من السهل أن تسكب أحلامها وتُدمر بيتاً قائما حتى تُحقق أُمنية تسكنها ،وهى وان كانت تتوق لطفل تنجبه الا انه توقن تماما أن السعي ورائها يعنى أن تهدم بيتاً قائما (حتى وإن كان ذو أساس هش) وأن تبدأ مع زوج آخر وتلك فكرة عصية جداً على اى إمرأة سوية تهيم فى أفكار من الوجد الشفيف وتترقب إنسياب الأمنيات على حياتها ،ومما يفاقم المعضلة ويزج بها الى طريق المأساة تدخل الأهل المستمر ،فكل أصابع الاتهام تشير دائما الى الزوجة كسبب رئيسى لعدم الانجاب ،فتضطر لاجترار مرارة الهمز واللمز حفاظا على هيبة زوجها وكرامته، فالمجتمع يعتبر ان عدم قدرة الزوج على الانجاب طعنا فى رجولته وانقاصاً من كرامته ، وقد يكون الزوج متأثراً بجالته نفسياً مما يزيد من الخلافات بمتوالية غير منضبطة تماماً فبطلها غالباً يكون سوء الحالة النفسية للزوج وللزوجة أيضاً،فتستعر النيران أكثر وتعيش الزوجة فى قفص الاتهام بين نار المجتمع الضارية وأمومتها الضائعة وزوجها وبيتها الذى بنته بالصبر والكِفاح تنوء بحمل ما يتسرب في دواخلها من شوقٍ وأمنياتٍ لا تحد..
وسوم: العدد 749