الماسة
ياسين الولد الوحيد لأبويه، نشأ طفولة حية ,لا تشوبها شائبة ,من أم عربية ووالد فرنسي المولد والجنسية ,والذي كان جنديا في الجيش الفرنسي، وعلى الرغم من التباعد في الأصل إلا انهما كانا قريبان إلى بعض قلبا وروحا، تزوجا عن حب أثرى ولد جميل سمياه ياسين.
إلى أن كان العام المشهود، عام لعبت فيه بنت الكرمة بعقل الوالد ,فتوفي أثر جرعة لكميات لا يتحملها الجسم من الكحول والمخدرات ,مخلفا ورائه ولدا يتيما ,وأم عاجزة عن التكفل ,لتسقط طريحة الفراش، ناء جسمها بالمرض فأرادها محكى وضربا مثل، تعددت الأوجاع وتشابكت أوقافها أحزانا وأسرى ,تبعثرت أوراقها وتاهت هوايتها ,هذا حزن وذاك ذرف للدموع ,ولد حزين وأم تنظر الفرج إلى غير دري.
وشاءت أيام الله أن ينجح ياسين إمتحان العتبة ,ويدخل مرحلة أولى من الجامعة ,شاب قوي العود فأوكل لنفسه كامل المسؤولية، العناية بامه وتمريضها ,غير ان الضرورة والأوقات أظنته وغيرت سبيل مستقبله ,ليدخل معترك البحث عن عمل ,ومع كل طيف وضيء يشرق به بعث نهار جديد ,ترى الأم ما يكابده ولدها ويعمله من أجلها ,فلا وسعى لها إلا الدعوة له من كل قلبها ,ما ظهر في خلال نظراتها الدافئة،اذ تركها الزمان طريحة الفراش ليل نهار, ممدة الأطراف لا شيء يتحرك غاية الحركة حتى اشارات رأسها بدت بالتلاشي في الأيام الأخيرة ,العمى هو آخر تطور المرض ,واكبتها صفورة ماء للغروب ,عثرات وفتور في الكلام عاقبها بعد ومغيب.
في ليلة من ليالي الشتاء ودعت الأم سريرها، تركت المكان بأمر الخالق بجلائه ,دون توديع لولدها من كان ينام إلى جانب سريرها ,بغية تسهيل التواصل مع أمه ,في الصباح غادر ياسين للطبيب ليعاين أمه بعد تيقنه من تيسر نفسها وانها ساحت إلى اللاوجود.
الطبيب وهو على عتبة الباب ,لكنت خير المعاين لوالدتك .مبتسما .رفقا وإسعاف، مودة ومؤانسة ,كما أنني عرفت حاجتك الماسة للعمل، وقد كنت منذ أيام بدار الأطفال المسعفة ,فهم في حاجة لمربي خلفا لاثنان انتهت خدمتهم، لذا أمنحك فرصة الذهاب إليهم وأشور ليك غدا بالفعل في الصباح الباكر... يبكر ياسين والوقت قد أمتد باسطا ذراعيه مترنحا.
يقف ياسين أمام السكرتيرة ,اذ طلبت منه التأني لألا ينهي المدير ما بين يديه ,وبالفعل يخرج المدير من مكتبه ليلقاه مع السكرتيرة.
المديرة: أنت هو الممرض الجديد؟؟.
ينادي على صوفيا، فيأمرها بأن تأخذ ه معها لتطلعه على ما يجب أن يقوم به، يتبع ياسين.
صوفيا: هذا نبيل الطفل المشاكس وهذا زكريا الطفل الصموت المهموم.
ياسين: من هو الطفل المكسور والذي وجدته لحظة دخولي؟؟
من اه (وقد تذكرت) نصر الدين لأنه معطوب من رجل واحد، يمشي يتركز, تواصل متبسمة, من حسن الصدف عرفت دون أن أدلك، هذا الطفل من ستعتني به ,تفتح باب الغرفة ليجدا طفل في السادسة من العمر نائم على السرير، والآن خذ: تناوله صوفيا مجموعة أوراق وبطاقات وهي تغلق الباب خلفها لا تنسى أن تمر عليا وأنت خارج، وهي تشير بسبابتها إلى ما بين يديه إقرأ جيدا هذا؟؟
يجلس ياسين إلى أول كرسي يجده, يخرج منديل من جيبه يمرره على جبينه وجزء من خدوده ليسري حتى العنق ,من كل الجوانب وقد إستحسن مقابلة الأطفال.
وسام ياسين: مدركا أنه لا يريد تكليمه.
جميل سآخذ هذه الصحون من عند رأسك: يأخذ الشاب الباب ورائه ويخرج ,ليلتقي عند خروجه بشاب أسمر داكن ,وفتاة سمراء جميلة اذ يبتسمان له ,ملقيا عليه التحية ,وفي الركن المقابل خلف سندات المبنى فتاة تتبعه بنظراتها منذ دخوله الملجأ.
اليوم مسموح لياسين بالذهاب إلى بيته، يظهر في الطريق شاب طويل ذو وجه أبيض سار النظر والملمح، تركز قده على عود رقيق ,عينان واسعتان ,وأنف رقيق مدبب ,شفاه غليظة تفرقت عليها شعيرات هنا وهناك ,في الصباح وفي حدود التاسعة تجتمع الإدارة لتقرير إعطاء ياسين منحة ,يجالسه المدير بمكتبه ,مع أنك لم تكمل دراستك الجامعية ,وذو خبرة ومستوى تحتاجه كثيرا هنا فسنعطيك منحة كافية ,المبلغ جيد بالنسبة لشاب أعزب حددته مصروفات لا تسع إثنان حاجيات خاصة و عامة.
كان فصل الشتاء وقد جاء هذا العام صاعق البرودة ,في الليل يدنو أدنى الدرجات ,الليلة الأولى التي يبيت فيها ياسين بالدار.
بعد أن أكمل ياسين حصة عمله جلس في الغرفة المخصصة له, يكتب رسالة إلى (ندى) يشرح لها سر غيابه عنها ,كما يطلب منها زيارته بالدار, فإن لم تستطيع فإنه يترجاها أن تكاتبه ,ليطمئن وتقر عيناه، وبالفعل يبعث الرسالة الأولى ,وها هو ينهض في الصباح الباكر فيذهب للغرفة المسؤول عنها ليجد (وسام) قد نهض ، يمسح ياسين على رأس الطفل بيده ويقول له: صباح الخير كيف الحال.
وسام: بخير.
ياسين: الآن عندي إجتماع بعده سأخرجك للتجول في الساحة وينصرف، وبالفعل ها هو يجلس إلى جانب وسام بالحديقة كما هو موعود الطفل مقعد يتحرك بعجلة يحركها بيده.
السكون شهرة الأفق الوهاج ,حيث إلتقت الشمس والهواء الناعم لتنسج جداول فسيحة, تسطرت في حفرة على الترعة القبلية ,تصور جهد الفلاح وما تصنعه الجهود العاملة ,الحظة تهرول صوفيا نحوهما مقتحمة أوراه: ياسين، ياسين تعالى أحتاجك ,يفز دون مسائله صوبها.
صوفيا: هناك طفل مريض نصر الدين، لذا أطلب منك أن ترافقه إلى الطبيب، وبالفعل يركب ياسين سيارة الإسعاف الخاصة ويتجه إطلاق السهم يذيب المسافات ويختزلها نحو المستشفى التابعة ,ها هو الطبيب بدوره يتفحص الطفل.
الطبيب: لا ضرر به بل أن الجرح ليس بالعميق؟؟ يصف له الطبيب بعض الدواء ويوصيه بأوقات
أخذه ملحا مدققا على عدم التهاون ولا العجالة ,تحمل الاسعاف المريض والممرض إلى الدار ,ليجد أمامه البنت السمراء،يدخل نصر الدين وهو يتعكر, فتقف الفتاة إلى جانب ياسين وبحجة المساعدة وصل طرف الحديث أسمى بشرى.
ياسين: تشرفنا؟؟؟
الفتاة: اعرف إسمك ,أنت الممرض الجديد.
ينظر إليها بدوره ثم يتجه إلى الداخل ليأخذ تقرير الطبيب لصوفيا ,غاضا الطرف عنها، فلا رؤية الفتاة سر ولا حركة سيرها بأفضل حال,و بعد ساعة على مضي الغداء يطرق ياسين الباب و يدخل يرفع وسام رأسه نحوه ,جسمه كومه واحد منكمش على السرير، وقد ترءى ياسين كالطبيب بمئزره الأبيض.
وسام: آه لقد عدت؟.
ياسين وهو يأخذ مكانه بجانبه مسرحا الطرف يمينا وشمالا يبحث في المجهول فوق الطاولة وأسفلها في كل ركن.
ياسين: ماذا فعلت كل هذا الوقت؟؟.
وسام: لا شيء لقد جلست لوحدي.
ياسين: وما الذي تصنعه بين يديك؟؟.
يرى القلب الأحمر، يفتحه الطفل أمامه متأملا، بلا شك هما والدك، يرفع رأسه إلى محيا الطفل وعلامات الاستغراب تدلى ألاف الدلالة.
لقد توفيا أليس كذلك.
يصرح ف وجهه وسام: ماذا هذا بعيد عن اختصاصك لا تتدخل في شؤوني.
يرتبك ياسين ويتشلوش خاطره، تضطرب حركاته، أفكاره ,ينسحب غير موليا ساحبا الباب ورائه .ها هي الليلة تمر على ياسين شأنها شأن الماضيات من الحياة نهار فليل, يليه نهار فليل, وفي الصباح الباكر ينهض الجميع.
ولان مهمة الممرض حجزت رهن مجيبات المريض، هاهو صوب بابه على الدرج تلقيه صوفيا.
ياسين: هناك زوار, لك.
ياسين: متعجبا من؟؟.
صوفيا: إذهب إلى المكتب وأنت تعرف؟ المبنى يتألف من طابقين يحجز له مساحة مستطيلة كإمتداد شكل مبناه، الطابق العلوي ذوي عشرة غرف واسعة خمسة, تنظمت على خط ,وتقابلها ماثلاتها على نفس الطول ,تربط عشرة درجات بين الطابق السفلي والعلوي ,نفس الهندسة المعمارية لأعلى البناية حوته أدناه ,زاد عليه مكاتب المسؤولين وغرف النوم واستراحة الاثنين والعشرين مربي، أما مكتب المدير فاستغل الركن اليميني للمدخل مباشرة حوى مكتب السكرتيرة كفرع داخلي، تاركا مساحة واسعة أمامها دثرت بساطه زربية مزركشة كتحصيل حاصل للجدران.
ينصرف الشاب إلى مكتب السكرتيرة، لا يصدق ما ترى عيناه أنها (ندى) وبحركة فرح وإبتسامة منشرحة تغمرها النشوى كامل جسده.
ياسين: هل وصلت رسالتي بهذه السرعة وهو يجلس مقابلا وها أنت هنا لا أصدق ندى، تتشابك يداهما بدفئ تنظر محياه متأملا ممعنه راجحة كفة الولهان.
ندى: أنا هنا وأية رسالة تتكلم عنها ,ملتفة يمينا و يسارا ,لقد ذهبت البارحة لمنزلك فأرشدني جارك على عنوانك.
ياسين وعلى الرغم من خربشة المفاهيم أقربها إلى عدم الوضوح، يتنهد وكأنه يمحو ما كان, ليعرج إلى ما هو كائن.
ياسين: لا تصدقي كم تصرني رؤيتك وكم يسعدني مجيئك، هيا نخرج في حديقة الدار, الجو هنا مكبوت.
تضحك ندى بكامل جوارحها حتى تهتز كامل أطرافها، غير واسع المكان وغير لائق وتنهض معه إلى الخارج.
ها هو يأخذ الطريق الأجوري مخترقا ,الخضرة والنباتات ,ليظهر ملامح طريق نضيف ,معرج ينقشع كلما تواصل وامتد السير، يسيران على أنغام نشوى ورود الحديقة وشجراتها ,وهي تضغط بيدها على يده فقالت له: ياسين لي خبر لك، لقد قبلت في كلية الطب في الجامعة التابعة للولاية التي أسكنها أنا والعائلة، ويجب أن أتصل بهم.
ياسين: مستبشرا آه هذا رائع كم يصرني ذلك.
ندى: لكن هناك مشكلة؟؟.
ياسين: خير إنشاء الله.
ندى: والدي؟؟
ياسين: ماذا به هل جرى له شيء؟؟
ندى: لا إطلاقا إلا انه، وبنوع من الارتباك.
ياسين: ماذا دهاك لقد رجحت شكوكي.
ندى: يريدني أن أنصرف إلى الجامعة وانتبه إلى دراستي ودون كلام.
ياسين: ويريدك قطع علاقتك بي أليس كذلك؟؟
ندى: هو كذلك؟؟ وتواصل وقد حول خجلها صوتها مبحوحا ولكن أمي حاولت معه وترجيتها أن تتدخل لتؤكد له أن علاقتنا ستزيدني مثابرة في تعليمي.
ياسين: كنت أخاف هذا لكن أرغمت نفسي على أن لا أفكر فيه ولا في شيء كهذا.
ندى: لا تحزن نفسك فلقد تركت هذه المشكلة للأيام فهي كفيلة بتغيير رأي أبي في ذلك ثم أننا لسنا الوحيد من قابلته وتقابله مشكلة من هذا القبيل فلا تحمل نفسك ما لا طاقة لك به وبحركة منهالا ملتوية معرجة بنظرها. تبغي تغيير سربان نبع الكلام ليضفي عليه نوع من التفتيش.
لكم أنت بخيل لم تعزمني على أرخص مشروع.
ياسين:يجاري حببته: كيف هذا هيا بنا ويتبعها صوب كفتيريا التابعة للدار المسعفة وتنتهي المقابلة بين الشابين.
ياسين: إبن السابعة والعشرين، فقد كان عرضه لانتباه كثير من الفتيات في مثل سنه، على أنه رياضي نشيط ,كفيل بتنشيط جسمه ,وتطويره ,واكتمال بنيانه ,رغم ميوله النحولي ,أبيض البشرة يدنو بصلة ظاهرة الى اصل أبيه الأوروبي , فالقد الأوروبي جزء كبير من شبهه.
ها هي الممرضة التي إلتقاها يوم دخوله المقر, وسلمته الوظيفة ,الفتاة السمراء فاتنة القوام ,تحتلي أجمل الملابس ,سروال وردي وسترة من نفس القماش واللون, تخبل شعرها وهاج ليتموج ساحبا الخصلات إلى كل مكان.
الممرضة: كانت ساعات جميلة أليس كذلك وكلمات تشنف السمع؟ ينظر إليها ويبتسم ليتابع مسيرة تلحقه لتسير جنبا للآخر معه.
الممرضة: لماذا لا تتكلم كثيرا، فمنذ وصولك لم تتكلم معي ثلاث كلمات على بعض.
ياسين: ماذا تريدين أن أقول لك.
الممرضة: أي كلام؟ هذه المفاجأة تخرج صوفيا من غرفة نبيل والممرضة لا تزال مشكلة به.
ياسين: أريد أن أتحدث إليك اتبعني إلى المكتب؟
يا سين: أنا قادم.
تبقى الفتاة واقفة لوحدها ,تتبع خطوات الشاب إلى أن يغيب عن الأنظار..
لم يبقى لعيد الأضحى سوى أيام فقط وها هي دار الطفولة تستعد لهذه المناسبة بأجمل مظاهر الاحتفال.
فجر العيد يلوح هذا صباحه مستنهضا الهمم، ينهض المسؤولين قبل الجميع ,حاملين إلكترون النشاط والهمة ما ظهرفي أعينهم ,مساحة واسعة خلف البيت تخصص لذبح الاضحيات، ترتب الهدايا التي ستقدم كأدنى شهادة رضى من طرف الممرضين.
على غير ساعات تظهر صوفيا والمدير وإلى جانبهم ياسين وبعض المربين ,من فضل بقاء ,إلى جانب آخر ضيوف فضلوا الاحتفال بالعيد معية ضيوف الدار, يقوم ياسين بتسليم الهدايا الاحتفال الذي اجتمعوا في ساحة الدار غرفة واسعة كست أجمل التحف والمزركشات.
نبيل: هذا رائع.
ياسين: كل واحد يقوم ليأخذ ما يريد كهدية من الموجودات؟؟
زكريا: أريد قطارا؟؟
وسام: أريد سيارة؟؟
كثيرون هم الأطفال، الهدايا أكثر من كل فرحة , فالفرحة طفحت على ملامح الجميع، الكل سعيد لا أجمل ولا أرقى وأروع مما تراه أمامك تراه أمامك، سرور يبث فيك الفرحة وينسيك المتاعب شقاء أيام في لحظات، هي ساعات تنسى فيها كل ما مضى من تداعي.
تتقرب الفتاة السمراء من ياسين
عيدك سعيد؟؟
يرد عليها الممرض بأحسن منها.
الفتاة: لم تسألني عن اسمي، روضة إسمي روضة.
يبتسم ياسين، اسم رائع عاشت الأسامي يا روضة.
روضة: لم تزرك صديقتك هذا اليوم.
ذرف السؤال على ياسين غبار الشك، ونذر بتدخل واستعمار خطر، روضة مستدركة ,لا أريد التدخل في شؤونك، لكن كنت أتمنى أن تقبلي دعوتي على الغذاء غدا.
ياسين: لا للأسف عندي إلتزامات؟؟.
روضة: إذا غدا بالليل، لا أظن أن لك إلتزامات، فلا تنجح...؟؟.
ياسين بعد سرعة في التفكير: غدا في الليل بشرط...
روضة تنظر بملامح غريبة.
ياسين: لا أريد البقاء كثيرا....فالعمل ينتظرني؟؟
روضة: أهلكت نفسك كثيرا أعطيها فرصة راحة؟؟
يمضى الجميع إلى المرح والفرح مع الأطفال، فاليوم يوم سعيد توسط قلب الفرحة أطفال الدار، طاف الجميع لا يبغون إلا اللهو ومسايرته، الأحزان لم تعد رائجة درت الفرحة من السماء اليوم طبيعة شمسة وصبيحة المشرقة.
ياسين الصغير مع الصغار يلعب ويداعب وليكن هذا يحمل الطفل المقعد ويركض به، فكل إنسان فينا فيه طفل، ومن لا طفل فيه فليس بإنسان طبيعي.
ليمضي السرور بالجميع وإلى ساعة متأخرة من الليل إذا لم تقل قضى نهارا جميلا مشمسا ليسقطوا بعد ذلك في سبات عميق، يستمر نوم الأطفال إلى العاشرة بعد أن رفض أغلبيتهم النهوض لتناول فطور الصباح.
يمضي ياسين يوم إلى جانب الأطفال شأنه بقية الأيام ,ليخرج إلى الساحة معية الطفل وسام إلى الحديقة الدار يجلسا إلى بعض ينظر في محيا وسام، يتكلم بعد تردد.
كانا والداك رائعان أليس كذلك؟؟
وسام: لقد تركاني ورحلا.
ياسين: باستغراب شديد، وهو من كان يظن أنهما توفيا
وسام: هما حيان يرزقان، تركاني عند عمتي وسافرا إلى الخارج، بعدها توفيت عمتي، ليؤتى بي إلى هنا...
ياسين لم يضف شيئا عن ما قاله الصغير، أكثر ما قام به من مكانه ,وأدار العجلة على عجل .يسير الليل متأني، يقترب معه موعد العاملة بالدار كان يسير على موعده مع الروضة، لموعد العشاء وهاهي تنتظره أسفل الدرج وهاهو ياسين في موعده، يسيران إلى أقرب مطعم أهل بالعائلات، مما ظهر كانت روضة متعودة عليه وعلى الطاولة ,تجلس لياسين، تأمر لهما بالعشاء: لا بد أنك مثلي لم تتعشى بعد؟؟
ياسين مبتسما: لم أشأ ذلك لأني كنت على موعد معه؟؟
يذهب النادل، روضة: كانت صديقتك لطيفة؟؟
ياسين: من الندى... هى أروع ما صدفت، وعرفت ,وأحببت.
روضة: لا بد وأنك تحبها.
ياسين: هذا لا يحتاج إلى سؤال...كنت تريدين بمقابلتي لأجل هذا؟
روضة: لا إطلاقا... كنت أتمنى التعرف عليك... وان تقبل صداقتي
تمر السهرة في حديث عادي بين أخذ ورد لأن يسري الليل بعودة الصديقان، إلى دار الطفولة المسعفة، بعد ساعة من منتصف الليل... وقبل أن يذهب ياسين إلى فراشه ,يتجه صوب غرفة وسام :لم تنم أأنت صاح إلى هذا الوقت؟
وسام: وهو متمدد في سريره، نمت قليلا واستيقظت للتو.
وسام: وقد سره مجيء ياسين... هل كانت السهرة جيدة؟
ياسين وهو يرفع الغطاء إلى وجهه: عادي والآن نام واسترح فلم يبقى من الوقت الكثير،...
ينصرف ياسين إلى فراشه...ولم يمضى وقت طويل حتى يسمع صراخ وضجة فيستيقظ الحراس كما يهرول ياسين إلى الخارج يلتقي الحارس في الأسفل...
ياسين: من الصارخ
الحارس: إنها روضة فزعت من وجود قطعة في غرفتها...
يدب الصبح دبيب أدق الحشرات ,ماضية في سبيلها ,على ياسين أخذ الطفل مصطفى على العجل إلى الاستعجالات وبدخولهما إلى المستشفى ومع حسن حظهما قربه من الدار بمسافة 10 دقائق ,مضى من وقت الانتظار أطوله وإن كان في دقائق ,والطفل ممدود والممرضة تقوم بدورها معه، ليأخذ طبيب آخر المهمة التطبيقية ,عوضا عن الطبيب المداوي لأطفال الدار.
ياسين: ألم يأت الدكتور ع الأنوار؟
الطبيب: إنه يقوم بعملية جراحية للسيد باسم شكري ع الرؤوف
فجاة، يوافيه قلبه ,ليعكس ملمحة استغاثة هزة وقفته.
ياسين أتراه تشابه في الأسماء فقط في حين يستحرك: هل رأيت ملفهما؟ مع أنه يدرك سرية العمل إلا أن رأفت الطبيب جذبته وهو يتفحص الطفل: هو ذا فوق الطاولة..هل هما قريباك؟
ياسين بنوع من الارتباك..يقربان..أجل هكذا هما قريباي, وفي سرعة البرق خرج من المستشفى تزامنت لحظة خروجه من المستشفى بسيارة تنقله الى دار اليتامى , كما يشاء البعض تسميتها فتوصله ,يسرع نحو وسام ليجده جالسا إلى جانب الأطفال.. الكل حول مائدة الغذاء فلا شيئ في إزعاجه أو إيقاظ ...نفسه، يهمله إلى بعد.. ينصرف ويعودبعدقليل ليجده قد اتصل بغرفته.
ياسين: عندي خبر سار إليك؟؟
وسام وهو في المكتبة يتصفح أحد الكتب: رؤيتك تسرني؟؟
ياسين: لقد وجدت والديك؟؟
هذه العبارة لن ينسى صداها ووقعها، كان كميات من الثلج تنزل على قلب الطفل: أصحيح ما تقوله، لا أصدق ما تقوله، وكيف هما وأين هما ومتى وجدتهما؟
ياسين: بشويش كل شيئ بوقته... غدا سأعود وأحضر لك التفاصيل.
وسام: كيف هو حال أمي وأبي وكيف هما؟؟
تتخبط الأفكار والمعاني برأس الطفل الصغير يحاول بدوره أن يجد المخرج إليهما.
ياسين: لا تتعجل غدا ستجد كل الإجابات على أسئلتك ... كنت أريد أن أفرحك هذا اليوم فقط.
وسام: أتمنى لو رأيتهما ولو حتى من بعيد.
ياسين: أريدك أن تطمئن نفسك أم أنك لا تثق بي ...
كان النهار والليل بالنسبة لوسام أطول أيام حياته، تمنى الطفل لو أن عقارب الساعة تسرع لتنقله إلى سعادته، يأتي الصباح وانطلقا إلى المستشفى, فإذا به يجد نفسه أمام إمرأة تجلس بجانب سرير رجل مريض، لقد مرت ثلاث سنوات على الفراق والطفل لم يتغير كثيرا وهو يبلغ سبعة سنوات وها هو يرى أمه ... لم يجفى ولم يتغير قلبها يوما على ابنها. لحظة احتضان عيناهما له ثوان لا تصدق، ولا توصف عناق وحنين ورحمة ,أما الوالد فسقطت الدموع من عينه واحدة تلو الأخرى... حتى ياسين لم يستطع أن يخبأ فرحته ومسرته لمسرة الطفل. اذ علت الابتسامة شفتاه الرقيقتان ,يمكث وسام مع أمه من الزمن يوريها القلب الذي يحمله والذي يحمل صورتهما .فتخبره الأم أنها من وضعت في جهازه هذه الصورة لحظة تركها له. كما تتوعده أنها لن تتركه بعد اليوم كما تكاشفه نيتها في أخذه هذا الوقت معها إلا أن ياسين يلفت انتباههما أنهما خرجا بحجة أن وسام مريض ,وأن ثمة إجراءات يجب اتخاذها حتى يتمكن وسام من البقاء معهما.
فلا يمانع الوالد من أن يضم وسام إلى عائلته غدا بناء على طلب ياسين.
هاهو ياسين ووسام عائدا إلى الدار وهما في السيارة يميل برأسه صوب الطفل، ماذا دهاك لماذا كل هذه الحيرة...
وسام وهو غارق في التفكير: كأني أحلم، حلم لا أريد أن أصحا منه، كانت أمي وكان أبي إلى جانبي يقاطعه ياسين: وستنظم إليهما قريبا.
يدخلا الغرفة يستلقي وسام على الأريكة استلقاء من يكون قد أنهك من التعب...
ياسين: تريد الحقيقة يا صغيري.
يرفع الطفل رأسه نحوه.
ياسين: أبواك والدان رائعان على خلف سلبيات، أسباب تركك عند عمتك لا ينطق الطفل ببت شفة في حين يتركه ياسين ويغادر.
العصر يرفع أذانه مهللا ,ويغادر الصديقان الغرفة إلى الحديقة, كان الشاب على طول قامته وقده ملفت الجميع واستحوذ أنظار العاملة روضة والتي كانت ترقبه من نافذه الميتم من الطابق العلوي
شادة بالدربزون, بينما يستسمحه الصغير ليرحل إلى غرفته.
يبدو ياسين غارقا في التفكير، يتبنى توريف شجرة لتستوطنه بجمالها ,وبينهما هو كذلك إذا يلمح من قريب غير بعيد وحيد عمره ومنبت فرحة ,وحاملة المسرة له ,ندى فيرسم محياه ابتسامة التصقت بالضحكة سروره غير متوقع.
ياسين يهم واقفا: اه ندى ... جئت في وقتك.
ندى وقد ابتسمت له ومدت نحوه يداها تصاحفه، فيضم يداها إلى يديه في نوع من الشوق.
ندى: كنت مارة من هنا فقلت أمر عليك ... وهل أنت بخير؟؟
ياسين: أنا بكامل حيوتي ما يقتضي هو أنت فقط.
ندى: أنت لا تزال بشقائك...
يمشيا الحبيبان مع بعضهما البعض... تقف روضة وكأنها تهضم الموقف بصعوبة ,إذ هي تضمر غيضا، وعيناها تفيض بالحسد والشر في هذه اللحظة، تخبر ندى ياسين أن والدها يريد فصل علاقتهما عن بعض وأنه يريدها أن ترتبط بطبيب مثلها أو باحث.
ندى: يرى أنني ارتفعت مع مستواي العلمي
ياسين: وأنت ماذا ترين؟؟
ندى: تطلب مني ماذا أرى؟؟ فالمهم هو رأيك أنت؟؟ وهل تريد مثلا أن تتخلى عني؟؟
ياسين: ما هذا الكلام ... أنت أقرب من نفسي ومن حياتي وهل ترين غير ذلك...
ندى: قلت لأبي أن حياتي معك هي الحافز الوحيد لتطوير نفسي وارتقاء مستوايا الدراسي.
لم يتوصل الحبيبان من خلال ذلك إلى أي حل سوى تبادل الأفكار، والذي زاد الموقف قوة حرارة الحبيبان المفعمان بالحيوية.. كان كل واحد منهما يتحرك شوقا للآخر وضم الأيام السعيدة معا.
تمضي ليلة ولحق ميعاد ذهاب ياسين ووسام إلى المستشفى كما تواعد في الطريق وهما على متن السيارة والسكرتيرة، يسأل وسام ياسين: أتراهما تركا المستشفى يبتسم ياسين في وجهه.
وعلى الرغم من صغر سن الطفل إلا أنه كان على درجة من الذكاء.
وسام: أنت لم تحدثني قط عن والديك.. أين هما؟؟ هل يسكنان بعيدا عنك...
تبدل وجه ياسين واختفت تلك الابتسامة ليحل محل العبوس...
ياسين: نعم توفيا..لكني لا أريد أن أعكر عليك فرحتك؟؟
وسام: لا إطلاقا بل يسرني سماع ذلك ,ودي لوأساعدك ألم تساعدني أنت...
يبتسم ياسين: سأحكي لك ما أوصلني الوقت إلى المستشفى موافق أنت.
وسام: أجل موافق.
يسرع ياسين في سرد وقائع قصة أبويه بحلوها ومرها،و ليس بالوقت الطويل ,حين توقفت السيارة عند باب المستشفى، يرفع وسام رأسه لياسين وهو يقف إلى جانب باب السيارة: الآن عرفت لماذا اخترت العمل بهذا المكان؟؟
يمضيان إلى الداخل إلا أن لياسين لم يضاعف ولم يزد شيئا عن كلام صديقه.. إذ الطفل مكتفى بابتسامة معللا ما ورد منه...هاهي الإجراءات تتم في سيران سريع بعدما وافقت المدرسة على مغادرة الطفل لبيت والديه... هاهو بالغرفة إلى جانبها.
كان اليوم طويل بالنسبة للمرض الشاب قضاه ذهابا وإيابا وإجراءات متعددة بين الإدارة المستشفى والمدرسة ليمضي الطرفان على آخر الأوراق، فلم يكن ليعييه التعب أكثر اشتياقه لصديقه، كان مسرورا لصديقه الطفل الذي لا يرتاح إلا إليه.
عند المغيب يعود كما تعود أغلب خرجاته... وما إن يدخل من البوابة الكبيرة الخضراء ويتخطى الحديقة يجد زكريا المتعود الجلوس عند المدخل.
زكريا: أين وسام هل صحيح غادرنا؟؟
يقترب منه ياسين يهشهش في أذنيه.
ياسين: لقد أخذاه والداه
يطرق الطفل قبل أن يقول واضعا عيناه إلى الأرض.
زكريا: ألم يقال أن الدنيا حظوظ.
ياسين وقد أدرك أن الاستمرار في الحديث قد ينقل الطفل إلى حزن ومطبات الكآبة فيغير الموضوع :ألا يسعدك وجودي معك؟.
ياسين وها قد جاء الوقت ,وبابتسامة ,وخلى الجو لك ,يمسح على رأسه بلطف ,ويواصل طريقه متجها إلى غرفته .وكما هو متعود كان متوقعا من الشاب أن يجد روضة الفتاة العاملة بالدار أمامه، الساعة لم تظهر أمامه ,يتنهد خفيفا ,إنذارااراحنا من رؤيتها: يا ترى هي أين؟؟
ينزع ياسين حذاءه وسترته ,ويلبس منامته المخططة ,لا يحس بجسده المثقل ,إذ بصبح يقترب كاشفا عن فجر بارد .فصل الصيف على الأبواب والشبابيك مفتوحة على آخرها, علها تسري من الهواء ما ينعش الأرجاء.
أزرتها الزرقاء كزرقة البحر تترنح ,لتسدل نسمات صيفية منعشة , الشاب ممدد رامي غطاءه جنب أخمس قدماء.
تستقدم صوفيا على غير عادتها تطرق الباب وتدخل: ياسين، ياسين ...؟؟ يرمرم مغطى حبات العرق.
ياسين: لا.لا تفعلي ... ينهض مفزوعا – بعدما رجته بعنف.
صوفيا: استيقظ ماذا دهاك؟؟- يرفع ياسين رأسه بسرعة البرق محمر العينين ينظر يديه: لقد لدغتني هنا ويشير على يديه اليمنى.
صوفيا: من.؟ تنظر إلى يديه – لا يوجد شيء انهض لديا خبر عاجل لك لا يستوجب التأخير.
ياسين: خير إن شاء الله؟؟
صوفيا: هناك من هو مبلغ عنك بأنك عربيد وزير نساء.
وأشياء أخرى حجبت عنا وهي تتذكر اه. وهناك عملية إختطاف منسوبة إليك شبكة تنظيمها.
ياسين وهو يمسح عيناه بيديه: ما هذا الهراء...
صوفيا وهي تغادر الأمر صحيح ورجال الشرطة في الانتظار, ينهض ياسين ليرتدي ملابسه وهو يقول: شرطة واختطاف من المدبر لي كل هذا ... ينزل ليجد الشرطة ومعهم صوفيا والمدير.
صوفيا: ذا ياسين؟
الشرطي: عندنا أمر بالقبض عليك؟؟
ياسين وهو لا يزال واقفا: من المبلغ...
الشرطي: في المركز تعرف كل شيء.
وليس بالوقت الكبير أين تنطق سيارة الشرطة صوب المركز، لا يزال الصباح في أوله ليترك الجميع نيام، أطفال المركز في سبات عميق ,في الطرق تتضارب في ذهن ياسين مجموعة من الافتراضات حول المبلغ عنه، فالشاب ليس لديه أعداء.
ياسين: أتراه من يضمر لي الحقد والحسد، لا أظن أن هناك من على هذه الدرجة من القسوة.
في هذه الأثناء يجول في خاطره اسم روضة.
ياسين: أتراها هي الواضعة لهذا المسلسل ... محدثا نفسه – لا اعتقد كيف لفتاة بمثل رقتها ,بكل هذا. ثم ماذا بيننا يستدعي المجازفة ...
لا يتوقف رأس ياسين على التفكير حتى ينتبه لصوت الشرطي, يأمره بالنزول من السيارة . يدخل الشرطي المتهم ماسكا ذراع ياسين بيده و يأمره بالجلوس.
الضابط وهو يعتدل بمكانه: أنت مطلع على التهم المنسوبة إليك، هي مجموعة لا بأس بها ينظر الورقة بين يديه .العقوبة لا تقل عن عشرين سنة ثم وهو ينظر إليه, ولو حسبت عواقب ما تسير فيه لوجدت نفسك أن بقية عمرك ستقضيه في السجن كما أرى أنك في ريعان الشباب ...
ياسين: هل لي بمعرفة من المبلغ ؟
الضابط: وانت من تتهم؟
ياسين: لا أعرف شخص بهذه الصفات والخيانة.
الضابط: روضة؟؟
يقصف البرق ويبرق ضياءه فوق رأسه, ويهجو فروته ,وتخشع عيناه ظلام قاتل ,تتزلزلت الأرض بكلمة تحت قدميه.
ياسين: محدثا المجهول روضة الممرضة بالدار؟؟ ... ما كل هذا يرفع عيناه إلى الضابط .ولماذا؟ يتفوه تفوهات غامضة متفرقة لا يستطيع جمعها.
الضابط: أنت متهم بمحاولة الاعتداء عليها وسرقة مجوهرات, التي وجدت بخزانتك ,كما عليك تهمة القيام بأعمال غير مشروعة سكير, وعربيد والتحريض على الجريمة.
ياسين: هذا باطل ومزيف كله كذب في كذب، إنها انسانة مريضة هي التي تتحرش بي ولا شأن لي بها سوى أنها زميلة.
الضابط: قل ما شئت أمام النيابة العامة؟؟
ينادي على الشرطي ليدخل هذا الأخير ليشر عليه بأخذ المتهم إلى النظارة على ذمة التحقيق.
ياسين: أنا مظلوم والله مظلوم هذا ظلم.
وهو يجر من يده: ما كنت أتخيل هذا؟؟
ينضم ياسين إلى قائمة المتهمين يجلس إلى مجموعة منهم أخذا مكانا معزولا شردا وحيدا كما كان منذ غادرت أمه الدنيا.
ياسين مخاطبا نفسه: من ذا الذي يضع الثقة بآخرين ,ومن قال أن الحياة لم تنكسر يوما ,.......الساعة تقارب الثانية عشرة وشيء لم يتغير، يحضر الطعام للمساجين وامتنع ياسين رغم الإلحاح أحد المساجين .وتمر الثواني وكأنها ساعات والساعات كأنها أيام .إلى أن يأتي يوم جديد الساعة تقارب التاسعة صباحا هذه الأثناء يسمع وقع أقدام ,وصوت مفتاح يوضع بقفل الباب.
- ينادي الحارس بأعلى صوت على اسم ياسين .. ينهض هذا الآخر بسرعة متجها نحوه, يلمح الشاب رجل مفتول العضلات تعد عليه علوة درجات الفضول ,هو ذا المحامي المكلف.
- الرجل: صباح الخير متجها بالكلام إلى ياسين ؟؟
وكأنه يعرفه منذ زمن.
- ياسين : صباح الخير سيدي.
- الرجل مدركا وجل الفتى و طفحان ميزان الغرابة به وبمشاعره ,.مقاطعا عليه خلوته: أنا المحامي وريدي وريد الأسكندر.
- وقد أوكلت لي السيدة ندى قضيتك.
- ياسين مندهش لسماع اسم ندى. أين هي؟
لم تأت معي لقد جاءت عندي إلى المكتب وقد أوكلتني عليك ويواصل ,اترك كل شيء جانبا قل لي.....
سأحاول هذا اليوم أن أفرج عنك بكفالة إن أمكن ...
هل معك مال؟
ليس لدي الأدنى منه.
وهل لك أقارب؟؟ وملك تعتمد عليه؟
ولاشيء من هذا القبيل؟
ينظر إليه المحامي وهو يسير معه متجها إلى المكتب وخلفهما شرطي قوي العضلاة
- المحامي مبتسما: بيد و هذا المكان ليس مكانك... سأكفلك من عندي
- ياسين متعجبا؟ كيف هذا....أيعقل تدافع عني وتكفلني هذا لا يجوز
- المحامي: ولحظة توفرك على المال بإمكانك أن تسدد وإن لم تستطيع فالله كفيل؟؟
تتم إجراءات الكفالة، وتوافق المحكمة على إخلاء سبيل الشاب مقابل مبلغ من المال, إلا أنه منع من الاقتراب من دار الطفولة المسعفة .كما منعته مداومة التداول على هذا المكان بالمرة ,وإن لم يمثل للأوامر فسيعود للسجن ,كما فرضت عليه الإقامة الجبرية منبهة إلى عدم تجاوز معالم الأماكن المعنية له بالتنقل.
شروط قضائية من بين أخرى المجبر الأمتثال لها.
- يتجه ياسين إلى منزله ؟ ما تبقى له بعد والديه وما تبقى له من الدنيا كلها.
- يفتح الباب وقد تراء ظله في الظلمة كالشبح الممد أفقا.
- الأثاث كما تركه ,والمكان كما هو, باستثناء غبار قليل منتشر هنا وهناك معاتبة على الغياب.
- يدخل ليحمم، ويأخذ قسط من الراحة اذ بدى مرهقا من التعب.
- يجلس على الأريكة وقد عاد لوجهه احمراره .وعم قلبه تنفسا أحياه، يقلب وجهه يمينا وشمالا، يركز نظره على غرفة أمه ليغرق في سلسلة من التخيلات، تعود به إلى ماضيه الحلو على الرغم من عنائه، كان ماضيه هو كل حياته والصدر الوحيد الذي يرتاح إلى ضمه، وهي تطبطب على كتفه.
- يغفو لا يعلم إن طال ذلك أو قل ما لم يؤكده طرق الباب، يفيق ياسين من غفلته منتبها للباب.
- ياسين: من تراه الطارق؟؟ ومن هذا الذي علم بهذه السرعة أني هنا، يفتح الباب ليجدها صوفيا.
- مساء الخير.
- مساء الخير
- صوفيا : زكريا يريد رؤيتك. اليوم هو مريض ,ويتمنى رؤيتك.
- ياسين : ماذا به؟
- صوفيا : عندما تأتي تعرف كل شيء.
- ياسين : أنا محروم من زيارة الدار.
- صوفيا: أعلم ذلك لذا يمكن لك استغلال الفرصة وسأكون بانتظارك لأدخلك...
يحضر ياسين ليلا ويجد صوفيا في استقباله لتشير عليه بمكان الدخول ... هي ذي حدود العاشرة ليلا.. تقارب دقائقها النصف ساعة... الجميع نيام يطرق ياسين باب زكريا .. الباب مفتوح. يتسلل إلى الداخل.
- ياسين : مساء الخير.
- ينتبه زكريا إلى الباب ليكشف وجهه ابتسامة عريضة ونشوى غير متوقعة تنتشر به حوله يعتدل في السرير ... مشيرا على ياسين بالجلوس قربه.
- ياسين : ما كنت أتمنى أن أراك هكذا؟؟
- يعاود زكريا رأسه إلى الوسادة.
زكريا : أنا اليوم جيد مبتسما وأنا ممتاز بعد رؤيتك؟؟
زكريا وهو ممدد كوله ظاهر أسفل الغطاء الأبيض.
- آه يا صديقي ذاقت بي الدنيا ولم أجد من يؤنسني فطلبتك.
- ياسين : أدرك أن بك مرض ,وأدرك أن العلاج منه مطرقا وقتا قصيرا...لكن لا عليك الله قادر على أن يكفلك؟؟...
مرض زكريا...عضال كل ما قام به الأطباء أضحى هباءا, لذا فالمدة الأخيرة قوي به الألم ,ولم يتحمل جسده مسايرته ولا حمله... وقدرته التحملية ضئيلة...
يجلس ياسين الى الطفل ذو ثماني سنوات إلى ساعات متأخرة من الليل, ساعدهما في ذلك استغراق الجميع في نوم آخذ لهمتهم وأجسادهم، بما فيهم المشرفين على المدرسة.
تطرق صوفيا الباب وتدخل, تجد زكريا قد نام ..... يفيق ياسين من سبات عميق على وقع دقات عنيفة والتي لا تتوقف إلا بعد فتحه... إنه المحامي.
ما هذا أنت نائم إلى هذه الساعة؟؟ وهذه الحرارة ألم تؤثر عليك ؟؟
- ياسين وهو يغلق الباب خلفه، ويشير عليه بالجلوس.
- لقد كنت متعبا ليلة البارحة فنمت معمقا....
- يجلس المحامي ويضع إلى جانبه محفظته.
- المحامي: ياسين لقد تشابكت الأمور أكثر... يأخذ ياسين مكانه على الأريكة المقابلة.
- المحامي: الأدلة ثابتة عليك... ولا دليل بأيدينا...كما أنك لم تساعدني بما فيه الكفاية... واكتفيت بالرد بالكلام فقط لا إثبات ملموس.
وهيئة محكمة لا تؤمن إلا بالملموس .
- ينظر ياسين دون أن ينطق... يتهيأ لينهض
- نخذ كوبا عصير لنعرف كيف نتكلم بأكثر راحة
- المحامي: لا داعي.
- فليس هناك وقت...لقد جئت لأخذ رأيك بالقضية خصوصا والعرض المقدم لك من طرف والد (ندى)
- استغرب ياسين ما سمع وطفحت الدهشة محياه، كيف بتدخل والد ندى في قضيته.
- ماذا ؟؟
- المحامي: يقدم لك عرض مفاده إقناع روضة التخلي عن اتهاماتها، ما فيه ابتعادك الكامل عن طريق ابنته
- يقف ياسين مشلوشا من مكانه
- لا أكاد استوعب ما تقوله... أولها ما دخل والد ندى بقضيتي
- المحامي: أنا قادم بشرح كل غموض... يقدم لك أو يقترح عليك مقابل و تبتعد عن ابنته... إذا لم نقل تنساها نهائيا.
يسترخي ياسين على الكرسي.. وهو لا يكاد يحمل نفسه ما تلقاه جاف حامض فائق الحموضة.
- المحامي: أدرك أن ندى هي وحيدتك المفضلة لكن... ماذا تريدني أن أقول لك هذه هي الدنيا وهذه هي أحوالها... وأني أراك غير مستقر الرد هذا الوقت... لذا أطلب منك الحضور إلى المكتب في مدة لا تقل عن ساعة وأنا الآن متجهة إلى المكتب.
- ياسين: حسنا سأحضر وأراك مباشرة....
ندى فتاة الواحدة والعشرين من العمر شابة جميلة- رائعة الصفات ذات طول ظاهر وبشرة بيضاء...تدلي شعر أصفر عليه, وأنف رقيق ,وعينين سودوتين. وقد نحيف يعكس روعتها، تعرف عليها ياسين أيام الجامعة فأحبها وأحبته في الأيام القلائل التي زاول دراسته, لتقوى علاقتهما شيئا فشيئا وكانا يلتقيان تقريبا كل يوم لم يفترقا إلا في المدة الأخيرة ,وهي الفترة التي رحلت فيها العائلة عن البلدة لتسكن البلدة المجاورة ,مما جعل لقائهما يضطرب ويرتبط بأوقات معينة.
وغير بعيد عن مغادرة المحامي، حتى يجهز ياسين ويتهيأ للخروج ,وعند الباب يتجه بعينه صوب صورة أخرى منفردة لوالدته يقترب منها يمسح عليها بيمناه.
- آه يا أمي كم اتمنى في هذا الوقت لو كنت معي فصدرك يخفف عني حرقتي ,ولا حبيب يؤنس فراغي بعدك ,ومن ذا يصدق ندى تتخلى عني هكذا؟
طريق كاملة... المسافة بين البيت ومكتب المحامي أخذها ياسين وهو على متن سيارة طاكسي غارقا بجور التفكر.وظلامه
وهذه المرحلة العصبية حيث وضعت الدولة إجراءات مشددة على كل مخالف للقوانين، ومع انتشار جرائم السرقة والسطو والتعدي الغير والإرهاب الفردي والجماعي, كان كل مخالف يأخذ عقابه .هذه منشورات قسمت على كافة أقسام الشرطة وأعطت الإشارة لتطبيقها لذا، كانت إجراءات تطبيقها سارية المفعول.
تقف أخيرا السيارة على عتبة الباب ,يتجه إلى المدخل ,كان شابا مفعما حيوية رغم ما كان من مشاكله إلا أن قدرة تحديه أكبر...يدخل ليستقبله المحامي...
- المحامي: يا عزيزي يجب أن تختار ما يخدمك وما ينفعك . لذا أتمنى أن يكون رأيك غير مبني على عجل، أو على ضغوطات.
- كانت كلمات المحامي ناجعة, من صميم رجل كفؤ مقدر لما هو فيه وعليه الشاب الوحيد. المحامي رجل بالغ العقد الخامس من العمر, قد تقلد عدة مناصب ومرت عليه قضايا اكثر خطورة قاربت وتعدت القضية التي يعانيها ياسين.
كما قدر حالة موكله وأخذ على عاتقه تكاليف القضية.
في هذه الأثناء ينظر إليها ياسين: وما رأي ندى فيما أقدم عليه والدها.
المحامي الذي قدم إليا كان الوالد .... ولم تحضر معه أي امرأة ... وعليك أن تستنتج فالوالد لا اظنه قد طغى برأيه على إبنته ,وإلا كيف تفسر عدم ظهورها.
ياسين: أو يمكن تفسر ذلك تفسيرا آخر, مفاده انها لم تسمع ما قاله أو فعله والدها.
المحامي: وهذا احتمال أحر يمكن أن نرجحه لاكن في حالة واحدة فقط ,وهي انها متمسكة وواثقة بك كثيرا.
ينظر عبثا الى ياسين أي أنها تحبك .... والدافع عاطفي.
يمعن ياسين النظر بمن أمامه كمن غاب عن الوعي ... مدركا ما يقصده بكلامه ... والد ندى بإقدامه على مثل هذا يدرك جيدا ما يفعله ويعمله.
ياسين: كم هم ظلمة هؤلاء الأباء ,يبحثون عن سعادتهم الفردية ولو كانت على حساب سعادة أولادهم، انه بغض البشر.
المحامي: والآن أريد سماع ردك.
ياسين: هل لي أن أرى ندى قبل أن أقدم أي رد، وصدفة إن كانت صدفة ... تدخل السكرتيرة لتقول لها ثمة من يريد أن يراه وأن القضية متعلقة بياسين.
بأمر المحامي له بالدخول ... تعقد الدهشة ألسنة الجميع ... الرجل والد ندى قد جاء ليعرف الرد ... يفض الرجل نظره عن ياسين .ويتجه بالحديث إلى المحامي.
وما كان الرد؟؟
المحامي: أجلس ودعنا نتفاهم.
الرجل وكانه لم يسمع ... لقد إقترحت عرضا .... أردت به المساعدة لا غير...
يقف ياسين من على الكرسي كيف حالك يا سيدي؟؟ وكيف هي ندى؟؟
لا شان لك بها بعد اليوم ... منبها، لذا لا أريدك ان التفكير بها..
المحامي: مشيرا عليه بالجلوس.
أتركنا من هذا الموضوع أريد أن أسألك ما علاقتك بالممرضة، ويواصل أو لست أنت مقدم للعرض.
الرجل وبنوع من الارتباك.
كنت أعرفها بما أنني أعمل كحارس في مدرسة والدها.
كانت تحضر كل يوم لتمر على والدها، وسمعت بالقضية التي تورطت بها، مشيرا إلى ياسين.. فجئت ما تأخر لأقدم العرض، فأنا فاعل خير فقط يقول والد ندى, يرد عليه ياسين بنوع من اللامبالاة ثم هم كثيرون أمثالك.
الرجل: ما القصد.
ياسين: فاعل خير؟؟ مستدركا: أريد منك طلبا أخيرا إن أمكن ... وهو أن تتركني أرى ندى ولو لآخر مرة.
الرجل: ما جدوى رؤيتك لها، و تقول لآخر مرة ... وعلى العموم سأبلغها سلامك ككرم مني .. أظن هكذا نكون قد انهينا الموضوع ... وسيخلي سبيلك في غضون أيام فقط وهو وقت كافي لذلك وسأتكفل أنا بمبلغ الكفالة ... فلا تحمل هم ,لأني أعرف أوضاعك المالية الحالية ,والآن أظن كل شيء يلقى الرضى . وينهض ليخرج.
إنتظر هناك إجراءات سيقوم بها لمحامي مكلما ياسين هل أنت موافق؟؟ يطلب من والد ندى التريث.
ليعود إلى مكتبه ... متجها لياسين أظنه عرضا مربحا فيه كامل راحتك وحريتك، وكل شيء آخر يعوض ... ينظر ياسين إلى المحامي وقد قدر ما بعينيه ,ثم يولي برأسه إلى الرجل الذي قتله عدة مرات و هذه المرة قضي علىه نهاءيا,و بضربة في صميم القلب، وبعد برهة يسمع الرد.
أنا موافق ... فلا يسعى الا القول حسبي الله ونعم الوكيل ...
يقدم المحامي مجموعة أوراق ليمضي عليها الرجل ... بينما تغرورق عيني ياسين بالدموع ,ويترك المكتب ويخرج بخطى متثاقلة غير مبالي بنداء المحامي.
يأخذ الشارع الرئيسي ماشيا غير مبالي بالمارة ,وهو مطعون بخنجر السنون , فوفاة أمه أفقدته نصف الحياة ,وفقدان حبيبته الغير المتوقع أفقده النصف الآخر وهو لم يزل ما تخطى الثلاثين من العمر ,يمر الوقت به والساعات بين الجلوس والسير إلى أن يصل إلى الكرنيش مقابل البحر والمطل عليه، بعد الظهيرة و الرأس غارقا في التفكير, مما يجلب البصيرة لأكثر من مار بالمكان.
بينما هو كذلك تسقط دمعة من عيني ياسين ... يحس بأحد يشاركه لمجلس .... كانت إمراة طاعنة في السن جاءت تلتمس الراحة تقول دون ان تنظر إلى ياسين.
ماذا بك يا ولدي؟ وما هذه الدموع ... يلتفت إليها ياسين ثم يعود ليطرق.
العجوز: خذها نصيحة من عند أمك لا شيء يستدعي البكاء ولا حتى الندم.
يتنهد ياسين دون أن ينطق ببنت شفه ... تواصل العجوز.
كانت أمك؟؟
ياسين: وقد أدرك إصرار العجوز.
كانت أمي وصديقتي وكل شيء.
العجوز: ايه.. إنك تذكرني بنفسي لحظة فقداني زوجي وتخلي أولادي عني.
يدرك ياسين، ثمة ما هو أكثر منه من حيث المشاكل وأن لها وما عليها من المشاكل ,فأراد أن يخرج قليل ما تعانيه العجوز.
أراكي مهمومة اكثر مني....
العجوز: كان زوجي جندي في الجيش، وكنت أحيا أروع حياة ,وهي تبتسم (كنت جميلة وتزوجنا عن حب إلى أن جاء ذاك اليوم وتوفي زوجي ... فبقيت مع أولادي الذكور الثلاثة وبنت ,الذكور كلهم تزوجوا وتركوني كان فراقهم صعب عني).
ياسين: هذا ما ألمك؟
العجوز: أكثر مما تتخيل؟؟
ياسين: والآن مع من تعيشين؟؟
العجوز: مع ابنتي ...
ياسين: أظنها ترعاك جيدا.
العجوز: الحمد له أنا الآن أفضل مما تتصور؟؟
وكأنها تسترجع طريقا سارت به.
زدت على همك ... ففيك ما يكفيك؟؟
ياسين: لا على الإطلاق لا تتصورين كم يسعدني جلوسك معي وحديثك لي...
العجوز: وانت تبدو في ريعان شبابك، وتحمل أكثر من هم رجل عجوز (تبتسم) يتنهد ياسين زفرات حارة حالتي خاصة فالدنيا أعطتني ثم ادبرت عني ,تتفقده العجوز محتجة عن الفهم.
ياسين: كان لي أم وحبيبة وأضحيت بلا حد ... ووحيد ... يقف من مكانه يضع يداه على كتفي العجوز وينهض دون النطق بكلمة ,بينما تبقى العجوز جالسة بمكانها.
تنظرالى البحر من بعيد .وقد أضحى عاكسا تموجاته على تموجات وجهها التي تقلصت طرفا العيون. راسمة شكل آخر لوجه ناصع البياض وأنف صغير مدبب ,وعيون أصغر منه نامت عليهما حاجبان كانهما الهلال في ربيع مورد توضح عيون الرؤى ...
الوقت قارب الخامسة مساءا قى معظمه وبقي الشاب بين المشي والجلوس، والتنقل بشوارع المدينة إلى أن اوصلاه قدماه إلى منزله .المكان منتهاه وملاذه الوحيد بعد فقدانه كل عزيز وغال ....
يفتح باب غرفته ويستلقي على سريره غارقا في التفكير, والذي أهلكه وأنهى ما به من حيلة وقوة وعزيمة.
محتجا على نفسه.
لا يتسنى ما بي إلا تجندي, يرفع رأسه إلى امرأة أمامه ,السن غير مهم سألجأ للمعارف , وهو يسترجع ... يقال هناك معاناة أكثر في هذه الحياة ,وكمن يعيد لنفسه الحديث ,ولكن ما العمل كل شيء في هذه البلدة يذكرني بما عدم النسيان ,وضعف النفس يرزق جرثومة الوسواس.
المراة: ابقي هنا وابحث لك حياة جديدة؟؟ وهنا الفرص كثيرة.
ياسين: لا أظن مع المجندين سأجد أناس وأصدقاء آخرين ... غالبيتهم الساحقةرجال ومستوى ونوع
خاص من التفكير ... وأغير البلدة .... فسحقا على ماض
عقيم لم يولد إلا الحيرة, لكن ما يحزنني أني سأفقد مكان أمي الغالية ,نعم هذا كل ما لدي هنا ..
في الصباح الباكر يستيقظ ياسين ويتحمم حمام دافئ ... يلبس أجمل ما لديه, سروال أسود وسترة بيضاء يلمع حذاءه ,ويجهز كل أوراقه ويضعها جميعها في ملف ,وما إن دقت الساعة الثامنة حتى
حمل ملفه واتجه نحو مركز الشرطة ليقدمه للمشرفين ,وللحظ الدولة محتاجة لكل عون وطني يخدم ترابه وأرضه ,كسد فراغ واكتمالا للطريق...
يقبل ترشح ياسين كعون في الجيش ,ولأنه جامعي وذو مستوى دراسي مؤهل يرقيه إلى أفضل المناصب .... في أقرب وقت.قبل بسرعة
في اليوم الموالي يجهز الشاب كل ماله في حقيبة صغيرة تحفظ له احتياجاته الضرورية ...
على طريق المركز يعرج على مقبرة والدته ... طريق مقفر تربع بترابه جثمان اهله ... يضع ورودا خضراء أغلبها يقرفص ,ويقرؤ الفاتحة......كان هذا آخر ما قام به ياسين وهو متنقل للتجنيد ...ها هي خطواته.خطوات حثيثة ومركزة ولا يدور بذهنه سوى ما ينتظره,وما يتمناه
واخر ما قال وهو على بوابة المركز- .,,,,يولد الإنسان وحيدا ويموت وحيدا ومن يخالف إن قلت الإنسان وحيد العمر.... ودعنا بهذا ثمرة الحزن ,و التي أضحت شجرة ليمضي الماضي وماآت هو الحاضر والمستقبل.... فتوبي لمن غلب وتغلب,... ليس هذا هروبا إنما لمسا للتغيير وتحدي ونسيان. لازلنا كان وكان ..ومازلنا نفكر ..لماذا والزمان شاء كتابة سيرنا .وللحياة بقية تخاصم وتخاطر تصادق وتصادم ,لكنها تصحح بالتسامح ,وتفيء علينا بما توقعه من معاملات هي مجرى الحياة.
وسوم: العدد 895